خبر مجرمو إسرائيل في حماية التلاسن الفلسطيني الداخلي

الساعة 10:30 م|22 يناير 2009

 

خالد البرديسي

حذر خبير في القانون الدولي من ضياع فرصة محاكمة القادة الإسرائيليين على ارتكابهم جرائم الحرب والإبادة على مدار 22 يوما في غزة نتيجة توجه القوى السياسية الفلسطينية للدخول في صراع داخلي صاخب يصرف نظر العالم عن مجازر غزة.

فبعد وقف إطلاق النار في غزة في 18 يناير الجاري، عادت لغة التلاسن بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) المسيطرة على القطاع، وحركة التحرير الوطني (فتح)؛ حيث اتهم موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس شخصيات سابقة في السلطة الفلسطينية بالتعاون مع إسرائيل خلال العدوان.

 

 وقال: "لم يكن الطابور الخامس كامنا، كان ناشطا خلال فترة الحرب نشاطا غير عادي داخل غزة، منهم من أرسل قبلات لطائرات العدوان، ومنهم من قام بأعمال مشاركة في الحرب إلى جانب العدو الصهيوني؛ بتوفير المعلومات للعدو، ومنهم من اقتصر دوره على الترحيب وتوزيع الحلوى".

 

وتابع: إن وزير الداخلية في الحكومة المقالة الشهيد سعيد صيام "كان أحد ضحايا هؤلاء العملاء"، إلا أنه تعهد بمعاقبة المتورطين في استشهاد صيام، وقال: "على كل حال لن يمر الأمر مرورا عابرا، سيتم كشف هذه الفئة من العملاء التي استهدفت هذا البطل، وسيحاسبون ويعاقبون".

 

وأشار أبو مرزوق إلى إعدام بعض من تعاونوا مع إسرائيل خلال الحرب، واعتقال البعض الآخر، إلى جانب اعتقال بعض مرتكبي الجرائم الكبيرة كالقتل، وقال: "تم التعامل مع عشرات العملاء، بعضهم أعدم، وبعضهم معتقل، جرت الكثير من الأمور في قطاع غزة خلال المعركة".

 

وفي المقابل، اتهم ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حركة حماس باستهداف عناصر حركة فتح بالضفة، وباستباحة دمائهم، والسيطرة على شاحنات الإغاثة، وقال، "يا قادة حماس لا تلوثوا سلاح المقاومة".

 

وقال بمؤتمر صحفي ظهر اليوم الخميس برام الله: "لقد تم إطلاق الرصاص على عشرات من كوادر فتح أمس.. هذا يذكرنا بمذبحة علي الكيماوي الذي قتل العراقيين.. فيا رجال حماس لا تلطخوا اسم المقاومة.. لا تلطخوا شرف السلاح، ولا تهينوا السلاح الآخر الذي حمله أبطال فتح والشعبية وكل الفصائل بغزة".

 

واتهم عبد ربه حركة حماس باستباحة دم عناصر حركة فتح، واستباحة دماء كل من يخالف سياستها، قائلا: "إن كل من ينتقد سياسة حماس خائن وعميل ويستحل دمه، أهذا هو نظام الإسلام الموعود، أم الافتراء الدموي على الإسلام، والإسلام برئ من هذه الجرائم؟!".

 

تفويت فرصة تاريخية

 

وفي تعليقه على هذه الاتهامات المتبادلة، قال الدكتور سعد جبار خبير القانون الدولي في المعهد الملكي البريطاني للشئون الدولية في تصريح خاص لـ"إسلام أون لاين.نت": إن "عودة السجالات والمناكفات السياسية للساحة الفلسطينية بالشكل الذي ظهر بعد الحرب يضيع على الفلسطينيين والعرب فرصة تاريخية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين".

 

وأضاف: "غزة كسبت تعاطف قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، لكن تبادل الاتهامات حول إعدام مواطنين في غزة سيقلل من هذا التعاطف.. وسيتجه الجميع للحديث عن هذه السجالات السياسية الفارغة".

 

وخلف العدوان الأخير على غزة نحو 1330 شهيدا، من بينهم 437 طفلا و110 من النساء و123 مسنا و14 مسعفا، إضافة إلى أربعة صحفيين، بالإضافة إلى 5450 مواطنا أصيبوا، لا يزال 200 منهم في حالة خطرة، ومن بين الجرحى 1890 طفلا، بحسب وزارة الصحة في الحكومة الفلسطينية المقالة.

 

وحشد الكثير من المنظمات الدولية الأدلة القانونية الكافية لملاحقة قادة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة خلال العدوان الذي استمر 23 يوما، واستخدم فيه جيش الاحتلال أسلحة محرمة دولية مثل قنابل الفسفور الأبيض، وقذائف جديدة تدعى "دايم" تحتوي على مواد مشعة.

 

ويرى خبراء القانون أن كافة الأدلة متوفرة لمحاكمة هؤلاء القادة أمام محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي، وهو الأمر الذي يأخذه الساسة في تل أبيب على محمل الجد؛ حيث سربت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنباء كشفت عن تردد وزيرة الخارجية الإسرائيلية في السفر إلى بلجيكا؛ خشية توقيفها هناك.

 

ودعا جبار كافة الفصائل الفلسطينية إلى "الكف عن التلاسن والسجال، والتعاون الحثيث في توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في غزة".

 

وقال الخبير في القانون الدولي: إن "إسرائيل ستعمل جاهدة على استغلال هذا السجال الفلسطيني الداخلي لتخفيف الانتقادات العالمية الموجهة ضدها على خلفية قصف المدنيين في القطاع بأسلحة فتاكة، وستسخر الآلة الإعلامية الصهيونية في العالم كله لتقول إن حماس نفسها تمارس القتل بحق المدنيين الفلسطينيين المختلفين معها، وبالتالي يجب أن يحاسب قادتها على ذلك".

 

وتابع الخبير القانوني بالقول: "رغم ضعف هذا المنطق الإسرائيلي في عرف القانون الدولي الذي لا يعتبر توقيع عقوبة على من يثبت خيانته لوطنه جريمة، إلا أن تل أبيب لن تفوت هذه الفرصة في تخفيف سخط الرأي العام العالمي ضدها بعد قصف المدارس والأحياء السكنية في قطاع غزة".

 

درس لبنان

 

ودعا الدكتور سعد جبار إلى الاستفادة من درس لبنان، وعدم تكرار ما وقعت فيه الأطراف اللبنانية عقب حرب 2006، قائلا: "الصراعات السياسية الداخلية التي اندلعت في لبنان بعد حرب يوليو 2006 بين المعارضة والموالاة فوتت فرصة محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين على استهدافهم للمدنيين والبنية التحتية اللبنانية في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية؛ حيث انشغل العالم بالصراع الداخلي ونسي موضوع جرائم الحرب الإسرائيلية"، على حد رأيه.

 

وخلفت الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان في حرب 2006 نحو 1200 شهيد، وأكثر من 4400 جريح، ودمارا هائلا في الأبنية السكنية والبنى التحتية (78 جسرا)، والقطاعات الاقتصادية المختلفة، كما أدت إلى نزوح نحو ربع سكان البلاد من أماكن سكنهم في اتجاه المناطق المفترض أنها أكثر أمنا.