خبر هكذا دقت وسائل الإعلام العبرية طبول الحرب وتحوّلت إلى ناطق باسم الجيش

الساعة 11:26 ص|27 يناير 2009

فلسطين اليوم – القدس المحتلة

لم تكن حرباً بالطائرات والمدافع والدبابات والزوارق البحرية وحسب، بل كانت بالكلمة المكتوبة والمفردات المنطوقة والمشاهد المتلفزة كذلك. هكذا بدا العدوان الإسرائيلي على غزة، حصيلة تفاعل مثير بين صوت القصف وأصداء الإعلام، في حالة تعاون لم يسبق أن تحققت في التجربة الإسرائيلية على هذا النحو منذ عقود طويلة.

 

فالإعلام الإسرائيلي دقّ طبول الحرب، وقام بالتغطيات من فوهة البندقية، وحاول اختلاق "صورة نصر" في وعي الإسرائيليين، وتحوّل إلى مجرد ناطق باسم الجيش الإسرائيلي.

 

هذا ما يستنتجه إعلامي من فلسطينيي 48، عكف طوال الحرب، وما سبقها وما تلاها، على دراسة أداء وسائل الإعلام الإسرائيلية، وموقفها من المؤسسة العسكرية وآلة الحرب ووقائع الميدان. وقد جاءت خلاصاته لتسلّط الضوء على حالة التبعية والاستعمال التي تخيم على المشهد الإعلامي الإسرائيلي، وفق حديث مطوّل أدلى به لوكالة "قدس برس".

 

فالإعلامي عبد الحكيم مفيد، سكرتير التحرير في صحيفة "صوت الحق والحرية"، الصادرة في أم الفحم في الداخل الفلسطيني المحتل سنة 1948، لاحظ إنّ "الإعلام الإسرائيلي لم يبدأ مشواره والتعاون بينه وبين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من هذه القضية، أو خلال العدوان على غزة، ولكنه خلال هذا العدوان وصل إلى ذروة غير مسبوقة".

 

وأضاف مفيد أنّ الإعلام الإسرائيلي ليس فقط مُجنّد (بفتح النون) (في خدمة العدوان)، بل إنه يعمل على أساس أنه مجنِّد (بكسر النون)، ويرى أنّ المعادلة التي وضعها الإعلام الإسرائيلي في هذه الحرب هي نتاج حرب لبنان الثانية.

 

وأشار مفيد إلى أنّ القاعدة الإعلامية الإسرائيلية المشهورة هي "هدوء، إنهم يطلقون النار"، وأنها قاعدة وصلت إلى ذروة غير مسبوقة، فلا يتوقف الأمر عند حدود أنّ الإعلام الإسرائيلي غير ناقد، بل إنه لا يقول إلاّ رواية الناطق بلسان الجيش، وفوق ذلك أخذ هذا الإعلام يسدي النصائح العسكرية والسياسية للجيش والقيادة السياسية الإسرائيلية.

 

وأوضح مفيد أنّ الصحفيين في الصحف الثلاث المركزية وفي المواقع الأساسية وفي القنوات التلفزية الإسرائيلية الثلاث، تتنافس فيما بينها لإيصال الصورة التي يروِّج لها الجيش بالتفصيل، ودون الخوض في أي تساؤل من أي نوع، فالتفاصيل الأخرى للحرب على غزة غير مهم، وقال "الآن هناك حرب نفسية يوجهها الإعلام للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، واحدة لرفع المعنويات ولتبرير حرب الإبادة على غزة، وأخرى لرفع الرايات البيض والاستسلام".

 

التغطية الإعلامية من فوهة بندقية الجيش

ولاحظ عبد الحكيم مفيد أنه ليس من جديد في العلاقة بين الجيش والإعلام على المستوى الإسرائيلي، وليس من جديد في فرض الرقابة المشددة على الإعلام، ففي حرب فوكلاند عام 1982 والتي شنتها بريطانيا على الأرجنتين، قامت سلطات الجيش البريطانية بسجن الصحفيين في غرف السكن الموجودة على السفن، وفي حرب احتلال العراق عام 2003 تم وضع الصحفيين في حيِّز ضيق على حاملات السفن الأمريكية حتى يتقلص مجال الرؤيا لدى الصحفيين ليشاهدوا فوهة البندقة فقط.

 

أما في الحرب على غزة تم وضع الصحفيين من الجانب الإسرائيلي في حيِّز متواضع، وبدلا منهم هناك صحفيون ومصوِّرون وكاميرات تصوير للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي على أرض المعركة، ومثل هذا الأمر يهدف "إلى عرض صورة حرب معقمة ومنع وسائل الإعلام الإسرائيلية من نشر مشاهد القتل والدمار في غزة، لكن هذه رؤية ضيقة تمثل سياسة النعامة في عصر الطريق السريع للمعلومات، فالعالم والإسرائيليون كذلك يشاهدون الصور والأصوات التي يتم بثها في غالبية محطات التلفزيون" غير الإسرائيلية.

 

من الأهداف أن ينسى الإسرائيليون حرب لبنان

واستنتج الإعلامي الفلسطيني أنه من الواضح أنّ "الإعلام الإسرائيلي استعدّ للحرب سلفاً، ولم يكن مجرد مجنَّد (بفتح النون) بل عمل مجنِّداً (بكسر النون)، وكان حاضراً في هذه الحرب وعلى كل المستويات، وليس كما كان عليه الحال في حرب لبنان الثانية، التي ارتسمت في وعي الإسرائيليين على أنها هزيمة. "إذ أنه بحسب الإسرائيليين فإنّ ما حدث في حرب لبنان الثانية لا يجب أن يعود. طبعاً ستبقى كثير من الاستنتاجات حول حرب لبنان الثانية سرية، لكن يمكن فهم دور الإعلام في هذه الحرب، دوره يتجاوز مجرد التعتيم وعدم نشر المعلومات في حالة حرب كما تملي على ذلك الرقابة العسكرية".

 

ولفت مفيد الانتباه إلى أنّ "الحروب دائماً فيها صور لا تتلاءم بالضرورة مع الذين يخوضون الحرب. الملفت للنظر للغاية أنه في عصر ثورة المعلومات والخط السريع للمعلومات، نجحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية في فرض نمط جديد من التعامل مع الإعلام".

 

ويتابع مفيد "حتى الآن تبدو حالة الانسجام غير مسبوقة (بين القيادة الإسرائيلية والإعلام)، ويبدي الإعلام الإسرائيلي من جهته حرصاً على مسألة نشر المعلومات وضبطها بالأساس أكثر حتى من القيادة السياسية والعسكرية"، على حد تأكيده.

 

وأشار الإعلامي إلى أنّ قلة هم الصحفيون الإسرائيليون الذين يُبدون تذمّراً من هذه الحالة. فباستثناء المراسل العسكري للقناة التلفزيونية العاشرة الإسرائيلية ألون بن دافيد، الذي أبدى استياء من عدم نشر معلومات والاكتفاء بما يقوله الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي؛ فإنّ معظم المراسلين العسكريين ومعهم المرسلون السياسيون والمراسلون للشؤون العربية وأولئك ممن يسمون بالمراسلين الكبار، أمثال ناحوم برنياع وأرييه شافيط وألوف بن وبن كسبيت ويوآل ماركوس؛ "يبدو أنهم شركاء فاعلون ومهتمون في خلق صورة مغايرة كلياً لتلك التي رسمتها حرب لبنان الأخيرة، ويبدو بشكل واضح للغاية أنّ ربط هذه الحرب بما حصل في لبنان في تموز (يوليو) 2006 هو أكثر ما يشغل الإسرائيليين، بل يبدو أنّ أحد أهداف هذه الحرب هو أن ينسى الإسرائيليون ما حدث في لبنان"، وفق تقديره.

 

محاولة اختلاق صورة "انتصار" في وعي الإسرائيليين

وقال الصحفي عبد الحكيم مفيد إنه من الواضح أنّ الإعلام الإسرائيلي يساهم في خلق صورة "انتصار" في وعي الإسرائيليين، الأمر الذي جعل الرأي العام منحازاً بالكلية مع الحرب ولا يسأل أسئلة، لكن من جهة أخرى لا يعلم الإسرائيليون إلاّ قلة منهم، حقيقة ما يحدث في غزة، لأنّ الجيش منع الجنود الإسرائيليين وحتى الضباط من إدخال حتى هواتف نقالة، كما أنه لم يسمح إلاّ لثلاثة صحفيين إسرائيليين بالدخول إلى قطاع غزة اختارهم بالقرعة، ونقلوا الصور التي يرغب الجيش الإسرائيلي في نقلها إلى المشاهد الإسرائيلي.

 

وأشار مفيد إلى أنّ "العلاقة بين الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي وبين الصحافة الإسرائيلية تبدو مريحة للإعلام الإسرائيلي، ولا تسبب أي حرج أو معارضة من قبل أحد" في الساحة الإسرائيلية.

 

وأضاف مفيد "أنّ إسرائيل تعتبر معارضة السلام شرعية ووطنية وصوتها مسموع، لكن معارضة الحرب هي دائماً موقف خياني، وليست شرعية، وحاشى أن يُسمح لها بإسماع صوتها، على ثمن السلام دائماً يمكن النقاش، فيما لا يُسمح بقول شيء عن ثمن الحرب"، كما قال.

 

ونبّه عبد الحكيم مفيد إلى أنّ صحيفة "هآرتس" العبرية عانت من مشكلات مالية كبيرة في التسويق خلال الحرب،  ويعود ذلك بحسب الصحيفة إلى "معاقبة من قبل الجمهور الإسرائيلي" للصحيفة، بسبب أنّ أحد صحفييها ويدعى جدعون ليفي، كان معارضاً للحرب والاحتلال

 

وشرح مفيد كيف توسعت الاستوديوهات التلفزيونية الإسرائيلية في دعوة الجنرالات والمعلقين العسكريين، وما "شاهدناه هو أناس يكرِّرون ما تقوله الجهات الرسمية والناطق بلسان الجيش" الإسرائيلي.

 

وفي الأيام الأولى للحرب، كما في كل حرب، هي ليست أيام "هدوء؛ إنهم يطلقون النار"، إنها "أيام الانفعال والنشيد الموحد، الصوت الموحد، الجوقة الموحدة المنفعلة، والتي تبدو مثل جوقة تشجيع، تنادي بالقتل والضرب والتدمير والإبادة، تنفعل مع كل عملية قصف، وتستلذ بكل قنبلة، حرب لا يودّ أحد إيقافها، ولكن بعد ذلك عندما يختفي دخان القنابل، وتختفي أصوات المعركة، وعندما يُتبيّن أنّ النصر ليس إلاّ هزيمة، ويُكتشف أنّ الإنجازات وهمية، يرتفع الصوت الآخر، وأحياناً يتحوّل إلى صوت الإجماع، دائماً متأخراً، دائماً مثقلاً".

 

وسائل الإعلام الإسرائيلية دقت طبول الحرب

وقال الصحفي الفلسطيني "في اليوم الأول للحرب، عرض التلفزيون الإسرائيلي الصور الصعبة من غزة، لقد أعدّت وسائل الإعلام لهذه الحرب جيداً، لا تستطيع أي لجنة تحقيق أن تدّعي غير ذلك. فعلى امتداد أشهر طويلة سمعنا عن زيادة قوة حماس وتسلّحها، خنادق وأنفاق، صواريخ طويلة المدى، جيش كبير". وأضاف مفيد "تم إخفاء مدى التوازن بين الطرفين، وتم إخفاء حقيقة أنّ أول خرق للتهدئة كان من الجانب الإسرائيلي، حيث تم تفجير نفق في يوم تهدئة، وتم إخفاء الحصار، سنتان ونصف السنة من الحصار الإعلامي، خلالها لم ننجح في دخول غزة وكل صحفي أسمع أي صوت احتجاج هوجم، الحياة الصعبة التي كانت قبل الحرب على غزة لم تصل إلى الرأي العام الإسرائيلي وتم إخفاؤها"، وفق شرحه.

 

وأضاف مفيد أنه بعد مرحلة التحضير؛ حان وقت القطاف، فالأمر "لا يمكن أن يستمر هكذا، هكذا قال كل المحللين وحسموا الموقف، الجواب لا يمكن إلاّ أن يكون عسكرياً، فقط عسكرياً ودائماً عسكرياً، فقد تحولت "سديروت" إلى الضحية الوحيدة، وليس أطفال غزة الذين لا يملكون حتى دفتراً يكتبون عليه عن مخاوفهم، ولا الكبار الذين لا يملكون الإسمنت لبناء شاهد قبور أمواتهم، ولا السائقين الذين شغّلوا سياراتهم بواسطة زيت للطبخ، ولا الأطباء الذين أجروا العمليات لمرضى بدون كهرباء، ولا العائلات التي كانت في بيوتها التعيسة بالبرد القارس".

 

وتابع مفيد محللاً "بعدها جاءت الحملة الإعلامية الكبيرة: اخرجوا للحرب، اضربوهم، عملية، حملة، ردع، عملية مماثلة". وقال مفيد "كان آخر الدافعين الصحفي الإسرائيلي الشهير ناحوم برنياع من "يديعوت أحرونوت"، الذي حلق شعره في "سديروت" قبل بدء الحرب، وكتب قبل الحرب "أين الوزير وأين الأمن؟ وفي الوقت الذي كان يقتل فيه مئات الفلسطينيين يومياً في غزة، كان العنوان الصارخ في الصحف الإسرائيلية: مليون ونصف مليون إسرائيلي تحت النار".

 

تعتيم انتقائي

ورصد مفيد كيف أنّ الصحفيين الإسرائيليين الذين تجنّدوا أو جُنِّدوا من قبل المؤسسة الأمنية والعسكرية لشن الحرب على غزة، "جهزوا الرأي العام على امتداد فترة طويلة، وأبدوا إعجابهم الشديد بما يقوم بها سلاح الطيران في غزة،,بل وأكدوا أنهم استمتعوا برؤية ما يقوم به الطيران الإسرائيلي من قصف للعزّل، وكانوا الناطقين الرسميين باسم الجيش. لكن سرعان ما بدؤوا يطالبون بوقف الحرب، واستثمار ما حققته من أهداف، لكنّ أحداً لا يذكر هذه الأهداف، أو على الأقل لا يتطرّق بالتفصيل إلى أي أهداف حقق الجيش الإسرائيلي من تلك التي أعلنها في بداية الحرب، وعليه تكشف العلاقة الوثيقة جداً بين الصحافة والعسكر والسياسة في لحظة غير مسبوقة منذ العام 1967"، كما قال.

 

ولفت مفيد الانتباه هنا إلى أنّ "مثل هذه العلاقة لم تنشأ بعد إعلان الحرب على غزة، فقد كان الإعلام الإسرائيلي شريكاً فاعلاً في التحضير لهذه الحرب، وتهيئة الرأي العام في عملية غسيل دماغ استمرت أشهراً متواصلة، تمثلت بالأساس في نزع شرعية الحكومة المنتخبة في غزة قبل ثلاث سنوات وعدم قبولها، وكانت خطوتها الثانية في إفهام الإسرائيليين أنّ الحصار هو جزء من الحرب على "الإرهاب"، هذا عدا عن تغييب ما خلّفه الحصار على الفلسطينيين في قطاع غزة، لقد كان الإعلام الإسرائيلي أو قادة الرأي العام فيه شركاء فعليون في التهيئة للعدوان والحرب، وهو أحد الدروس المستفادة من حرب لبنان الثانية بلا أدنى شك"، حسب تقديره.

 

وأكد الإعلامي الفلسطيني أنه "ليس هناك ما هو مفاجئ في موقف الإعلام الإسرائيلي، هو في الحقيقة وعلى مدى علاقته مع المؤسسة الإسرائيلية الأمنية والسياسية كان صامتاً ومؤيداً للحرب، وفقط حين كانت إسرائيل لا تحقق أهدافها المعلنة وفقط حين كان ثمن الحرب باهظاً كان الإعلام الإسرائيلي يستيقظ، وتاريخياً ما زال الإعلام الإسرائيلي يقوم على أساس أنه مؤسسة مستقلة، وظيفتها كشف أخطاء وتجاوزات المؤسسات الأخرى، لكن الحقيقة تؤكد أنّ الإعلام الإسرائيلي منذ ما قبل النكبة كان دائماً جزءاً من المؤسسات الإسرائيلية الأخرى، حتى حين تحوّل إلى إعلام خاص". وقال مفيد "ما احتكم ويحتكم إليه الإعلام الإسرائيلي هو بالضبط ما تحتكم إليه المؤسسات الأخرى أثناء الحرب"، على حد تعبيره.

 

واستدرك مفيد "لكن هذه المرة في حرب غزة، تقرّر إحضار نمط جديد من العلاقة بين الطرفين، شبيهة بالعلاقة التي كانت في حرب 1967 مع فارق واحد، أنّ الإعلام هذه المرة مُطالَب بتغيير الصورة التي رُسمت في وعي الإسرائيليين في حرب لبنان الثانية، أو إعادة صورة العام 1967، وعليه، كان سلاح الجو الإسرائيلي هو الحاضر الوحيد في هذه الحرب لأنه هو الوحيد القادر على إعادة صورة "الانتصار"، وهو الوحيد القادر على إعادة قوة الردع، أما على الأرض فلا يجوز ولا يمكن عرض أي صورة أو معلومة إلاّ تلك التي يسمح بها الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي"، وفق ملاحظته.

 

إلاّ أنّ عبد الحكيم مفيد نبّه إلى أنّ "هذه ليست كل الصورة، فليس هناك تعتيم إعلامي كما يعتقد البعض، بالعكس التعتيم هو انتقائي للغاية، فما يمنع الإعلام الإسرائيلي عن كشفه على الأرض يعمل على كشفه في الجو، وهو ما يؤكد أنّ حرباً تدور على الصورة، فقط الطائرات الإسرائيلية هي التي تستطيع أن تعيد للإسرائيلي شيئاً من "صورة النصر" المفقودة، وليس بمقدور الجيش على الأرض أن يفعل ذلك، إذ أنّ هناك من هو متخوِّف للغاية من الصورة النهائية، متخوِّف من أن تنقلب الصورة رأساً على عقب، أن تكون عكس ما خطط له الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع الإعلام".

 

وتابع مفيد "عليه؛ فالمطالبة الحثيثة من قبل صحفيي الحرب بوقف الحرب، قبل أيام من انتهاء الحرب، والخروج بصورة منتصرة، تفترض أنه لا يمكن الاستمرار أكثر من ذلك ولا يمكن ضمان النتائج، ولا يمكن كذلك إخفاء الصورة بعد ذلك، ولا يمكن إغلاق الإعلام أمام الناس كل الوقت، ومن الأفضل التوقف الآن، فلن يحتمل الإسرائيليون مثل هذا الأمر، وأكثر من ذلك؛ فإنّ التلميح ببقاء الجيش الإسرائيلي على محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، أو تطويق القطاع من الجهة الغربية بواسطة جيش إسرائيلي؛ هو أيضاً أمر مقلق" للإسرائيليين.

 

وأوضح مفيد أنّ تنبّه الإعلام الإسرائيلي، في الأيام الأخيرة للحرب، ومطالبته بوقفها فوراً، جاء "خوفاً من انزلاق الأمور إلى حيث لا يمكن أن تتوقف، وعندها فإنّ الإعلام الإسرائيلي أو صحفيي الحرب والتضليل، سيكونون بحالة مثل تلك التي أصابت صحفية التضليل الأولى في "نيويورك تايمز" جوديت ميلر، فقد قادت ميلر أكبر عملية تضليل لشنّ الحرب على العراق، حين اعتمدت على معلومات كاذبة كانت تتصدّر عناوين "نيويورك تايمز" الرئيسة على مدار أشهر. كانت هذه التقارير وغيرها قد هيّأت الرأي العام في الولايات المتحدة وفي العالم لاحتلال العراق التي كانت "تمتلك أسلحة غير تقليدية"، تبيّن فيما بعد أنه لا أساس لهذه المعلومات من الصحة، واحتلت العراق وأبيدت، واعترف جورج بوش أنه خاض حرباً بناء على معلومات استخبارية كاذبة، شارك الإعلام بترويجها، ولكن ماذا يهمّ مثل هذا الاعتراف بعد أن أُبيد الناس؟!".