خبر حملة اللوبي “الإسرائيلي” على أردوغان .محمد نور الدين

الساعة 10:54 ص|30 يناير 2009

 

تحرك اللوبي “الإسرائيلي” في الإعلام التركي سريعاً منذ بدء ظهور مواقف رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان ومسؤولين أتراك آخرين المؤيدة بشدة للشعب الفلسطيني والمنددة أيضاً بقوة للعدوان “الإسرائيلي” على غزة.

وتركزت انتقادات اللوبي المذكور، وكلهم بالطبع من الأقلام التركية، على أن مواقف أردوغان المنحازة لمأساة الشعب الفلسطيني ودفاعه عن حركة حماس سوف تخرج تركيا من دور الوسيط النزيه والحيادي كما بين سوريا و”إسرائيل” كذلك بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية وعموماً في مجمل قضايا المنطقة.

ولعل أخطر ما في الحملة على أردوغان أن مواقفه المؤيدة للفلسطينيين وحماس تؤجج الكراهية لليهود وترفع مستوى نزعة العداء لليهودية والسامية في تركيا. فضلاً عن تأثيرها السلبي في مصالح تركيا في مكافحة الإرهاب، وعلى الصعيد الدولي في مواجهة جهود الأرمن لحمل الإدارة الأمريكية الجديدة على الاعتراف ب “الإبادة الأرمنية”.

 

يتحدث البعض في تركيا عن سلسلة أخطاء ارتكبها أردوغان أو حزب العدالة والتنمية في التعامل مع القضية الفلسطينية، أولها استقباله خالد مشعل بعد فوز حماس بالانتخابات النيابية. والآن اقترابه من المحور السوري - الايراني في الدفاع عن حماس.

لكن ما يغيب عن بال منتقدي أردوغان في هذه النقطة أن الغرب نفسه الذي يتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان كان أول من انتهك وانقلب على هذه القواعد، عندما لم يعترف بنتائج الانتخابات النيابية التي أسفرت عن فوز ساحق لحماس قادها الى السلطة. وكان من الطبيعي أن تعترف تركيا بالنتائج وتعتبر حماس الممثلة الشرعية للشعب الفلسطيني في الداخل وتستقبل ممثيلها وفي مقدمهم خالد مشعل.

وانطلاقاً من هذا الواقع كان تواصل تركيا مع حماس خلال العدوان “الإسرائيلي” على غزة. فوجود قنوات تواصل تركية مع جميع الأطراف في المنطقة وفي ظل عدم قدرة أي طرف على القيام بدور تركيا الوسيط ولا سيما مصر التي تنظر إلى حماس على أنها خطر على النظام وليست ممثلة شرعية للفلسطينيين، يجعل تركيا الوحيدة القادرة على كسب ثقة حماس وعلى التواصل مع “إسرائيل” ومصر في الوقت نفسه. إن تولي أنقرة حمل مطالب حماس لا يعني تبني ايديولوجيتها أو موقفها من الصراع العربي - “الإسرائيلي” بل إن تركيا تدعو حماس دائماً إلى التخلي عن المقاومة المسلحة والانخراط في العملية السلمية وإلى وقف اطلاق الصواريخ على “إسرائيل”. لكن تركيا ترى وهي على حق أنه لا يمكن تجاوز حماس في حل نظراً لموقعها التمثيلي لدى الشعب الفلسطيني. فأين الخطأ في مجمل الموقف التركي وأين هو موضع الانحياز؟

وإلى ما قبل بدء العدوان بساعات كانت تركيا هي التي تقود أول عملية تفاوض غير مباشرة بين سوريا و”إسرائيل”، وكانت على وشك التحضير لاستئناف الجولة الخامسة من المفاوضات بينهما. لكن عندما يأتي رئيس وزراء “إسرائيل” إيهود أولمرت الى تركيا قبل أيام من بدء العدوان على غزة ويغرق الأتراك في الحديث عن السلام، ثم ما يلبث أن يكذب على أردوغان ويشرع في عدوان وحشي على سكان غزة، فعن أي سلام كان يتحدث أولمرت في أنقرة؟ وهل كان أحد يتوقع أن تبقى ثقة تركيا قائمة في ذهنية الإبادة “الإسرائيلية” التي أفضت الى مقتل ما لا يقل عن 400 طفل و200 امرأة من أصل 1300 شهيد في القطاع؟

مع ذلك فإن أردوغان لم يصل في انتقاده ل “إسرائيل” الى درجة استدعاء السفير التركي في “إسرائيل”، في حين أن حكومات سابقة علمانية في الخمسينات والثمانينات وصلت الى درجة تخفيض العلاقات الدبلوماسية الى رتبة سكرتير ثان.

لقد انتفض أردوغان لكرامة تركيا ولدولة تركيا وأثبت أن تركيا ليست جمهورية موز ليلعب بها ويستخف بها أحد مجرمي الحرب “الإسرائيليين” إيهود أولمرت.

 

أما إذا كان بعض أعضاء اللوبي “الإسرائيلي” من الكتّاب الأتراك يريد أن تبقى تركيا ساكتة على الهمجية “الإسرائيلية” في غزة وعلى استخدام الفوسفور لحرق المدنيين فقط من أجل أن تبقى تركيا قادرة على ممارسة الدور الوسيط بين العرب و”إسرائيل”، فهذا أمر آخر يحيل الى كلام أطلقه الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما من أن قوة أمريكا وأمنها يجب ألا ينبعان من قوتها العسكرية بل من “عدالة قضيتنا وقوة مثالنا” كما قال حرفياً في خطاب تنصيبه رئيساً.

ولماذا يريد هؤلاء لرئيس نموذجهم الأعلى الأمريكي أن يستمد قوته من عدالة القضية ولا يريدون لتركيا أن تقف وبقوة الى جانب عدالة الشعب الفلسطيني المظلوم والمضطهد والذي تعرض ولا يزال لأعتى ظلم عرفه التاريخ؟ أم أن هؤلاء لا يريدون سوى استمرار تركيا في أن تكون دولة تابعة في الفلك “الإسرائيلي” والأمريكي وليست قائدة ورائدة؟

بموقفها المندد بالإجرام “الإسرائيلي” والمدافع عن غزة وفلسطين انتصرت تركيا وأردوغان للقيم الأخلاقية وكفاها ذلك فخراً. وما يفيد إن ربحت تركيا العالم وخسرت نفسها؟