خبر ليس بالخدعة وحدها / هآرتس

الساعة 09:45 ص|30 يناير 2009

بقلم: جدعون ليفي

مختص حقوق الانسان

        (المضمون: الحملة الانتخابية الزرقاء – البيضاء، الخاصة بـ "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط"، ليست اكثر من حفلة تنكرية. سليمة تماما من ناحية الاجراء، مشوشة تماما من ناحية المضمون – هكذا هي حملتنا الانتخابية - المصدر).

        على أربعة امور وقفت الدعاية الانتخابية المتلفزة التي بدأت يوم الثلاثاء ومعها الحملة الانتخابية الغريبة والزائدة هذه برمتها: على الخوف، على الكذب، على العنصرية وعلى صرف الانتباه. أوليست هذه أسس السياسة الاسرائيلية بعمومها؟ اضيفوا الى ذلك انعدام الذوق، الاسلوب الرخيص، الصارخ، الجماهيري وغير المهني، فتحصلون على شيء ما عن الثقافة السياسية بأسرها.

        دعوكم من الشخصيات الهاذية والهامشية، من الخلط العجيب بين الكارثة والمخدرات، مكانة الرجل في العائلة والقضاء على البنوك، "تحالف شامل من اجل ابنائنا" و "قلب جديد وروح اخرى"، على لسان الناطقين البيبيين في 15 دقيقة تمجيد لعدوانيتهم. ينبغي للمرء أن ينظر الى لب لباب الخريطة السياسية، الى المكان الذي تحسم فيه المصائر. هناك ايضا لا يصعد سوى صوت التطرف القومي العنيف والفظ، التضليل، زرع الرعب والتشويش.

        الف مزين غير مهني، مثل اولئك الذين لطخوا هذا الاسبوع وجوه المرشحين بطبقات من المكياج الثقيل والبارز على نحو خاص، لا يمكنهم ان يغطوا الوجه الحقيقي، المترهل حتى الرعب. المستشارون "الاستراتيجيون" وهامسو البلاط، الدعائيون وخبراء الصورة، اصحاب الاصول اللغوية ورجال الابداع، كلهم مزينون يعرضون مسرحية رعب السياسة الاسرائيلية. لم يسبق لها ابدا أن بدت بهذا الشكل السيء. فأجنبي وصل هذا الاسبوع الى اسرائيل كان سيقتنع بانه علق في مكان هاذِ، مليء بالمخاوف، يكذب على نفسه حتى الجنون. ولعله من هذه الناحية حسن مشاهدة هذا الهراء القمامة.

        بعد عدة اسابيع من شن اسرائيل حرب عابثة اخرى – يكاد لا يكون لها ذكر في الدعاية الانتخابية. قرابة 42 سنة بعد أن اصبحت دولة احتلال، عنف ووحشية – يكاد لا يكون ذكر لذلك. العالم يجتاحه تسونامي اقتصادي – وبعد قليل يصل الى هنا – وحتى لهذا لا يوجد أي ذكر.

        عند الهزء من الحملات الانتخابية المفبركة في الانظمة الظلامية، ينبغي ان نتذكر بان الحملة الانتخابية الزرقاء – البيضاء، الخاصة بـ "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط"، ليست اكثر من حفلة تنكرية. سليمة تماما من ناحية الاجراء، مشوشة تماما من ناحية المضمون – هكذا هي حملتنا الانتخابية.

        في الدكتاتوريات يستخفون باللعبة الديمقراطية. وعندنا يستخفون بالرأي العام. هذا اذا كان له رأي على الاطلاق. لا يمين ولا يسار. فقط رمال ورمال تذر في العيون. حاولوا ان تطرحوا احجية على اجنبي كان علق هنا: من هنا حزب اليمين، من وسط ومن يسار؟ جد الفروق. على ماذا هذه الانتخابات؟ من يقترح ماذا؟ اين في الصورة تختبىء الفكرة، حتى ذرة فكرة؟ من بين المرشحين جميعا يعطي انطباعا، يأسر قلبا، يبث ثقة، من على الاقل يقول شيئا ما؟ لا شيء.

        حزب السلطة القى بالمعركة بـ أبو فلان. ضابط العمليات ايتان لفني كان "مستقيما بمعايير كبيرة"، مثلما تشهد عنه ابنته، المرشحة تسيبي، التي تتبادل القبل مع جورج بوش. لا توجد اليوم دولة في المعمورة يلوح فيها مرشح في الانتخابات بقبلة الموت مع هذا الرئيس – وتصالح حسني مبارك الذي امتنع البابا ايتان عن تأييد اتفاق السلام مع بلاده.

        صور طفولة مع الاب. الطفل الذي ينظر من الجانب هو لا بد الشقيق ايلي، ذاك الذي ذهب، بعمل الشيطان، في ذاك اليوم الذي بثت فيه صور الطفولة الطاهرة هذه، ليعرب عن تضامنع مع الخصم، بنيامين نتنياهو. إذ ان ايلي خاصتنا ايضا تربى في ذات البيت، "بيت مقاتلين"، على حد تعبير تسيبي، وانظروا ماذا خرج منه. ما الذي يدفع شقيقا لان يغرس سكينا علنا في ظهر شقيقته قبل اسبوعين من الانتخابات؟ الاجوبة عند فرويد. ولكن ماذا يهم هذا؟ فلفني، "رئيس وزراء اخرى"، تخطب في الدعاية الانتخابية بان "دولة اسرائيل اقيمت كي لا يهدد او يخاف طفل يهودي"، فتعيد صياغة اهداف الصهيونية وكأنها مجلس "سلامة الطفل" وتثبت على نحو ظاهر بان هذه فشلت فشلا ذريعا في تحقيق اهدافها.

        العمل جلب سمكريا، قصارا ومزينا. المعركة على "ايمت" (حقيقة – شعار العمل)  جاءت لايهود باراك من السماء. "دخيلك، الحقيقة ليست مجرد عنصرا تصميميا من يدري ما هو"، يقول القصار. "الناس على الحديد، ماذا هل انت طفلة؟" سأل السمكري. قصار، سمكري، وقريبا ايضا لحام. كم هم اصحاب الاصول المنتفخين باهميتهم الذاتية يرتدون احدث الملابس، يقودون سيارات الجيب على الذوق الرفيع، يحتسون آخر انواع الكوكتيل والمتنورون بنظر انفسهم قد جمعوا لنفسهم المال لقاء ذلك.

        ولكن السمكري، الذي ينظر الى الزبون في عينيه، وكأن به باراك في بيروت، لا يمكنه أن يجلب حتى ولو صوت واحد لمن سبق له أن رأى حتى التعب البياض في عيون المخربين، الا اذا كان الجميع هنا أغبياء. "يا ايهود، اذا لم تكذب فكيف ستنتخب"، يسأل السمكري. ولكن باراك سيكذب ولن ينتخب، بالضبط مثل مصير اسرائيل.

        "قول الحقيقة"، هذا ايضا نتنياهو. لم يسبق أن كانت هنا مسرحية جماهيرية كهذه عن الحقيقة والتي تثبت على نحو ظاهر كألف دعاية انتخابية بان الجميع يكذبون.  ففي العام 2005 تنبأ نتنياهو بالصواريخ على عسقلان واسدود. وكالنبوءة التي تجسد نفسها، فعلنا كل شيء كي يحصل هذا. كي تكتسي رؤيا العظام الناشفة للنبي بيبي عظاما وجلدا، والان هي هنا، الصواريخ. اما نتنياهو، الذي لا يقترح ابدا بديلا حقيقيا، فيجني المكاسب.

        "افيغدور ليبرمان يفهم العربية". لو بثت دعايته الانتخابية في اوروبا ووجهت ضد اليهود لاقامت اسرائيل الدنيا ولم تقعدها ولقطعت العلاقات. بدون ولاء لا مواطنة؟ هل كان اناطولي شيرانسكي مواليا لبلاده السابقة؟ هل نوعام شومسكي موالي لبلاده؟ هل ليبرمان، زارع الكراهية والعنصرية، موالٍ لبلاده. فلتسحب مواطنة ليبرمان على الفور، هاكم شعار لدعاية انتخابية.

        كما أن الاخضر يزدهر وينتعش الان في بلادنا، مثلما في خلف البحار. الخضر وحدهم ("الخضر") خضر مع الناجين من الكارثة ("ناجو الكارثة  وورقة خضراء")، خضر مع حاخامين ("الحركة الخضراء ميماد")، وكذا الاخضر يصعد للمحامي موشيه غرين من "تسوميت" الذي يعد بحدائق خضراء في غزة، بدلا من المدن التي ستقصف ويقضى عليها وتدمر وتبسط، كما تستحق.

        حداش (الجبهة الديمقراطية) حاولت أن تسحر، ميرتس حاولت أن تثير الانطباع، اوري اورباخ – "انتم بالتأكيد تعرفونني وتقرأون لي" – حاول ان يضحك. التجمع الديمقراطي قال مرة اخرى للمصوتين اليهود انهم لا يعنوه وتحدث اليهم فقط بالعربية؛ القائمة العربية الموحدة قالت بضعة امور ذات اهمية ولكن من انصت؟ قائمة المعوقين عرضت شفقة ناجعة؛ واغودات يسرائيل فضلت الموت على الحياة وطرحت ذكر زعيمها الميت، الحاخام ابرهام رابتس، الذي دفن بالضبط في ذات اليوم بدلا من عرض زعمائها الاحياء. فعلى أي حال ليس لدى أي من مصوتيها جهاز تلفزيون في بيته. مات رابتس، ماتت الدعاية الانتخابية، ماتت الحقيقة، ماتت الايديولوجيا، ماتت السياسة الاسرائيلية.