خبر أسرة العثامنة بين مذبحة 2006 ومحرقة 2008

الساعة 07:24 ص|29 يناير 2009

فلسطين اليوم – غزة

واقفاً على أنقاض منزل عائلته يلوح مجدي العثامنة (75 عاما) بلغم أرضي غير منفجر باتجاه أفراد طاقم تصوير تلفزيوني. لكنهم يحثونه على أن يضعه على الأرض لشعورهم بالقلق. ويصيح قبل أن يذعن لهم في نهاية المطاف وينزل من على كومة الأنقاض التي تبقت بعد المحرقة في قطاع غزة قائلا “لا تقلقوا. إذا مت لن أكون أغلى مما دمر بالفعل”. ويقول إن اللغم واحد من ألغام كثيرة زرعها الجنود “الإسرائيليون” لهدم المبنى السكني الذي كان يعيش فيه عشرات من أفراد أسرته الممتدة. وأضاف بصوت متهدج “ظللت أبني هذا لخمسين عاما وقد ذهب كل شيء في طرفة عين”.

 

وكان المنزل ملاذ العائلة من فاجعة وقعت في وقت سابق حين قتل 18 من أقاربه قبل عامين بنيران دبابة “إسرائيلية” دمرت منزلا آخر. وسوت قوات الاحتلال بالأرض منزل العثامنة فضلا عن ثلاثة مبان مجاورة مملوكة لأبنائه وكل العقارات الأخرى على امتداد كيلومتر واحد في عزبة عبد ربه على مشارف مدينة غزة.

 

وخلف الهجوم وراءه صلبا معوجا ومتعلقات شخصية متناثرة بين الأنقاض.

 

وتقبع البقايا المعوجة لسيارتي الأجرة المرسيدس الصفراوين اللتين كانتا مصدر رزق العائلة في الأحراج بجوار المنازل المدمرة. ويقول رائد ابن العثامنة (37 عاما) الذي يبدو في سن اكبر من هذا السن إن السيارتين كلفتاه 35 ألف دولار.

 

وكانت الأموال التي يجنيها هو وشقيقه من قيادة سيارتي الأجرة تعول أسرة ممتدة من 56 فردا. كما يقول إن الأموال كانت ضرورية لمساعدة أسرته على التعافي بعد نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2006 حين قصفت الدبابة “الإسرائيلية” منزل العثامنة السابق في بلدة بيت حانون القريبة حيث استشهد 18 فردا من أسرة العثامنة بينهم ثمانية أطفال في ذلك الهجوم الذي زعمت “إسرائيل” إنه نجم عن خطأ فني حيث أسيء توجيه قذائف الدبابة.

 

وبعد ذلك بثلاثة أشهر في فبراير/ شباط 2007 انتقل أفراد عائلة العثامنة الى عزبة عبد ربه حيث كان مجدي عميد العائلة يملك منزلا وأرضا.

 

وقالت احترام العثامنة زوجة رائد وأم أبنائه السبعة “كان لدينا أمل ضئيل في أننا نستطيع بدء حياتنا من جديد لكن في أي مكان نذهب إليه يواصلون تدميرنا”. وحاولت عائلة العثامنة تجاوز العدوان “الإسرائيلي” الأخير داخل منزلها الجديد في عزبة عبد ربه. لكن عندما ازداد القتال حدة خرج أفراد عائلة العثامنة سيرا على الأقدام حاملين أعلاما بيضاء متجهين الى ما تبقى من منزلهم القديم في بيت حانون الذي اعتبروه اكثر أمانا. ويقول رائد العثامنة إن العودة الى منزل بيت حانون في ظل هذه الظروف أعاد الى أذهانهم ذكريات عام 2006 التي هي اقرب الى الكوابيس.

 

واثر سريان وقف هش لإطلاق النار بعد ذلك ببضعة أيام عادوا الى عزبة عبد ربه والى مشاهد الدمار التام. وقالت احترام العثامنة وهي جالسة أمام الجناح الصغير من الحديد المموج الذي أصبح منزلهم “حين غادرت ظننت أننا سنعود لنجد بعض الأجزاء من بيتي لكنني وجدت أنقاضا. لم يتبق شيء منه”.

 

وتعلق ابنها الذي لم يتجاوز عمره العام الواحد بذراعها وهو يبكي غير أن أبناءها الآخرين الذين هم في عمر الدراسة في المدرسة يثيرون قلقها بدرجة اكبر الآن. وأضافت “من الصعوبة بمكان الحياة بهذا الأسلوب. لسنا معتادين على هذا. حتى لو أردت وضعهم في حجرة واحدة فإنها غير موجودة. لدي سبعة أطفال الى أين يمكن أن أذهب بهم؟ حين يكون المرء في الخامسة عشرة من عمره وليس لديه مكان يذهب إليه او مكتب يدرس عليه ماذا بوسعه أن يفعل؟”.

 

أما زوجها رائد فحتى تدينه لا يمكن أن يحميه من مستقبل يحيطه اليأس والشكوك وتساءل “هل سيفتح الله بابا ليأتيني منه المال؟”، مشيرا باتجاه السماء. وتابع “هل سيجلب إلي الحجارة والأسمنت؟ كيف أبني أي شيء من دون حياة ولا أمان؟”.

 

واستدار رائد ومشى بين الأنقاض وعيناه تبحثان بغضب عن أي شيء يستحق أن ينتشل.