خبر كتب صالح النعامي : إعادة الإعمار..أم إعادة عباس؟!

الساعة 08:28 ص|30 يناير 2009

بعد أسبوع فقط من بَدْئِهَا حربَها الظالمة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أعلنتْ إسرائيلُ بوضوحٍ أنَّ أحد أهم معايير الحكم على نجاح هذه الحرب، هو نجاحها في مَنْعِ حكومة حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية من القيام بأي دَوْرٍ في عملية إعادة إعمار قطاع غزة. وزيرة الخارجية الصهيونية تسيفي ليفني اعتبرتْ في حينه أنّ السماح لإسرائيل بأي دور في عملية إعادة الإعمار يعني فشلًا سياسيًّا للحرب، وتأكيدًا على بقاء حكم حركة حماس، وتكريس ارتباط هذا الحكم بالفلسطينيين في القطاع إلى أَمَدٍ بعيد. ولم يكتفِ المسئولون الصهاينة بالتصريحات الإعلامية، بل بدءوا أثناء الحرب، وبينما كانوا يقومون بالتدمير والتخريب المنهجي والمدروس بإجراء اتصالات مع أطراف عربية وفلسطينية ودولية لقبول الموقف الإسرائيلي.

 

ليفني، ومعها قادة الحكومة الصهيونية، تحرَّكُوا بناءً على دراسةٍ أَعَدَّهَا قسم التخطيط والأبحاث التابع لوزارة الخارجية الصهيونية، والذي أَعَدَّ ورقةً قبل عامٍ من شَنِّ الحرب على القطاع خَلُصَ فيها إلى استنتاجٍ مفاده: أن الحرب على القطاع ستؤدي إلى دمار واسع في البنية التحتية الفلسطينية، وأن المرحلة التالية من الحرب ستكون محاولةَ إملاءِ مَوْقِفِ إسرائيل القائِلِ بضرورة مَنْعِ حركة حماس من لعب أيِّ دور في عمليات إعادة الإعمار. ونوهت الورقة إلى أن على تل أبيب أن تتعلم من تجربة حرب لبنان الثانية عندما قاد حزب الله عملية إعادة الإعمار في لبنان بدعم إيراني، حيث كانت النتيجة أن تَعَزَّزَ وتكرّس دور حزب الله في النظام السياسي اللبناني، بدلًا من أن يضعف كما خططت إسرائيل. وقد شددت الورقة على أن تل أبيب مُطَالَبَةٌ بتجنيد كُلِّ قواها، من أجل منع حركة حماس من لعب أي دور في عملية إعادة الإعمار.

 

ومن المفارقة أن سلطة رام الله برئاسة محمود عباس والكثير من الأطراف العربية، التي ادَّعَتِ التباكي على الفلسطينيين الذين ذُبِحُوا على أيدي النازي الصهيوني، والتي انتقدت إسرائيل علنًا على حربها الظالمة، تجنَّدَتْ بشكل طَوْعِيّ، ومُثِيرٍ للانتباه؛ لتحقيق الهدف الإسرائيلي المعلن، والمتمثل في مَنْعِ حكومة حركة حماس من لعب أي دور في جهود إعادة الإعمار.

 

فالمتحدثون باسم سلطة رام الله تجَنَّدُوا بشكلٍ واضح لصالح المطلب الإسرائيلي، وهذا لم يكن مفاجئًا، على اعتبار أنّ هناك الكثيرَ من الدلائل على تواطؤ هذه السلطة مع العدوان، لكن ما لم يكن مفهومًا ولا مُبَرَّرًا هو أن يتجَنَّد أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى لصالح تحقيق الهدف الإسرائيلي، عندما أعلن مرارًا وتكرارًا رفضه أن يكون لحكومة هنية دورٌ في الإشراف على مشاريع إعادة الإعمار في القطاع، وهذا يُدَلِّلُ على أن كل الشجب والتنديد الذي صدر عن موسى ومكتبه أثناء وبعد الحرب كان مجردَ ضريبةٍ كَلَامية، وأن هذا الموقف يُمِيطُ آخر لثامٍ عن وجه هذا الشخص، والذي أصبح مجردَ أداةٍ لتحقيق أهداف الأطراف العربية الْمَعْنِيّة بالأجندة الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء.

 

لكنّ إسرائيل، وسلطة رام الله، والأطراف العربية، وتحديدًا مصر، ناهيك عن القوى الدولية، سيما اللجنة الرباعية، لا تكتفي بالعمل على منع حركة حماس من المشاركة في جهود إعادة الإعمار، بل إنها تحاول أن تجعل من جهود إعادة الإعمار وسيلةً لشطب حركة حماس، وإعادة سلطة عباس ودحلان إلى رام الله.

 

أي أن هذه الأطراف تحاوِلُ عبر مشاريع إعادة الإعمار تحقيقَ ما عجزتْ عن تحقيقه آلة الحرب الإسرائيلية. وبشكلٍ مثيرٍ للرِّيبة والاستهجان، فضلًا عن أنه غيرُ منطقي، تحاوِلُ مصر من خلال جهود الوساطة التي تقوم بها بين حركة وإسرائيل بشأن التوصل لاتفاق لتثبيت وقف إطلاق النار، الضغطَ على حماس؛ لقبول الورقة المصرية للمُصَالَحَةِ الوطنية التي سبق لحركة حماس أَنْ رَفَضَتْها.

 

ممثل اللجنة الرباعية توني بلير عَبَّرَ عن موقفٍ مُمَاثِلٍ، عندما اعتبر أنه لن يتم الشروعُ في عملية إعادة الإعمار قبل أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية، بكلماتٍ أخرى: أن على حماس أن تُبْدِيَ الكثير من التنازلات التي تسمح بتشكيل حكومة جديدة، حتى لا يتم عَرْضُهَا على أنها الطَّرَفُ الذي يقف حجرَ عَثْرَةٍ أمام مشاريع إعادة الإعمار.

 

وبكل تأكيد، فإنّ كلًّا من إسرائيل وسلطة رام الله والأطراف العربية والأوروبيين والأمريكيين، يحاولون من خلال هذا الموقف ابتزاز حركة حماس، ووضعها في مواجهة الجمهور الفلسطيني، من خلال عرض الحركة على أنها الطَّرَفُ الذي يُعِيقُ جهود إعادة الإعمار في القطاع، ويمنع من إعادة بناء منازلهم.

 

وبكل تأكيدٍ، يتمُّ توظيف حقيقة أنّ جهود إعادة الإعمار تتطَلَّبُ إعادة فتح المعابر الحدودية بين إسرائيل والقطاع، وبين مصر والقطاع، على اعتبار أنه عبر هذه المعابر يتم إدخال المواد اللازمة لإعادة الإعمار والبناء.

 

حركة حماس اقترحتْ آليةً مناسبةً لتنظيم جهود إعادة الإعمار، عندما عرضتْ تشكيل لجنة عربية فلسطينية للإشراف على مشاريع إعادة الإعمار، فضلًا عن إعلانها عن عَدَمِ تدخلها في مشاريع إعادة الإعمار التي تقوم بها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ( الأونروا ). لكن هذا العرض لم يُقَابَلْ بحماسةٍ من الأطراف العربية المتواطئة مع إسرائيل؛ لأنها -ببساطة- لا تبحث عن إعادة إعمار منازل الفلسطينيين التي تواطأت على تدميرها مع الاحتلال، بل لأنها تجد في التحدي الجديد فرصةً لمحاولة إقصاء حركة حماس، وإعادة الطَّرَف الذي يروق لإسرائيل وحلفائها!