تفويت فرصة تاريخية.. معاريف

الساعة 02:59 م|31 مايو 2019

بقلم

(عشية تقديم مشروع السلام الامريكي يشرح الفلسطينيون لماذا سيفوتون هذه الفرصة ايضا).

اتهم وزير الخارجية أبا ايبان الفلسطينيين بانهم لم يفوتوا فرصة لتفويت الفرص. وكان ايبان تولى منصب وزير الخارجية بين الأعوام 1966 – 1974.وعلى مدى السنين اياها صدر على لسانه تصريحان آخران لم يدخلا الخطاب السياسي. ففي 1975، بعد اعتزاله منصب الوزير، قال في لقاء مع تلاميذ في بيت برل انه يمكن العيش في دولة في حدود 1967، مع تعديلات حدودية استراتيجية. واضاف انه في المداولات الدولية عن التسوية مع الفلسطينيين يتحدث الطرفان اكثر مما ينبغي عن الارض واقل مما ينبغي عن السلام.

وجد الباحث الاعلامي البروفيسور رافي مان هذه الكلمات لايبان في نبأ لوكالة "عتيم" من تلك الفترة. ونشرها في مدونته، "ملاحظات هامشية للتاريخ". بدونه، مشكوك أن يكون احد ما يتذكر ان اسرائيل، بواسطة وزير خارجيتها، سبق أن وافقت على ما يطالب به الفلسطينيون اليوم.

بعد قليل سيطرح على الفلسطينيين اقتراح آخر، وقد أعلنوا منذ الان بانه في نيتهم ان يفوتوه. هذا هو اقتراح السلام الامريكي، الذي يصيغه هذه الايام مبعوثو الرئيس دونالد ترامب الى المنطقة، صهره جارد كوشنير ومساعده المخلص جيسون غرينبلت. وهو سيكون مختلفا عما سبقه. ففي الاقتراحات السابقة تقررت خطوط أساس سياسية للسلام الاسرائيلي – الفلسطيني، وبدأ الطرفان بالحديث فوريا على تطبيقها. حل مشكلة القدس، جواب لمشكلة حق العودة، حدود الدولة الفلسطينية. اما الخطة المستقبلية، فتسعى الى حل النزاع من الاسفل. الوسيط سيقترح مشاريع لاعادة ترميم الاقتصاد الفلسطيني وتحسين جودة حياة المواطن، والمباديء الوطنية يضعها جانبا. دعكم من القدس والمستوطنات، يقول الامريكيون للفلسطينيين، تعالوا نطور الاقتصاد. وهم يعدون بان يجندوا المال من المتبرعين والذي سيسمح للانطلاق على الدرب.

هذا اقتراح مشوق، كان يمكنه ان ينجح في ساحة لا يكون فيها المعسكران منقسمان بينهما وبين نفسيهما، ولا تكون غارقة في ايمان ديني متزمت وتعاني من ثقة هزيلة بين الطرفين الصقريين. ولكن الامريكيين مصرون. فقد اعلنوا عن مؤتمر البحرين، توضع فيه الاسس الاقتصادية لمشروعهم للسلام، وبدأوا يجندون له المشاركين. يحتمل أن يكون هذا المؤتمر محكوم بالموت حتى قبل أن يولد، بسبب الانتخابات في اسرائيل. فاي حكومة يمكنها أن تبدأ بمسيرة سلمية قبل ان تكون انتخبت. وحتى قبل ان تقع علينا بشرى الانتخابات من جديد، بصق الامريكيون دما في المساعي لتجنيد مشاركين جديين. فليس الجميع متحمسين، المدعوون الاهم هم الدول العربية ولا سيما امارات الخليج. السعودية، اتحاد الامارات ومصر اعلنوا بانهم سيشاركون. لا غرو في ذلك، فهؤلاء هم اصدقاء البيت الابيض، ولكن حضورهم لا يدل على شيء. حتى لو جاءوا، اذهب لتعرف كم سيوافقون على التبرع. ولنقل انهم سيوافقون. من يضمن ان يحولوا المال حقا. فقد سبق لمثل هذه الامور ان حصلت.

منذ أن علم بانعقاد المؤتمر، قبل اسبوعين ونصف، شرع الفلسطينيون بمساعي احباط حثيثة بهدف تجفيفه. 13 غني فلسطيني تلقوا الدعوة للمشاركة وصلهم توجه من رام الله – في اعقابه سيبقون في البيت. السلطة تضغط على الدول (ولا سيما العربية) الا تأتي، واذا جاءت، فعلى مستوى متدنٍ. أحد الاسئلة يتعلق بموقف الاردن من المسألة. الملك عبدالله يخشى ان تكون في المشروع الامريكي عناصر تدفع الى الامام بالفكرة التي تطورها دوائر اليمين في اسرائيل، وبموجبه مملكته هي الدولة الفلسطينية. والقصر الملكي في عمان لم يعد الابن المدلل لواشنطن في العالم العربي، مثلما في الماضي. وعليه، فقد قل التزامه بالامريكيين.

إملاءات امريكية

صائب عريقات، امين سر اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، شرح هذا الاسبوع لماذا لا يقبل هو وابو مازن مشروع السلام الامريكي. "هذه محطة اولى لاستبدال فكرة الارض مقابل السلام بفكرة المال مقابل السلام"، هكذا بدأ عريقات المقابلة معه في قناة "الميدان" اللبنانية. "صفقة السلام لم توضع على الطاولة بعد كي نقول نعم أم لا، ومع ذلك، فان كل العناصر التي يجب أن يتضمنها في الحل الدائم، أملتها الادارة الامريكية منذ الان: القدس عاصمة اسرائيل؛ المستوطنات شرعية؛ ولديهم مشروع قانون جديد ليقرروا من هو اللاجيء". لقد أعلن عريقات بان الفلسطينيين لن يشاركوا في ا لقمة الاقتصادية للبحرين ولن يفوتوا احدا للحديث باسمهم.

وفي تغريدة على التويتر، رفعها في الغداة اضاف عريقات: "يعرضون على الفلسطينيين حكم ذاتي ناقص، اتونوميا ناقص، سلام اقتصادي ناقص، نمو ناقص، حكومة مستقلة ناقص ودولة ناقص. اما أمن اسرائيل والاحتلال – فزائد".

عودة الى أبا ايبان. أحد لم يفحص على مدى السنين إذا كنا نحن ايضا، الاسرائيليين، لم نفوت الفرص لتفويت الفرص. فقد سبق ان قال أحد ما (ليس أبا ايبان) ان العرب لا يفهمون الا لغة القوة، والسنوات اظهرت اننا نحن الاسرائيليين، نفهم بالضبط الامر ذاته.

العدل وفقا للقرآن

صديق من القاهرة لفت انتباهي لحدث وقع قبل ثلاث سنوات ونصف في الولايات المتحدة. فقد نظمت كلية الحقوق في جامعة هارفرد معرضا يقوم على اساس اقتباسات عظيمة على مدى التاريخ. اعضاء الطاقم والطلاب اقترحوا 150 اقتباسا من كل الازمنة. فحص فريق ما مدى مصداقيتها وسياقها التاريخي. وفي النهاية تبلورت قائمة من 20 نصا.، وجدت طريقها الى حيطان المكتبة. "كلمات من العدل" كان اسم المعرض.

كل هذه المقدمة جاءت لتروي ان احد الاقتباسات اخذ من القرآن. وهذه هي الاية 135 من سورة النساء والتي تقول للمؤمن بكلمات بسيطة:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِوَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْأَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَۚ إِنْ يَكُنْغَنِيًّاأَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰبِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰأَنْ تَعْدِلُواۚ وَإِنْ تَلْوُواأَوْ تُعْرِضُوافَإِنَّ اللَّهَكَانَ بِمَا تَعْمَلُونَخَبِيرًا".

في هارفرد قالوا عن هذه الاية انها احد التعابير الكبرى عن العدل في التاريخ الانساني. هذه فكرة بسيطة جدا. وينبغي الافتراض بان اهميتها في جونها جزء من النص المقدس لمليار ونصف من سكان الكرة الارضية. واساس الفكرة وجدوه ايضا في الكلمة التاسعة في كتاب الاسماء. "لا تشهد شهادة زور".

هذا نوع من القصص التي تنزع من الاسرائيلي العادي عددا لا يحصى من الملاحظات التهكمية. ففي نظر الكثيرين، الاسلام والعدل لا يسيران يدا بيد. ثمة باحثون، بعضهم اسرائيليون، يعتقدون بان الدين الاسلامي ينطوي في داخله على عناصر عنصرية وعنيفة، وبالتالي ليس صدفة ان ينتشر الارهاب والقتل في المجتمعات الاسلامية. والجدال حول مسألة اذا كان الدين الاسلامي عنيفا ام ربما دينا سمحا وقع ضحية لعلاقات عامة سيئة – هو جدال مركب، يتطلب استخداما لادوات من عالم الثقافة، علم النفس والانسان. والسبب الاساس لتعقيداته هو الحقيقة البسيطة انه في كتابه المقدس يوجد هذا وذاك. يمكن ان تجد فيه ترويجا للعنف ولكن الى جانبه رسائل التسامح في الغالب (صوم رمضان مثلا الذي يصل نهايته هذه الايام هو دعوة لتفهم ضائقة الجوع والفقر). لست واثقا انهم متفردون. ففي الكتب المقدسة لليهود والمسيحيين يمكنكم ان تجدوا اساسات متعاكسة وكذا في اقوال حكمائهم على مدى الاجيال. وبالتالي ماذا يفع المسلم الذي يسعى الى جواب على اسئلته، هل استخدام القوة مسموح ومتى؟ فليذهب ويتعمق في النصوص. من يريد أن يستعين بالكتب المقدسة كي يبرر الحرب أو فعل العنف، سيجد في الاسلام مطلبه. ومن يرغب في أن يتعلق بصنع السلام فيه – فانه هو الاخر سيجد هناك ما يطلبه.