خبر د. سعيد أبو حسنة: صمود أطفال غزة أذهل الأطباء

الساعة 10:38 م|27 يناير 2009

فلسطين اليوم: الخليج

"أوضاع أهالي قطاع غزة أسوأ مما تناقلتها وسائل الإعلام أثناء الحرب التي شنتها "إسرائيل" لتكون أغلبية ضحاياها من النساء والأطفال المدنيين المجردين من الأسلحة باستثناء تحليهم بسلاح الإيمان والعزم والصبر والإصرار”. بهذه الكلمات بدأ د.سعيد أبو حسنة مدير عام العناية المركزة في مستشفى توام في العين الذي توجه إلى قطاع غزة خلال المحرقة لمساعدة الجرحى. وروى أبو حسنة الأمريكي الجنسية من أصول فلسطينية ل “الخليج” التفاصيل منذ لحظة توجهه إلى مصر للتنسيق مع الصليب الأحمر ومن ثم توجهه إلى غزة عبر معبر "ايريز" والعقبات والمخاطر التي واجهها. واستطرد في تصوير بعض المشاهد التي وثّق بعضها في آلة التصوير الخاصة به.

التقينا الطبيب العائد من غزة في مستشفى توأم في مدينة العين، فقال: توجهت إلى مصر بعد خروجي من الإمارات والتي حرصت حكومتها الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وسمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس هيئة الهلال الأحمر، على دعم الشعب الفلسطيني ماديا ومعنويا ومؤازرته في هذه المحنة.

وتابع: بسبب إغلاق معبر رفح لم أتمكن من الدخول الى غزة فباشرت بمعالجة المصابين الذين خرجوا الى مصر وهناك التقيت بالمسؤولين في الصليب الأحمر الذين بدورهم قاموا بنقلنا الى جنيف لمدة يوم ونصف اليوم لتلقي التدريب والتعليمات اللازمة في عمليات إسعاف مصابي الحرب وبعدها توجهنا الى غزة يرافقنا رئيس الصليب الأحمر حيث هبطت الطائرة في مطار اللد (في الأراضي المحتلة عام 48) ومنه انطلقنا الى معبر “ايريز” الذي دخلنا من خلاله الى غزة.

وحشية الصواريخ

بعد اجتيازنا للمعبر ودخولنا الى القطاع بسيارة ترفع علم الصليب الأحمر وبالرغم من تنسيق المسؤولين في الصليب، فوجئنا بقذيفة تسقط أمام السيارة وعلى مسافة لا تتعدى 10 أمتار، لكننا تابعنا المسير نحو مستشفى الشفاء حيث باشرت عملي على الفور حيث الجرحى يتوافدون بكثافة والمصابون في كل مكان على الأرض والأسرة وفي الممرات والدماء تنزف، وبعضهم نهش الفوسفور أجسادهم وآخرون تركوا أعضاءهم المبتورة تحت الدمار، وقال باختصار “مآسٍ لم أشاهدها يوما ما في حياتي بالرغم من فترة عملي الطويلة في مجال العناية المركزة”.

الحصار المدمر

في قسم العناية المركزة الذي يفتقر للعديد من الأجهزة الطبية والأدوات والأدوية بسبب الحصار، كانت نوعية الإصابات تفرض علينا إيجاد حلول وبدائل خاصة أن تواجد فرق طبية عربية وأجنبية ساعد على تبادل الخبرات فكنا نحاول قدر المستطاع أن نؤدي واجبنا الطبي بسرعة وبمهارة دون أن نسمح لأي عائق بعرقلة المهام المنوطة بنا والهدف من تواجدنا وهو إنقاذ الجرحى. وأضاف إن عددا من الأطباء بمستشفى توام حرصوا على التواصل معه أثناء وجوده في غزة، وقال: “تولى د.شريف قنديل مسؤول الاستشارات الدوائية بالمستشفى الاتصال بي يوميا للاستفسار عن الاحتياجات التي من الممكن توفيرها، وبالفعل استطاع الأطباء بجهود ذاتية توصيل كمية بسيطة من اللوازم والمعدات الطبية وإدخالها عن طريق معبر رفح”.

صمود الأطفال أبكى الأطباء

وروى د. أبو حسنة بعض المشاهد التي استشف منها أن كل هذه الوحشية الصهيونية لم تتمكن من كسر شوكة أطفال غزة ونسائها. حدثنا د. أبو حسنة عن الحادثة التي تعرضت لها الطفلة بيسان ابنة السبعة أعوام التي أصيبت بعد تعرض منزل أسرتها لقذيفة، إلا أن الطفلة بعد أن أجرى لها د.سعيد العمليات اللازمة وأفاقت من غيبوبتها لم تسأل عن والديها أو أسرتها بل رفعت علامة النصر وكأنها تطمئن من حولها وتنقل للعرب والمسلمين صمود أطفال غزة أمام الصواريخ والقذائف مما جعل د. سعيد يجهش بالبكاء أمام الطفلة التي لم ترتعش من هول ما حدث لها.

وعن الطفلة التي فقدت جميع أفراد أسرتها قال أبو حسنة: شعرت بأنني أقف أمام طفلة عملاقة بكبريائها وعزيمتها وأيضا ثقافتها الوطنية بالرغم من أنها لا تتجاوز العشرة أعوام. ويضيف أن طفلة أخرى بترت يدها ولم تبك، ثم قال لقد أذهلتني هذه الطفلة التي استطاعت أن تستوعب الأحداث الجارية حولها وأيضا تمكنت من السيطرة على أعصابها ولملمة جروحها بنفسها من دون الحاجة الى كلماتنا.ومن الحالات الأخرى التي ذكرها سيدة حامل في شهرها السابع اخترق صاروخ بطنها وشاب فرغت قذيفة رأسه من المخ بالإضافة الى مصابين تعرضوا لبتر طرف أو اثنين والحروق التي نهشت حتى العظام وغيرها من الإصابات التي تعرض لها المدنيون في غزة.

الفوسفور الأبيض

وعن الأسلحة المحرمة دوليا التي استخدمها جيش الاحتلال قال إن أبسط تعبير لوصف الأسلحة الفتاكة المحرمة دوليا بالمجرمة حيث أدت تلك الأسلحة الى استشهاد عدد كبير من الأطفال والنساء والشباب والمسنين. وتابع “من الحالات التي وصلت الى مستشفى الشفاء بعد تعرضها للقنابل الفوسفورية، طفلة في الثامنة من عمرها تعرضت لحروق تصل نسبتها الى 20%، وفي الحالات الطبيعية لا يفارق الشخص الحياة عند تعرضه لهذه النسبة من الحروق إلا أن السلاح المحرم والمستخدم فتك بالطفلة بعد أيام من وصولها للمستشفى. كما وصل أيضا للمستشفى شاب في العقد الثاني من العمر تعرض لحروق في أجزاء جسمه السفلية إلا أنه وبعد حوالي نصف ساعة فقط امتدت الحروق الى جسده بالكامل ليفارق بعد ذلك الحياة.

تل الهوى

يقول د.ابو حسنة: اضطررنا لعمل مستشفى ميداني في منطقة تل الهوى لاستقبال الجرحى والمصابين بعد استهداف المنطقة بالقصف. وأضاف إن المستشفى المتنقل الذي أعنيه هو عبارة عن فرش أرضي يتسع لعدد قليل جدا من المصابين وأدوات وأدوية إسعافات أولية فقط لنتمكن من تقديم العلاجات البسيطة للجرحى حيث إن الإمكانات المتاحة محدودة جدا.

ما بعد الحرب

يؤكد أبو حسنة أنه حرص على التواصل مع أهل غزة بعد توقف الحرب حيث قام بجولة في عدد من المناطق المدمرة، ويقول: رأيت من المشاهد ما يجعل كل عربي يفخر بوجود هذه الفئة الصامدة المؤمنة بقضاء الله وقدره ويعتز بوجودهم ضمن بني جلدتنا، فاللحمة والانتماء والوطنية كانت شعارا لهم. وأضاف التقيت بعدد من أصحاب البيوت المدمرة لرفع معنوياتهم وكانت الصدمة عندما وجدت المعنويات المرتفعة والقوة على تحمل ما حدث.