إنجازات كبيرة تحسب للنيابة العامة..

"الاستئخارات المدروسة".. سياسة حكيمة أنقذت قطاع غزة من انهيارات اقتصادية عميقة

الساعة 04:42 م|13 مايو 2019

فلسطين اليوم

أدى الحصار الإسرائيلي المُشدد منذ سنوات طويلة والإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة على قطاع غزة المتمثلة في الخصم من رواتب الموظفين العموميين، وإحالة اعداد كبيرة للتقاعد المبكر إلى تنامي ظاهرة "الشيكات المُرجعة"، والتي سجلت ارتفاعاً متزايداً في عدد القضايا الواردة إلى "النيابة العامة".

النيابة العامة في قطاع غزة واصلت "اجتراح الحلول" للموائمة بين الأوضاع الاقتصادية الصعبة وحال المتعسرين مالياً من جهةٍ وحقوق الدائنين من جهة أخرى؛ من خلال سلسلة من السياسات الحكيمة للحفاظ على الأمن الاقتصادي والأمن المجتمعي، فكانت "سياسة الاستئخارات المدروسة".

"سياسة الإستئخارات المدروسة" هي مجموعة من الإجراءات التي اعتمدتها النيابة العامة في قضايا الشيكات خاصة وفي جرائم الأموال عموماً، وذلك بهدف مساعدة التجار، ورجال الأعمال، والموظفين المدنيين في تسديد القضايا المقدمة بحقهم في النيابة العامة بشكل يتناسب مع ظروف الأزمة المالية التي يمر بها قطاع غزة منذ عامين تقريباً.

انجازات كبيرة

وكيل النائب العام الأستاذ أحمد السوسي أكد أن "سياسة الإستئخارات المدروسة" ونهج النيابة العامة في معالجة ازدياد قضايا الشيكات المرجعة، نجحت من خلال التوفيق بين حقوق الدائن وظروف المدين في زيادة قيمة الأموال المسددة في قضايا الشيكات الواردة في العام 2018م مقارنة بالأموال المُسددة في العام 2017 قبل اتباع هذه السياسة.

وأوضح السوسي أنه على الرغم من ارتفاع اعداد القضايا الواردة للشيكات عام 2018م التي وصلت إلى حوالي 9260 قضية، إلا أن قيمة الأموال المسددة للعام 2018م قد زادت بشكل ملحوظ، وذلك لاتباع النيابة العامة "سياسة منح الإستئخارات المدروسة والمجدولة".

وأشار إلى أنَّ نسبة الأموال المسددة في عام 2018م بلغت بعملة الدولار (78%)، بينما بلغت (63%)  في العام 2017م، كما بلغت نسبة الأموال المسددة بعملة الشيكل (75%) في العام 2018، بينما بلغت نسبتها (58%) في العام 2017م وهي معدلات مرتفعة، لافتاً إلى أنه بالمقارنة بإجمالي الأموال المسددة بالعملات الثلاث المتداولة في قطاع غزة بقيمة الأموال في القضايا الواردة خلال السنوات الثلاث الماضية يتبين أنها بلغت (73%) في العام 2018م، في حين بلغت (59%) في العام 2017م، فيما بلغت (83%) في العام 2016م أي قبل حلول الأزمة الاقتصادية الراهنة.

وأشار السوسي إلى أنه في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها أبناء الشعب ومشكلة عدم انتظام الرواتب لكافة المواطنين، زادت نسبة قضايا الشيكات المرجعة بشكل واضح وتصاعدي، ففي العام 2018 وصل النيابة ما يقارب 9260 قضية شيكات منظورة في النيابة العامة، وفي العام2017 كان العدد 8840 قضية، وفي حين بلغ عدد قضايا الشيكات المرجعة 5560 قضية في العام 2016، مما يظهر بشكل واضح ارتفاع ملحوظ في عدد الشيكات المرجعة الواردة للنيابة العام.

وأضاف السوسي ان قيمة الشيكات المرجعة في القضايا الواردة للنيابة العامة بعملة الشيقل عام 2018 بلغت حوالي 49 مليون شيقل، وفي العام 2017 بلغت قيمتها 65 مليون شيقل، وفي العام 2016 كانت قيمتها 31 مليون شيقل، وبلغت قيمتها بعملة الدولار 5 مليون دولار تقريبا في العام 2018، وفي عام 2017 بلغت قيمتها 7 مليون دولار في حين كانت قيمتها حوالي 3.5 دولار في سنة 2016.

وذكر أن محافظة غزة باعتبارها مركز الثقل التجاري والاقتصادي سجلت زيادة ملحوظة في التسديد مقارنة بالمحافظات الأخرى، مشيراً إلى أن أصحاب الشركات ورجال الأعمال والتجار نجحوا بتسديد أموال تساوي قيمة الأموال في القضايا الواردة في العام 2018م كاملة بالإضافة إلى جزء من قيمة الأموال في القضايا المتراكمة في الأعوام 2017م – 2016م.

كما وذكر السوسي أنَّ اتباع النيابة العامة سياسة الإستئخارات المدروسة في قضايا الشيكات المرتجعة جاء في ظل تشديد الحصار المالي على قطاع غزة خلال السنتين الماضيتين، موضحاً أن النيابة في ظل هذه السياسة لا تقوم بتوقيف المتهم في قضايا الشيكات مباشرة، وإنما تعطي المشكو ضده صاحب الشيك المرجع مهل متتالية لسداد قيمة الشيكات تصل لمدة شهر بشكل مستمر أو متقطع، وله في هذه الحالة أن يراجع المشتكين وإجراء الحلول معهم واثبات الجدية.

وبين أنه لإثبات الجدية معايير منها سداد عدد من الشيكات، أو الاتفاق مع الدائنين على إعادة جدولة الشيكات، أو اتمام المخالصة في بعض الشيكات، وفي حال أثبت المشكو ضده الجدية لرئيس النيابة المختص أن يمنحه استئخار لمدة شهر أخر لإنهاء الشكاوى المقدمة ضده.

وأشار إلى أنه في حال لم يقم المدين بالحل خلال مدة شهر له أن يتقدم للنائب العام بطلب استئخار يتم دراسته وفق عدة معايير وظروف الدائن والمدين، والظروف المحيطة بالواقعة.

وأوضح السوسي أنَّ النيابة العامة تراعي خلال إجراءات تنفيذ سياسة الإستئخارات المعايير التفرقة بين المدين المعسر بسبب الظروف الاقتصادية العامة، وبين المحتالين وأصحاب السوابق الجنائية في القضايا المالية بحيث يستثنى الصف الثاني من هذه السياسة والإجراءات، كما أنَّ النيابة تراعي الموازنة حقوق الدائنين وظروف المدينين مع مراعاة عدم تأثير الإجراءات القانونية بحق المدين على الوضع الاقتصادي العام، مبيناً أن الحالات التي لا تلتزم بتلك السياسات وجدولة الديون الجديدة يتم تحريك دعوة ضدها للفصل فيها حسب الأصول القانونية المتبعة، والتي قد تصل إلى عقوبة السجن لمدة (3 سنوات) أو غرامة تصل حوالي 10 آلاف دينار اردني أو كلا العقوبتين، مع عدم اسقاط الحق المدني للدائن.

اسس قانونية

وأشار إلى أن سياسة الاستئخار القانوني ترتكز إلى أسس قانونية واضحة، إذ منح القانون سلطة تقديريه للنيابة العامة في اجراء التوقيف الاحتياطي لغايات التحقيق والحفاظ على أدلة الجريمة وتلجأ إليه عادة في حالة ثبوت التهمة بقصد الضغط القانوني على المتهم لإداء الإلتزام المدني المستحق في ذمته لدائنه المشتكي، مبيناً أن النيابة العامة تعمد على استئخار هذا الإجراء بما لدى عضو النيابة العامة من صلاحيات قانونيته لإعطاء المدين (صاحب الشيك) فرصة لإبداء جديته في السداد، لافتاً أن للنيابة العامة اثبات الصلح الجزائي بين المتهم والمجني عليه ويترتب عليه انقضاء الدعوة الجزائية وحفظها استناداً لقانون الصلح الجزائي لسنة 2017م ويكون الانقضاء وجوباً في قضايا الشيكات استناداً لقانون التجارة لسنة 2014م.

في السياق، أشار وكيل النائب العام إلى أن النيابة العامة حريصة كل الحرص على اسناد ودعم التجار ورجال الأعمال والمقاولين وأصحاب المهن الذين اجبرتهم الظروف ارجاع شيكاتهم، ولذلك عززت النيابة التواصل مع مؤسسات القطاع الخاص، وتحيل لهم بعض النزاعات بين أعضاء الجمعيات لمحاول التوفيق بينهم والوصول إلى حلول مرضية دون ضغط أو إكراه.

 ونبه إلى النيابة تجاوبت مع تلك المؤسسات بشكل إيجابي بإبداء الحلول في العديد من القضايا المحالة لهم، في ظل حرص النيابة العامة على تطبيق القانون وعدم الاخلال بالإجراءات مع منح المواطن هامش من الوقت.

ويعتبر إصدار شيك بدون رصيد جنحة طبقاً لأحكام القانون الفلسطيني ويعاقب عليه بالحبس حتى ثلاث سنوات وبغرامة تصل إلى عشرة آلاف دينار أردني أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفقاً لنص المادة 566 من قانون التجارة رقم 2 لسنة 2014م ، ولا يفقد حامل الشيك حقه بقيمة الشيك بانتهاء الدعوى الجزائية، إذ يحق له تحصيله مدنيا باعتباره أحد الأوراق التجارية.

وذكر أن النيابة العامة تعمد بشكل دوري إلى تقييم سياسة الإستئخارات المدروسة والمجدولة لتطويرها في سبيل اسناد الاقتصاد الوطني الفلسطيني في قطاع غزة، الأمر الذي من شأنه أن يحافظ على السلم والامن المجتمعيين، لافتاً إلى ان تلك السياسة وليدة الأزمات المالية والاقتصادية في قطاع غزة ولها علاقة قوية في الاهتزازات المالية والاقتصادية والسوقية وتتغير وتتبدل حسب الواقع الاقتصادي.

وذكر أن النيابة التي تتعامل من منطلق إدارة الأزمات بشكل يتماشى مع الازمات والحفاظ على الأمن والسلم المجتمعيين إلى جانب الحفاظ على الدورة الاقتصادية والمالية في غزة استطاعت أن تحقق انجازات كبيرة على صعيد استقرار الوضع الاقتصادي والمالي في قطاع غزة، مشيراً إلى أنَّ لو أن النيابة العامة طبقت القانون بنصه بعيداً عن السلطات التقديرية لحدث انهيارات اقتصادية ومالية وسوقية كبيرة، قد تؤثر على السلم والأمن المجتمعيين، فإذا ما تم حبس كل التجار، ورجال الأعمال، واصحاب المصالح الاقتصادية فمن سيدير الدورة المالية والاقتصادية في قطاع غزة؟!.

وفي كلمة وجهها إلى أصحاب المديونيات المالية، أن يتوجهوا إلى النيابة العامة لعمل استئخارات مدروسة واعادة جدولة مديونيتهم، وأن يلتزموا بالسداد في المقابل سيتمكنون من إدارة مصالحهم التجارية والاقتصادية دون عناء، وبطريقة لا تدخلهم السجن.

كما، ووجه كلمة إلى الدائنين قائلاً: صحيح أن قطاع غزة يمر بظروف اقتصادية صعبة للغابة، وان النيابة العامة تعطي مدد ومهل قانونية لأصحاب الشيكات المرتجعة وجرائم الأموال لكن هذا الأمر لا يعني مطلقاً التهاون في حقوق الدائنين، فحقوقهم محفوظ ومكفولة، مشدداً على أن النيابة العامة استحدثت هذه السياسة ومأسستها لانتزاع الحقوق لأصحابها.

 

كلمات دلالية