خبر هزيمة المحور الإسرائيلي ومستقبل النصر الفلسطيني ..مهنا الحبيل

الساعة 10:12 ص|26 يناير 2009

ـ الجزيرة نت 25/1/2009

كنا دائما نذكر بقواعد الحرب التي تحكم قضايا الصراع بين حركات التحرر إجمالا وحركة التحرر الإسلامي في فلسطين المحتلة في مواجهة معسكر تل أبيب والقوى العالمية بشقها العربي والمقصود النظر إلى ما تحقق وموازين المستقبل وفق معادلات التوازن ذاتها أي توازن الرعب القائم على ركني الصمود بكل صوره وتطوير المقاومة النوعي وهو ما يتواصل في تحديد آفاق مشروع دحرجة المقاومة الزاحف إلى مواضع ومواقع لا تحسب بفترة زمنية محدودة ولكن في مرحلة متعاقبة متدرجة تصل إلى بدء التقدير الدقيق لحركة الصعود الأكبر للتحرير للمشروع الفلسطيني المتجذر أمميا عربيا وإسلاميا.

وهو ما ثبتت حرب غزة تطوره الأفقي والنوعي في الضمير المجتمعي العربي من خلال قياسات عديدة وظواهر متنوعة ضجّ بها الشارع والفعاليات العربية والإسلامية ثم حقق انكسارا تصاعديا مهما في التضامن الدولي الإنساني على صعيد الشعوب بل وحتى بعض الحكومات, التي قاد مشهدها المعبر الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز.

وأيضا كما هو الحال في الحالة العربية الرسمية التي أظهرت تمردا متزايدا وأكثر صلابة لعهد الهيمنة الأميركي المتراجع عمليا والمضطرب في اختتام بائس لعهد أبرز زعمائه أعلن فيها الرأي العام العالمي موقفه بما فيه لحظات تنصيب خلفه من قبل الأميركيين سخطهم لأسوأ عهد صنع وشرّع الإرهاب الدولي بين الأمم والحضارات كان باسم الرئيس السابق جورج بوش.

عمق الإسناد الإنساني لفلسطين

هذه الحالة من التفهم والتضامن الإنساني مع غزّة بما فيه قيادتها ومقاومتها -التي لم يسبق له مثيل في الرصد التاريخي لعلاقة القضية الفلسطينية بالعالم الإنساني الآخر- هي إحدى مؤشرات حجم الهزيمة التي تكبدها المحور الإسرائيلي في حرب غزة.

ولسنا هنا نرتب على هذا التضامن التصاعدي مشروعا محددا أو تغيرا مختلفا لأدوات الصراع التي عادة ما استخدمت في الحرب على الشعب الفلسطيني كمجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي أو استمرار خط الدعم لحكومة أوباما المتوقع لأمن تل أبيب, لكن هذا التحول أظهر اضطرابا شديدا وحفزا أكبر في الرأي العام الأوروبي فضلا عن الدولي الإنساني المتضامن مع غزة والقضية الفلسطينية جعل هذا الموقف في عمق مناطق الإسناد التاريخية للكيان الصهيوني يختل في اندفاعه للشراكة مع المحور الإسرائيلي ويبدأ في التفكير والتردد إلى أين تقود هذه المشاركة سواءً للمصالح القومية للأوروبيين ذات الأولوية الكُبرى أو لحالة الشرق الأوسط والعالم العربي مع تصدع الجدار الأميركي واعتراف الرئيس الجديد بصعوبة مهمته.

شرم الشيخ وما بعدها

هذه الحالة من الاضطراب خلقت أجواء قمة شرم الشيخ التي استشعرت معنى الهزيمة الإسرائيلية وكيف أصبح الأمر يتطور متزامنا مع اضطرار تل أبيب لإعلان وقف إطلاق النار إلى تصاعد آثار هذه الهزيمة على داخل تل أبيب رغم كل الآلة الإعلامية الضخمة والتضليل الكامل لمصير القتلى والجرحى الاسرائليين، فضلا عن نتائج الحرب للطرف المنتصر بعد تبين التفوق العسكري لإدارة كتائب القاسم للحرب والمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس والمشروع التحرري لها ولحلفائها الذي انتقل إلى تطور نوعي كبير للغاية.

ولذا أفرز المؤتمر وما بعده برنامج خطاب مختلف بدءا من الضلع الرئيس في تحالف المحور الإسرائيلي وهو نظام الرئيس مبارك واختلاف خطاب أركانه جذريا عن مرحلة العدوان في الأسبوعين الأوليين ومرورا بتغير خطاب الاتحاد الأوروبي وارتباكه بعد المؤتمر إثر تصاعد الصدمة العالمية لجرائم الحرب التي غطاها المحور الإسرائيلي وتأثيراتها على الحالة السياسية في الوطن العربي والمجتمع الغربي.

انقلاب الرهان

هذا الاضطراب بكل تأكيد كان يتحرك لتدارك الوضع وليس لتقدير الطرف المنتصر والضحية للعدوان, لكن انكشاف آثار المعركة يجعل هذا المحور وكل أدواته بما فيهم السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة أن يرضخ اضطرارا لقواعد إفرازات الهزيمة للمحور الإسرائيلي وخشيته من آفاق النصر الفلسطيني.

وبغض النظر عن التحليلات التي رأت أن مؤتمر شرم الشيخ في الأصل كان مهيأً لما بعد إعلان هزيمة حماس وانكسار غزة وبالتالي كانت المراهنة على المؤتمر أن ينعقد بعد النصر المتبخر لتغطية الجوانب الإنسانية وإضافة شرعية جديدة لسلطة رام الله لتسلم غزة من الإسرائيليين بعد إعدام واعتقال قادة المقاومة والحكومة المنتخبة ومن ثم غير انتصار غزة برنامج المؤتمر.

وحتى لو لم يكن هذا التحليل دقيقا مع الشواهد القوية التي تدعمه فإن المحصلة واحدة أن المحور الإسرائيلي بأضلاعه, نظام الرئيس مبارك والاتحاد الأوروبي وواشنطن المفتوحة كليا لأمن إسرائيل وسلطة رام الله كجيب أمني منفذ وليس شريكا نديا, وهذا ما ظهرت تأثيراته في اضطراب فريق رام الله وانهيار شخصيته الاعتبارية من طرف فلسطيني مختلف مع حماس بحسب اتفاقاته مع تل أبيب إلى أداة تابعة تتنقل بين أضلاع المحور الإسرائيلي.

وهذا ما عمّق النكسة على أضلاع المحور وتزايد شعورهم بأن بطاقات سلطة رام الله رغم نجاحها في تطويق الضفة ومنع تضامنها مع غزة والإسناد الأمني للعدوان فإنها في النهاية خسرت الحرب كليا وبدت تبعات الهزيمة ثقيلة ومتزايدة على رام الله كما هو حال أضلاع المحور الرئيسية.

محاولات التطويق المستمرة

هذه الهزيمة قادت المحور إلى العمل على تطويق النصر والتقليل من آثاره ولذا ضغطت القاهرة من جديد رغم انتفاء الحالة السياسية والقانونية إلى إعادة طرح المبادرة المصرية التي لم يلتزم بها الإسرائيليون واعتبروا غطاء الاتفاق مع كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هو مرجعهم.

فقط سعى أولمرت بعد ذلك لإعطاء الرئيس مبارك شيئا من الغطاء الإعلامي المنتفي على الأرض لإيجاد تبرير للتدخل والضغط الذي كان دائما موجها إلى المقاومة فضلا عن التحقيقات التي أجرتها المخابرات المصرية مع جرحى العدوان لاستخلاص معلومات عن المقاومة وجوانب عديدة كلها تعيد التأكيد أن نظام الرئيس مبارك لم يستفد من الدرس حتى الآن, وهي قضية متداخلة لا يمكن أن نفصلها في هذه الدراسة لكون أن جزءا من النظام الرسمي العربي يشعر بعلاقة وجودية مع الهيمنة الإسرائيلية ويقلقه تصدعها.

قمة الكويت خسارة إضافية للمحور

منظورنا هنا في تقييم القمم العربية لا يقوم مطلقا على قدرتها بكل أطرافها ومحاورها على صناعة أي دعم حيوي للقضايا العربية المصيرية إنما فقط كغطاء إعلامي مهم إما أن يُحيد لمصلحة المقاومة والقضايا المصيرية أو يستفاد منه للدعم الإعلامي واللوجستي والإنساني.

وعليه يبرز لنا معنى أن ينجح الطرف المتمرد على المحور الإسرائيلي في هذه المرحلة من منع القمة من تبني المبادرة المصرية الكارثية على غزة وعلى وحدة الشعب الفلسطيني وهو ما شكّل هزيمة لمحور تل أبيب وإضافة نوعية لنصر غزة الجريحة.

والجانب الثاني المهم خاصة إن استمر وبغض النظر عن ما وقع صبيحة يوم الاختتام بعد كلمة الملك عبد الله لكن الأبرز هو رفع الغطاء السعودي عن المشاركة المصرية الفعالة في محور تل أبيب الذي ظهر جليا في خطاب الملك حتى مع الإشادة البرتوكولية بالقاهرة فإن هذا الابتعاد السعودي عن المحور مهم جدا لانتصار الضحية التي تحدث الملك عن أطفالها وأبطالها المعروفين بلا شك من هم وإلى من ينتمون.

حماس المنتصرة وضرورات الاعتراف

النتيجة الحتمية التي استيقظ عليها المحور المنهزم وبدأ يتعامل معها المترددون عربيا ودوليا بأن حماس كانت شعب غزة وشعب غزة صمد واحتمل وتمسك بقيادته التي انتخبها وآمن ببرنامجها والأعظم من ذلك أن يُسجل أول نصر مركزي للشعب الفلسطيني على يد حماس مع المراحل الكبيرة التي اخترقتها حركة حماس في زمن محدود وجذرتها فلسطينيا وعربيا وإسلاميا.

وعزز العنصر الأخير تحرك الأتراك الذين يجيدون تذكير المجتمع الدولي بما يعلنه من مبادئ أخلاقية، لكن في حالة إسطنبول ليس تذكيرا وحسب ولكنه قُرن بحراك كان له دور في ميزان المعركة الدقيق في الميدان السياسي للعدوان، ولذا فإن تطور التواجد التركي كما هو الحال في حيوية وصراحة الموقف القطري سيخلق رقما جديدا في معادلة التوازن وتحقيق الاستقرار لمرحلة دحرجة مشروع المقاومة مع ما يعرف عن حماس من أن أي دعم كما أنه يعامل باحترام وواقعية تخضع للمبادئ ومرونة مع من يريد أن يساهم في نصرة المظلوم الاّ أنّ الطريق يُقطع حين يتحول هذا الدعم إلى دفع للتنازل.

الشرعية الجديدة للوحدة الفلسطينية

إن ما عاشته المنطقة في حرب غزة وانعكاساته الضخمة على الرأي العام الفلسطيني ومن خلال تجديد عمقه العربي الإسلامي الذي أعاد هوية الصراع إلى أصولها المعروفة والمتبناة منذ ثورة القاسم 1936 لا يمكن الاّ أن ينعكس بالضرورة على إعادة صياغة الهيكل الوطني الفلسطيني بناءً على هذه المعادلة التي اختطها الشعب بدمائه, وقواعد هذا التغيير المعروفة في التاريخ الإنساني أنها تخضع لنتائج الحرب واختيارات الأمم ولا يمكن أن تبقى على الطرح المكرر على حماس.

وأول هذه القواعد أنّ حماس هي الممثل الشرعي المركزي للشعب الفلسطيني ولذا فإن أي برنامج للوحدة يجب أن يأخذ بالاعتبار هذا الحق الطبيعي لها ولحلفائها، وعليه فمن غير الممكن أن يُصار إلى طرح مشروع وحدة وطنية بناءً على أوسلو الذي أشبع هزيمة وإسقاطاً وتلاعبت به تل أبيب.

الجانب الثاني لمسؤولية العهد الجديد هو هوية الطرف الآخر الذي تجاوز الاختلاف إلى الشراكة مع المحور الإسرائيلي والاندماج معه ومن الطبيعي أن تتفق الفصائل الفلسطينية على لجنة تحقيق خاصة تفرز هذه السلطة وتحيل المتورطين منهم إلى هيئات تحكيمية عادلة.

هكذا كان برنامج الشعوب ولذا فلا يمكن أن تعتبر شخصيات رام الله المتورطة شريكا وطنيا قبل الفرز ولا بد من تحييد هذه الشخصيات كمكون طبيعي لنتائج العدوان، إذ لا يمكن أن يدمج جهاز أمن شارك العدوان مع حركة مقاومة ويصنع منها وحدة وطنية, إنها بداهة عقيلة ولذا فإن هذا التحييد سيكون الحد الأدنى لبرنامج الوحدة الوطنية.

بناء المرجعية الدستورية

الجانب الثاني المهم في برنامج الوحدة الفلسطينية هو إعادة بناء المرجعية الدستورية التي تُعيد كتابة الميثاق للهيئة الجماعية التي يعاد من خلالها تشكيل إدراة وبرنامج منظمة التحرير دون الالتزام بأي مسار منحرف طرأ عليه, فقط الثوابت الفلسطينية بعمقها العربي الإسلامي التي تصاغ في إعلان مبادئ من الطبيعي أن يصدر بعد معركة كحرب غزة.

ومن هنا وحيث أن التمثيل في غزة قائم كما هو في الضفة حتى قيام المجلس الوطني الجديد مع فرز المتورطين في الحرب الإسرائيلية فإن البدء يكون بانتخابات في الشتات وممثلين حقيقيين عن الأرض المحتلة عام 1948 للمجلس الوطني الجديد إن لم يمكن أن تجرى انتخابات هناك, وعند اكتمال النصاب يصار لبدء المجلس الوطني الفلسطيني هذا هو الطريق الموضوعي والقانوني للوحدة الوطنية الفلسطينية وليس إلزام الضحية المنتصر بدمائه من القبول بعودة أمن تل أبيب إلى غزة وهو خرق لأبسط قواعد الإدراك الإنساني.

في كل الأحوال فإن حركة حماس وحلفاءها حين تقدم برنامج الوحدة الوطنية فهي من أرض من ضحى وتحمل وتجاوز وخاض الحرب ولن تفلح تلك المحاولات التي يديرها المحور الإسرائيلي أو وسطاؤه المحتملون في تغيير قواعد اللعبة القائمة وهو عنصر تفوق جديد لمشروع حماس.

أمام كل ما تقدم وحسابات الربح والخسارة فمن المسلم ألا يترك الطرف الخاسر القضية على وضعها أكان ذلك عسكريا من خلال خروقات متوقعة واستئنافات محدودة للعدوان واغتيالات القادة أو كان عبر إعادة تنظيم المسار السياسي للمحور الإسرائيلي بالضغط على برنامج الإعمار أو ملف المفاوضات للوحدة الوطنية.

لكن اليقين في هذه القضية والقراءة الموضوعية للأحداث أن الحركة المنتصرة في أحلك الظروف تزيدها التجربة والانتصارات على الأرض قوة وقدرة، في المقابل فإن ميزان الاعتلال والتصدع مع المشهد الأميركي لا يزال هو القائم وهو ما أبرزه خطاب باراك أوباما عند التنصيب.

وعليه فإن الكثير من قواعد اللعبة الإقليمية والدولية بات متحركا ولا يخدم الأطراف العربية في المحور خاصة مع تزايد دعوات المراجعة داخل الأنظمة التي ارتبطت بواشنطن، وأن الدفع أكثر باتجاه برنامج تصعيدي متطرف تقوده تل أبيب وطرف عربي وضع نفسه في سكة واحدة وضيق خياراته تجعل الأطراف الأخرى تعيد التفكير، والأهم الذي يحمل خصوصية حساسة هو صعود حركات المقاومة العربية في فلسطين والعراق وتصدع الجبهة الأميركية مع طالبان.

في المقابل فإن هذه الأطراف العربية باتت تشاهد وليس تدرك وحسب أن النجاة من تداعيات المرحلة واجتياح النظام الإقليمي المعادي للعروبة إنما يكون عن طريق واحد هو القرب من محور الصعود القائم على الأرض وخاصة في العراق وفلسطين.

وقد تبين لهم أن مواجهة هذا المحور المقاوم تكلف الكثير حتى على استقرارهم الداخلي ولو كان ذلك بعد حين, والتقرب منه مع ضرورات الإصلاح الوطني يؤمن السلامة من القادم الغامض، هذا هو السبيل وإلاّ فالخيار الآخر قد يعني النهاية، هكذا حسم التاريخ.