خبر الأطباء العرب قاوموا المحرقة برداء أبيض

الساعة 10:36 م|22 يناير 2009

انتفضوا لوقف شلال الدم النازف 

الأطباء العرب قاوموا المحرقة برداء أبيض

فلسطين اليوم - وكالات

لم يشأ عدد من الأطباء العرب أن يكتفوا بنصرة غزة عن بعد، وقرروا خوض المغامرة على ما تحمله من مخاطر جمة. حضروا إلى غزة تطوعاً، للمساهمة في وقف شلال الدم النازف، وتخفيف العبء عن الطبيب الفلسطيني، الذي اصطدم بعقبات ضعف الإمكانات وبشاعة الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال خلال 22 يوماً من الحرب “الإسرائيلية” ضد غزة، فاختزن كل منهم ذكريات ومشاهد ستبقى حاضرة في أذهانهم لسنوات وسنوات.

وقال البروفيسور محمد الأمين محمد استشاري جراحة قلب ورئيس وفد الأطباء السوداني في غزة إن الدافع للتطوع في غزة هو الحاجة للمشاركة في هذه الحرب فعلياً، ويضيف: “اعتدت التطوع وكثير من الأطباء السودانيين في مثل هذه الأحداث، ولكن هذه المرة كانت مختلفة فقد كان الدخول إلى غزة مستحيلا وحجم الدمار لم يكن متوقعاً على الرغم من تطوعنا في حروب كثيرة آخرها حرب لبنان”. وأضاف: “كان الوصول إلى غزة صعباً ولكننا وصلنا إلى هنا بعد سلوكنا كل السبل بدعم من المنظمات العربية والدولية للتنسيق لدخولنا فالأماني وحدها لا تنفع، وعلى الرغم من معرفتنا أن الفلسطيني نفسه لا يستطيع الدخول أو الخروج من القطاع فكيف نحن كأطباء نريد الدخول في وقت الحرب، وأكدت السلطات المصرية أن الأمر شبه مستحيل في ظل هذه الظروف الأمنية الخطرة فاجتمعنا مع محافظ شمال سيناء المصرية وفي النهاية تم ترتيب الأمر وعدنا بطائرة خاصة من الخرطوم إلى العريش ثم وصلنا إلى غزة”.

وبسبب لجوء قوات الاحتلال إلى محاصرة غزة وفصلها عن محافظة وسط القطاع وجنوبه، باشر الوفد الطبي السوداني في تقديم الخدمة الطبية للجرحى والمصابين في مستشفى شهداء الأقصى، وهو مستشفى صغير في مدينة دير البلح، وبعد ثلاثة أيام تم التنسيق وتمكنا من الوصول إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة، التي شهدت أبشع الجرائم بحق المدنيين.

ويصف د. الأمين تجربة العمل في قطاع غزة بأنها مختلفة، وقال: “كان العمل في ظل القصف المتواصل وعدم وجود أي احترام للمساجد أو المدارس أو المستشفيات وحتى مقار المنظمات الدولية فلا يوجد مكان آمن، ومن الغريب أنه في أي حرب يعتبر المستشفى مكانا آمنا إلا في غزة فقد كانت مستهدفة أيضا وكان الخطر يحدق بنا من كل الجهات”.

وعن أصعب الحالات التي عالجها في غزة وتركت أثراً في نفسه، يقول: “من الحالات الصعبة التي عالجتها الطفلة جميلة وتبلغ من العمر حوالي تسع سنوات والتي أصيبت بحروق وشظايا في الرأس والصدر وكانت عمليتها خطرة جداً وكانت تعاني من حروق وشظايا غريبة في جسدها لم أرها من قبل على الرغم من عملي في مناطق حربية كثيرة، فقد كانت هذه الشظايا غير معدنية ولم تخمد حتى أثناء إجراء العملية واستمرت في حرق جسدها وعملت على تهتك عظامها، وحتى إن الطبيب المخدر أصيب بالحروق خلال العملية وأنا أصبت بتغيرات جلدية غريبة”.

الدكتور أحمد يوسف زيتون أحد أعضاء الوفد الطبي السوري، يرى أن من أصعب المشاهد التي ستبقى حاضرة في ذهنه، الأطفال والفتيات فالعديد منهم بترت أطرافهم وأصيبوا بتشوهات وكلها زادت من حزنه ودافعه لمواصلة العمل في هذا القطاع المنكوب.

ويقول: “دافعي للتطوع نصرة أهل غزة بالدرجة الأولى بعد ما شاهدناه من مذابح لسكان القطاع، وكان نداء الواجب المهني يدفعني لممارسة وظيفتي في خدمة المصابين في غزة”.

ويضيف: “لم أتخيل الوضع هنا أبدا، فهو صعب جدا وكارثي وجريمة ضد الإنسانية، لا يجب غفرانها ل”إسرائيل””.

ووسط ما شاهد من حالات مؤلمة ومعاناة في غزة على مدار ثلاثة أسابيع، يبتسم الدكتور زيتون ويقول: “جئنا إلى غزة الحبيبة لنقدم ما نستطيع من مؤازرة ولكن الغريب أننا أخذنا منهم الدعم النفسي والمعنويات العالية رغم الحرب وأنا مبهور بهذا الشعب الذي استطاع أن يتمالك أعصابه ويحقق النصر النفسي بصبره”.

وحول ما سيحمله معه من ذكريات من غزة إلى بلده سوريا: “حملت من غزة شعور الثبات والتمسك بالأرض وسأجوب بمشاعري هذه العديد من الدول للتحدث عن غزة وحتى إنني حملت تراباً من أرض غزة إلى سوريا”، وألخص تجربتي بقول القرآن الكريم: “وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”.

كل من حضر إلى غزة حمل منها من الذكريات والآلام والمشاعر ما يفيض به قلبه وينتظر البوح به إلى كل من يلقاه خارج هذا القطاع المكلوم، ويقول الطبيب الجراح الأردني عمار صبيحي: “حملت من غزة صورا كثيرة لكل ما رأيت في ذاكرتي وما شاهدته لن يكون حكرا علي بل سيكون للأردن والدول الأخرى ليعلموا أن ما حدث في غزة حرب بمعنى الكلمة وان شعبها ظلم كثيرا فما وجدته هنا كان بشعا جدا ودمارا كبيرا لم أتوقع مشاهدته على الرغم من أن ما دفعني للتطوع في غزة هو ما رأيت على شاشات التلفاز ولم أتردد ثانية في القدوم إلى هنا ولكن الواقع الذي وجدته كان مختلفا جدا”.

ويتفق الدكتور محمد سالم رئيس بعثة أوروبا من تجمع الأطباء الفلسطينيين أن الواقع في غزة خلال الحرب مختلف جدا عمّا يشاهده الملايين من خلال شاشات التلفاز، وأن ما حدث من دمار للاماكن العامة والممتلكات جريمة حرب يجب عدم تجاهلها من دون محاسبة وعقاب مجرمي الحرب الذين ارتكبوها ضد المدنيين.

ويقول: “كانت الرغبة في المساعدة على تخفيف العبء عن الأطباء الفلسطينيين فقد قاموا بواجبهم طول فترة الحرب دون راحة والرغبة في إنقاذ أرواح شعبنا في غزة”، ويضيف: “تجربة التطوع هنا فريدة من نوعها فمعظمنا يملك تجربة طويلة في مجال العمل الطبي ولكن للمرة الأولى في مثل هذه الأوضاع المأساوية ولم نجد ما يعبر عن هذه التجربة أكثر مما رأيناه من ألم، فالأطفال أكثر من أثروا فينا وخاصة من عانوا وجرحوا وفقدوا عائلاتهم أمام أعينهم وكنا نستمع لهم ولرواياتهم يومياً وقد دعانا هذا الأمر إلى الرغبة في اخذ مجموعة من هؤلاء الأطفال للخضوع للعلاج النفسي والصحي في أوروبا”، ويضيف: “ما حملته من تجربة غزة هو شعور الصمود والثبات يجعلني افتخر به كطبيب فلسطيني”.

شعور الفخر بهذه التجربة في التطوع لعلاج ضحايا الحرب في قطاع غزة كان مشتركا بين جميع الوفود الطبية التي قدمت إليه، وجميعهم سيعود إل بلاده وعمله حاملاً معه ذكريات من غزة، ربما لن يشاهد مثلها لسنوات.