خبر « زلزال غزة » تدميرٌ للحياة ومعالمها.. وشهادة عزٍ يسطرها الفلسطينيون بصمودهم

الساعة 04:51 م|24 يناير 2009

غزة ـ الانتقاد اللبنانية

"زلزال لا أقل" هذا هو التوصيف الأكثر دقة لما أحدثته آلة الحرب الصهيونية في قطاع غزة على مدار ثلاثة أسابيع من دمار وخراب طال الحجر والشجر؛ لكنه لم ينل من ثقة البشر بنصر الله ووعده؛ برغم ما أصابهم من ويلات سلبتهم صحبة أعزائهم من أبناء وأخوة وزوجات.

"الانتقاد" حاولت الوقوف على جانب من بعض ما أتى عليه الزلزال الصهيوني في مختلف مناطق القطاع عبر جولة ميدانية قمنا فيها على بعض الأماكن المترامية الأطراف.

ألبوم صور

"عزبة عبد ربه" إحدى البلدات الواقعة إلى الشرق من بلدة جباليا شمال القطاع، كانت أحد الشواهد على "جيش التتار" في هذا العصر، فلا طرق ظلت على حالها، ولا منازل بقيت في أماكنها ولا مساجد.

يقول الحاج "أبو يوسف البطش" (70 عاماً): "مش عارف كيف أوصف اللي شفناه في الأيام الماضية، هذا جيش مجرم".

ويضيف أبو يوسف أنه وأفراد أسرته الـ50 برغم ما عاشوا من أيام وليال مظلمة لا تضيء فيها سوى القنابل الفسفورية التي تساقطت على ما تبقى من منازل جيرانه وأقاربه، ولا يسمع فيها سوى صوت أطنان القنابل التي تسقطها الطائرات الحربية الصهيونية على الأحياء القريبة منها.

وليس بعيداً استقبلتنا السيدة أم محمد بالقول: "الحمد لله.. على هذه الحال، وكل حال، شو بدنا نعمل، ربنا يعيننا على تعمير اللي دمره المجرمون، وإذا ما قدرنا راح نسكن على أنقاض منازلنا".

وتروي لنا أم محمد كيف خرجت هي وأفراد أسرتها الـ20 من المنزل قبل أن تحيله الجرافات الصهيونية أثراً بعد عين: "كنا قاعدين في البيت والقصف من حوالينا زي المطر، حملت طفلتي مريم ومسكت أخوها حسين والباقي كانوا مع أبوهم وأعمامهم نزلنا من الدور الثاني للأرضي، لكن لما سقطت القذائف على البيت قررنا نهرب لأنه الفسفور حرق البيت والنار اشتعلت، ظلينا نتسحب حتى وصلنا الناحية الثانية من البيت وبعد هيك لاقينا نفسنا بنجري لما وصلنا منطقة المحكمة على الطريق الرئيسي".

وفي شمال القطاع أيضاً، ولكن هذه المرة وصلنا بلدة العطاطرة غرب بيت لاهيا حيث لا طرق باقية، ولا معالم لمنازل، أو حتى أراض، وأناس يتجادلون فيما بينهم حول أماكن بيوتهم أين هي؟.

تحدثنا إلى الحاج فريد العطار وسألناه عن بيته فقال: "بصراحة مش عارف المنطقة شبه بعضها، وما في آثار نهائياً".

وبرغم الصدمة التي خيمت على جموع المواطنين في هذه المنطقة الصغيرة بمساحتها والكبيرة بصمود أهلها، وبكل رباطة جأش قال لنا الحاج فريد: "راح أبني البيت من جديد وهم يهدموه حتى أموت فيه، مش راح أتركه لا أنا ولا أولادي هيك بدهم يفهموا اليهود".

باقون

الشاب خالد انشغل هو الآخر بالبحث عن معالم لبيتهم المدمر؛ لكنه لم يفلح في ذلك؛ فاكتفى بالقول: "هذا نصيبنا، وقدرنا الحمد لله راح نظل صامدين، وربنا يعوض علينا".

الحال لم يختلف كثيراً في قرية المغراقة وسط القطاع من حيث الدمار والتخريب، التقينا هناك بالشقيقين فادي وشادي علوان حيث كان لهما حكاية من نوع آخر، فالاثنان كانا عازمين على الزواج خلال الأيام المقبلة؛ لكن آلة الحرب الصهيونية حالت دون ذلك بعد أن دمرت منزلي عروسيهما في عزبة عبد ربه.

وفي بلدة خزاعة إلى الشرق من خانيونس جنوب القطاع، مشاهد التدمير غطت على كل شيء حيث أفرغت القنابل الفسفورية سكان حي "النجار" من منازلهم قبل أن تحرقها، ليس هذا فحسب فالصواريخ الصهيونية مزقت أشلاء أقاربهم على مرأى أعينهم دون أن يستطيعوا تقديم أي مساعدة لهم.

يقول هيثم النجار شاب في الثلاثينيات من العمر، وهو متزوج وله 3 أطفال في عمر الزهور: "دمروا بيتي الذي قضيت سنوات طويلة كي أبنيه، بعد أن حرقوا أحلام أطفالي باللهو مجدداً على الحشائش الخضراء في حديقة المنزل".

وليس بعيداً عن خزاعة، وصلنا منطقة "الفخاري" في جنوب شرق خانيونس حيث طالتها قنابل الموت الصهيونية، وغيرت معالمها جرافات الحقد وآليات الاحتلال خلال ثلاثة أيام من التوغل البري.

أبو أبسل شراب الذي فقد اثنين من أبنائه (أحدهما مهندس، والثاني طالب جامعي) أمام عينيه: "لا أستطيع أن أصف الساعات التي عشناها، كيف لك أن تتصور أبا ولداه ينزفان أمام عينيه ولا يستطيع أن يفعل شيئا لهما، هل هناك أكثر من ذلك إجرام؟".

ولأن من يقرأ أو يسمع ليس كمن يرى؛ فإن هذا الوصف البسيط لما جرى في غزة على مدار 22 يوماً قد لا يضيف جديداً بشأن الصورة الصهيونية المجرمة في أذهان الملايين، ولكنه بلا شك يضيف كل شيء على صعيد رباطة الجأش والصمود الأسطوري الذي يبديه الغزيون برغم سيل الدماء، وممتلكاتهم التي تحولت إلى أكوام من الركام في طرفة عين.