جذر الازمة - معاريف

الساعة 01:17 م|13 مايو 2019

فلسطين اليوم

بقلم: مناحم بن

جذر الحصار والازمة مع غزة هو تبني نهج عائلة غولدن الثكلى لتعذيب غزة الى ان تقول حماس "ربنا الله" وتعيد جثماني هدار غولدن واورن شاؤول. ولكن هذا لن يحصل. فالحصار على غزة ليس السبيل لاعادة جثماني الشهيدين والمحبوسين (لا الاسيرين!)، مخلولي النفس مثلما قيل، واللذين اجتازا الحدود بارادتهما (وعليه فلسنا ملزمين لهما بشيء)، بينهما ابراهام منغيستو وهشام شعبان السيد. وهكذا فان اسرائيل تصر على عدالة موقفها المزعوم: سنواصل تعذيب غزة بالحصار الى أن تعيد "الاسرى والمفقودين". أوليس هذا هو مفهوم البروفيسور غولدن. وتماما مثلما كانت اسرائيل اسيرة في حينه في مفهوم عائلة شاليط، الى أن استسلمت وعقدت صفقة شاليط الرهيبة، اكثر من الف مخرب قاتل مقابل جندي اسرائيلي اسير واحد، لحظة الاهانة الاخطر في عهد حكم نتنياهو، الان ايضا تستسلم اسرائيل لمفهوم آخر، وهذه المرة ايضا انطلاقا من الاستسلام لعائلات يتعاطى الجميع معها باحترام مطلق، لان ابنها يوجد في يد حماس، حتى وان كان هذه المرة ليس جنديا حيا، بل شهداء ابطال. ولا تزال اسرائيل تتصرف بعمى مطلق، وتصر على حجز غزة في حصار لا يطاق الى أن تعيد ابنيها الميتين، وحتى ذلك الحين لن توافق اسرائيل الا على بادرات طيبة دنيا (مال قطري، توسيع مساحة الصيد)، ولكنها لن ترفع الحصار. فمثل هذا الرفع، برأي رئيس الحكومة والمعارضة، لن يتاح الا بعد أن يعاد الشهداء.

وفي هذه الاثناء، فان الجنوب كله واسرائيل كلها يوجدان امام غزة وحماس في داخل وضع حربي، يصعد ويهط، ويتواصل منذ اكثر من سنة. وباستثناء الحرب الجبهوية مع حماس واجتياح غزة (والذي هو ربما الامكانية الوحيدة المتبقية في الوضع الحالي)، لا تنجح اسرائيل في وقف النار حقا. هذه ستتوقف حقا، للمدى البعيد، فقط عندما يكون للغزيين ولحماس حقا ما يخسروه. بمعنى، فقط عندما يتوقف حقا الحصار على غزة. وعليه، فاذا ما بدأنا من النهاية، فان اسرائيل ملزمة بالتوصل الى تسوية فورية وسخية مع غزة دون صلة بمسألة الشهداء والمحبوسين.

ان الحالة المؤثرة الاخيرة بالذات، والتي اعيدت فيها عظام الشهيد العزيز زكريا باومل، بعد 37 سنة من غيابه في معركة السلطات يعقوب، تثبت بانه ليس ملحا اعادة الشهداء، حتى وان كان الوضع في حالة زكريا باومل وباقي مفقودي سوريا من اساسه اخطر بكثير، لانه لم يكن أي برهان على موتهم، واعادة العظام جاءت ضمن امور اخرى لحل لغز تغيبهم. وعلى حد قول البروفيسور سمحا غولدن، بالمقابل، يعرف الجيش الاسرائيلي بالضبط اين يوجد الشهداء في غزة. بمعنى، ان آلام عدم المعرفة اعفيت منها العائلات. وبالتالي ما هو المبرر للصراخ مثلما يصرخ البروفيسور غولدن بانه "لن نوافق على الانتظار لـ 37 سنة". ما الملح جدا هنا؟

نعم، هام ومقدس جلب الشهداء لقبر اسرائيل، ولكن لماذا لا ننتظر بصبر صفقة مستقبلية تسمح بذلك؟ هل كان احد ما يتصور أن تكون اسرائيل مطالبة بان تواصل الحرب مع سوريا الى ان تعاد جثة زكريا باومل او على سبيل الاختلاف، الجاسوس البطل ايلي كوهن، الذي اعدم في سوريا في 1965، ومنذئذ وقعت اسرائيل عدة مرات على اتفاقات مع سوريا دون ان تعاد جثته؟ وهكذا حتى اليوم.

ان البروفيسور غولدن العزيز علينا جميعنا هو ايضا رجل متدين. وعليه فلعله مسموح ان يذكره بان جثمان يوسف المحنط كان موضوعا في مصر الفرعونية نحو 300 سنة، قبل ان يجلبه سيدنا موسى الى بلاد اسرائيل وفقا لوصية يوسف، وبالتالي فان جثامين الشهداء من الجرف الصامد يمكنها ايضا ان تنتظر. ومحظور ان يكون الاصرار على اعادتها الفوري يسقط شعرة من رأس جندي حي ما. ولكن في هذه الاثناء فان هذا الاصرار كلفنا ثمنا بقتلى وجرحى اسرائيليين في حرب مستمرة وعديمة الجدوى مع حماس.

كان من الافضل بالطبع لو كانت اسرائيل تصفي نهائيا والى الابد قوة نار حماس وكل صواريخها، ولكن اذا لم تكن اسرائيل بقادرة على ان تقرر ذلك، فانها ملزمة على الاقل بان تسمح لنفسها ولسكان غزة بالعيش، دون التعلق بابطالنا القتلى.