مفهوم الأمة في الفكر السياسي للجهاد الإسلامي بقلم :الدكتور. وليد القططي

الساعة 11:55 ص|15 يوليو 2019

فلسطين اليوم

بقلم د. وليد القططي

الأمة مصطلح سياسي يعني جماعة من الناس تربطهم جوامع مشتركة كاللغة والجنس والدين والثقافة والتاريخ والمصالح المشتركة وغيرها، لديهم قدر معين من الوعي بشخصيتهم المتميزة والمنفصلة عن الجماعات الأخرى، قد تجمعهم دولة واحدة أو موزعين بين عدة دول.

وقد اعتبر القرآن الكريم أن المسلمين على اختلاف شعوبهم أمة واحدة بقوله تعالى "إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ " واستمر شعور المسلمين بأنهم أمة واحدة رغم تعرضهم للتجزئة الداخلية والغزو الخارجي حتى سقط آخر نظام سياسي لهم وهو الخلافة العثمانية، وتفكك الرابطة الإسلامية وتراجع الدين كناظم للأمة، وقد حاول المصلح الكبير جمال الدين الأفغاني إحياء الروح للأمة الإسلامية من خلال فكرة الجامعة الإسلامية، مستنداً إلى الخلافة العثمانية، ولكن لم يتفق معه مصلح آخر هو عبدالرحمن الكواكبي الذي دعا إلى استعادة العرب لدورهم في حمل راية الإسلام ولم يرَ فصلاً بين العروبة والإسلام.

بتأثير الاستبداد السياسي العثماني، وسياسة التتريك، وتحت وطأة التحديات الاستعمارية الغربية والصهيونية، تقدمت العروبة كفكرة قومية جامعة للعرب على حساب فكرة الجامعة الإسلامية أو الأمة الإسلامية، وحمل لواء هذا الفهم الكثير من المفكرين المسيحيين العرب باعتبار العروبة القاسم المشترك بين المسلمين العرب، وظهرت فكرة فصل الدين عن القومية العربية وإلباسها ثوب العثمانية أو الاشتراكية عند قسطنطين زريق وساطع الحصري وغيرهم. ولكن مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي ميشيل عفلق اعتبر أن العروبة من غير الإسلام مفهوم سلبي ومن دونه تبقى القومية العربية قالباً أجوفاً فارغاً، وأن الإسلام هو المضمون الحي والثوري للقومية العربية، وفي تفسيره لشعار الحزب (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) اعتبر الإسلام هو رسالة العرب وإسهامهم في الحضارة الإنسانية، كما أن جمال عبدالناصر في كتاب (فلسفة الثورة) اعتبر الإسلام قوة تحريرية وتوحيدية، وفي بيان مارس عقب النكسة اعتبر الإسلام قوة دافعة للصمود وتجاوز الهزيمة. غير أن اصطدام التيارين: البعثي والناصري بالإسلاميين حفاظاً على السلطة أدى إلى إنزواء هذا الفهم إلى الظل والهامش.

وتأكيداً على هذا الفهم تحدث الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي وأمينها العام الأول في المؤتمر القومي الإسلامي المنعقد في بيروت عام 1994 قائلاً "ليس هناك من تلازم ضروري بين العروبة أو القومية العربية وبين العلمانية، فالعلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة حقيقة غربية لا تتطابق مع واقعنا العربي والإسلامي... العلمانية موقف منفصل عن الموقف القومي وليس داع لافتعال رابط لا أساس منطقي له... إن تجاوزنا مسألة العلمنة سنجد تداخلاً أوسع وأكبر بين العروبة والإسلام." وفي إطار رؤيته لمفهوم الأمة ربط بين نهضة الأمة الإسلامية وتحرير فلسطين، فبدون حسم الصراع على فلسطين فكل محاولات الأمة للنهضة والاستقلال ستُجهض، وربط بين الصراع مع التحالف الغربي الصهيوني والمس بجوهر وجود وهوية الأمة وقرارها المستقل، واعتبر أن قوة الإسلام هي القوة الرئيسية التي ما زالت واقفة ومرشحة لمواصلة الصراع مع الغرب ومشروعه في الهيمنة والسيطرة على الأمة الإسلامية. فمن الواضح أن مفهوم الأمة عند الشقاقي مرتبطاً بمواجهة التحدي الاستعماري الغربي ورأس حربته المشروع الصهيوني في فلسطين من خلال مشروع وحدة ونهضة  شامل.

وأوضح الدكتور رمضان عبدالله شلح الأمين العام الثاني لحركة الجهاد الإسلامي رؤيته لمفهوم الأمة من خلال كتاب (الأسس والمفاهيم الإسلامية) انطلاقاً من الفكر السياسي الإسلامي الذي يعتبر الإسلام كعقيدة ومرجعية هو الناظم المشترك للأمة الإسلامية مع اختلاف لغاتها وأعراقها وطوائفها ومذاهبها، فقد جاء تحت عنوان "وحدة الأمة": "الوحدة الإسلامية من الأهداف الكبرى في الإسلام، والمسلمون في دين الله أمة واحدة، جمعتهم إخوة الإسلام، على اختلاف أعراقهم وألسنتهم وألوانهم وأوطانهم ومذاهبهم، ورفض التجزئة، ونبذ الفرقة والتنازع، وتحقيق التآلف والوحدة بينهم فريضة شرعية، وضرورة حياتية". وتحت عنوان خيرية الأمة قال: "الأمة المسلمة هي بشرط الإيمان، وفعل الخير، ومقاومة الشر، خير أمة أخرجت للناس، وشاهد عليهم بتبليغهم الإسلام بعد ختم النبوة، وبتمثلها لقيمة وأخلاقه السامية، وهذا ليس اصطفاءً عنصرياً لعرق أو لشعب مختار من دون الناس، بل لكل البشر إذا اتبعوا دين الحق ومنهج الله". ورغم وضوح مفهوم الأمة ووحدتها عند شلح على أساس الإسلام، لكنه لم يوضح شكل تحقيق هذه الوحدة إن كانت في نظام سياسي واحد كالخلافة أو مؤسسة جامعة للمسلمين أو أي شكل آخر، وذلك انسجاماً مع الواقع المتغير للأمة.

وانسجاماً مع رؤية مفهوم الأمة للأمينين العامين للحركة الأول والثاني جاءت الوثيقة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين المنشورة في فبراير 2018 لتؤكد على التلازم بين العروبة والإسلام ولتُنهي التناقض الوهمي بين دوائر الانتماء الثلاث: الوطنية الفلسطينية، والقومية العربية، والأمة الإسلامية، فقد جاء تحت عنوان (الهوية والانتماء)، أهمية إعلاء قيمة الانتماء للوطن والأمة، والارتباط الشعوري بالأمة والعضوي بالوطن، وتحت عنوان (فلسطين) أكدت على أن أرض فلسطين جزء من الوطن العربي والإسلامي الكبير، وللأمة العربية والإسلامية حق طبيعي وديني وتاريخي فيها، واعتبرت أن الشعب الفلسطيني جزء أصيل وحيوي من الأمة العربية والإسلامية، كما اعتبرت أن المسيحيين الفلسطينيين جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، وربطت بين الشخصية الوطنية للشعب الفلسطيني والانتماء للأمة العربية والإسلامية، والوثيقة وسّعت مفهوم الأمة الإسلامية ليشمل جميع الأنبياء بما فيهم أنبياء بني إسرائيل واتباعهم باعتبارهم مسلمين موّحدين، وبذلك تُعطي بُعداً مختلفاً للحق الديني والتاريخي في فلسطين. ومن الواضح أن الوثيقة ربطت دائماً بين العرب والمسلمين من خلال تكرار عبارة (الأمة العربية والإسلامية) اعتبار العرب جزء مهم وأساسي من المسلمين، ودون الدخول في جدل العلاقة بين مفهومي: القومية العربية والأمة الإسلامية، وانسجاماً مع التلازم بين العروبة والإسلام.

خلاصة فكر الحركة السياسي لمفهوم الأمة ينطلق من كونها حركة وطنية بمرجعية إسلامية، فالمرجعية الإسلامية بقواعدها الكلية الموّحدة للأمة هي الجامع والناظم للأمة الإسلامية بكل أعراقها ولغاتها وشعوبها ومذاهبها... وأن الانتماء للأمة العربية هو جزء من الانتماء للأمة الإسلامية في إطارها الأوسع، وأن لا تناقض بين العروبة والإسلام، فالعروبة كقومية إطار جامع مضمونه الإسلام، والإسلام هو رسالة العرب وإسهامهم في الحضارة البشرية. وأن الانتماء للوطن فلسطين هو جزء من الانتماء للإطارين الأوسع وهما الوطن العربي والأمة الإسلامية، وتؤمن الحركة بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة، باعتبار أن المشروع والكيان الصهيوني هو مركز المشروع الغربي الاستعماري ضد الأمة الإسلامية، وأنه لا يمكن تحقيق وحدة ونهضة واستقلال الأمة بدون التصدي لهذا المشروع الاستعماري في مركزه وحسم الصراع في فلسطين لصالح الأمة الإسلامية.

 

كلمات دلالية