خبر ماذا بقي من أهداف بعد غزة؟ ..عاطف الغمري

الساعة 05:48 م|28 يناير 2009

ـ الأهرام المصرية 28/1/2009

 الآن‏..‏ وقد توقف إطلاق النار في غزة‏,‏ فهل يمكن غض النظر عن مؤشرات صارخة تشير إلي أن الحرب في غزة‏,‏ القابلة للتكرار‏,‏ كانت جزءا من مرحلة إسرائيلية جديدة في إدارة النزاع العربي ـ الإسرائيلي؟

وتجنبا للاجتهاد التحليلي أمامنا ما قاله الكولونيل هيرتزي‏,‏ أحد القادة العسكريين الذين شاركوا في الحرب الإجرامية علي غزة‏,‏ الذي قال‏:‏

إن معركة إسرائيل للبقاء‏(‏ حسب تعبيره‏)‏ لم تنته‏,‏ وإنني لا أعتقد أن هذه الحرب ستجلب السلام‏..‏ فهي جزء من عملية طويلة‏.‏ ولا يختلف مع مضمون كلامه ما ذكره إيهود باراك وزير الدفاع‏,‏ الذي أوضح أن عملية غزة لم تأت فجأة‏,‏ بل إنهم كانوا قد خططوا لها قبلها بأشهر‏,‏ وقبل موعد انتهاء الهدنة مع حماس يوم‏19‏ ديسمبر‏2008.‏

ولعل هذا يؤكد ما أظهرته الأحداث من أن أهداف الحرب أبعد مدي من كل ما أعلنته إسرائيل‏.‏

والأهداف متعددة وتشمل‏:‏

‏(1)‏ استهداف مصر علي وجه الخصوص‏.‏

‏(2)‏ تفتيت العالم العربي وإشاعة الانقسام داخله‏.‏

‏(3)‏ إضعاف خط الحدود الفاصل بين السكان الفلسطينيين في غزة المحتلة وسيناء‏,‏ وذلك من أجل إحياء أهداف إسرائيلية معتمدة ومقررة تجاه سيناء‏.‏

وكل ذلك له أدواته المتطورة في استراتيجية إسرائيل لإدارة النزاع‏,‏ المدعومة من الولايات المتحدة‏,‏ وهي الاستراتيجية التي طورت المبدأ التقليدي المعروف بـ الحرب بالوكالة‏,‏ إلي مبدأ الدبلوماسية بالوكالة‏,‏ وذلك تنفيذا لخطة سبق أن وردت في مشروع القرن الأمريكي الجديد لجماعة المحافظين الجدد حلفاء إسرائيل المعلن عام‏1998,‏ وهو المشروع الذي أقام بوش علي أساسه استراتيجية السياسة الخارجية الجديدة التي أعلنها في‏20‏ سبتمبر‏2002,‏ وتضمن المشروع النص علي إضعاف أي قوة إقليمية في المنطقة‏.‏

وهذا المشروع يمثل استمرارية لبرنامجهم الذي وضعوه في عام‏1996‏ الذي عرف باسم أوراق استراتيجية وسلموه إلي نيتانياهو عند توليه رئاسة الحكومة عقب فوز الليكود في الانتخابات‏,‏ ليكون مرشدا له في حكمه‏,‏ وتضمن رفض مرجعية الأرض مقابل السلام‏,‏ وعرقلة أي فرصة لقيام دولة فلسطينية‏,‏ وتمكين إسرائيل من الهيمنة علي المنطقة‏.‏لكن مصر كأكبر قوة إقليمية‏,‏ كانت هي العقبة أمام مشروعهم‏,‏ وهو ما جاء التعبير عنه في أكثر من مناسبة‏,‏ منها‏:‏

أولا‏:(‏ أ‏)‏ يوم أن جاهر جيمس وولسي مدير المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق‏,‏ وأحد القيادات البارزة في حركة المحافظين الجدد في عام‏2003,‏ وقبيل حرب العراق‏,‏ بتصريحات تحريضية مناهضة لمصر‏.‏

(‏ب‏)‏ يوم أن ناقشت هيئة السياسات الدفاعية بوزارة الدفاع الأمريكية‏,‏ وكان يرأسها ريتشارد بيرل الحليف المتعصب لإسرائيل‏,‏ في أغسطس‏2002,‏ تقريرا يصف حرب العراق بالمرتكز التكتيكي‏,‏ والسعودية بالمرتكز الاستراتيجي‏,‏ ومصر بالجائزة الكبري‏,‏ في مشوار يبدأ بحرب العراق‏.‏

ثانيا‏:‏ تفتيت الدول العربية‏,‏ وهو ما نصت عليه الخطة التي عرفت باسم استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات التي تضمنت مبدأين‏:‏

‏(1)‏ إحداث انقسام في المنطقة العربية‏.‏

‏(2)‏ أن تكون إسرائيل قوة إقليمية مهيمنة‏.‏

وتوضح هذه الاستراتيجية أن التفتيت ليس فكرة جديدة‏,‏ بل هي في صميم المشروع الصهيوني‏,‏ وأن انقسام الدول العربية هو مطلب استراتيجي مستمر‏.‏

ثالثا‏:‏ عبر المحاولات الإسرائيلية التي شهدناها طول عام كامل‏,‏ لدفع الموقف في غزة إلي نقطة الالتهاب‏,‏ قبل الحرب الإجرامية الأخيرة‏,‏ فقد توالت تدابير الحصار‏,‏ والتجويع‏,‏ ودفع الفلسطينيين إلي حالة من اليأس‏,‏ يشعرون فيها أن الحياة في بلدهم لا تطاق‏,‏ ولدفعهم دفعا إلي الخروج الكبير نحو سيناء‏.‏

وتلك سياسة ليست من الأسرار المخبأة في صناديق مغلقة في إسرائيل‏,‏ بل هي معروفة ومعلنة‏,‏ منذ قيام إسرائيل‏,‏ وترددت في تصريحاتهم وكتاباتهم تحت اسم الترحيل‏,‏ وجاءت في مذكرات بن جوريون الذي قال‏:‏ إنني أؤيد الترحيل الإجباري للفلسطينيين‏,‏ ولا أراه تصرفا غير أخلاقي‏.‏

والحديث عن أطماع إسرائيل في سيناء تكرر في أكثر من موضع في استراتيجية إسرائيل للثمانينيات‏,‏ وورد فيها القول بأن اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام عرقلت خطط إسرائيل في سيناء‏,‏ التي كانت تمثل أولوية سياسية لإسرائيل‏.‏

إن خطط إسرائيل للقفز إلي سيناء‏,‏ والتوسع في أي أرض عربية‏,‏ تعتمد دائما علي استفزاز بعض الأطراف العربية‏,‏ ودفعها للرد عليها‏,‏ مما يضع في يد إسرائيل مبررا لتنفيذ خطط العدوان المبيت من قبل‏,‏ وسبق أن اعترف بهذا التكتيك موشي ديان‏.‏

غزة‏,‏ بما جري فيها قبل العدوان الأخير‏,‏ لم تكن الهدف الأساسي الوحيد للحرب‏,‏ صحيح أن ما أعلنته إسرائيل عن إيقاف صواريخ حماس جزء من أهداف الحرب‏,‏ لكن الهدف أكبر وأوسع مدي‏,‏ مثلما لم يكن هدف حرب العراق إزالة أسلحة دمار شامل‏,‏ وهو ما تكشفت حقيقته فيما بعد‏.‏

الهدف هذه المرة إعادة رسم الخريطة الإقليمية في المنطقة بتمكين إسرائيل منها‏,‏ وإضعاف موقف العقبة الكبري في طريق هذا الطموح‏,‏ وهي مصر‏.‏ وهو هدف لم يكن ليتحقق بشكل مباشر بينما إسرائيل تتستر وراء أستار السلام‏,‏ بل كان يلزمه تفتيت العالم العربي‏,‏ بعملية إجرامية تحدث انقساما‏,‏ كالذي حدث بالفعل‏.‏

ولن تهنأ إسرائيل لو أن العرب متحدون بينهم اتفاق علي رأي واحد‏,‏ وموقف واحد‏.‏