خبر الوفاق العربي أولى بركات المقاومة ..د.مصطفى اللداوي

الساعة 07:32 م|22 يناير 2009

المقاومة مباركة ، وهي مصدر كل عزةٍ وكرامة ، وعنوان تحدي ومواجهة ، وهي تفيض بخيراتها في كل مكان ، وعلى كل أبناء الأمة ، وتطال بخيرها كل من يستظل تحتها ، ويحمل لواءها ، ويؤمن بها ، ويسعى لها ، ويقدم العون والإسناد لها ، وكثيرةٌ هي الثمار الطيبة للمقاومة ، وستكشف عنها الأيام القادمة في تتابعٍ وتتالي مشرف ، ولن تكون ثمار المقاومة فلسطينية فحسب ، بل ستعم مختلف قطاعات الأمة العربية والإسلامية ، وسيفرح لها وبها مناصروا قضايا الشعوب الحرة ، ومؤيدوا القضية الفلسطينية من أحرار العالم ، فالنصر الذي تحقق بفعل الصمود والتحدي والإرادة سيفيض خيره ، وسيعم فضله ، وسيرضي المقاومين كما المواطنين ، وسيثلج الصدور ، ويشفي القلوب ، فبينما كانت الفرحة الغامرة تظهر على وجوه أبناء غزة ، رغم من فقدوا من الأحبة والأبناء ، ورغم الخسائر الفادحة التي أصابت بيوتهم ومزارعهم ومنشآتهم ، وهم يخرجون من ملاجئهم البسيطة ، وحصونهم الضعيفة ، وبيوتهم المدمرة ، إلا أن الأخبار التي كانت تردهم من القمة العربية الاقتصادية المنعقدة في الكويت قد خففت من آلامهم ، وأنستهم – ولو لساعات - مرارة الفقد وأسى الحرمان ، فقد أحال النصر في غزة القمة العربية من عنوانها الاقتصادي إلى العنوان السياسي الأبرز ، غزة الصمود والمقاومة ، فكانت كلمات قادة الدول العربية بعيدةً كل البعد عن عنوان القمة ، فتناولت نتائج صمود غزة ، والنصر الذي حققه أبناؤها نتيجة صبرهم ومقاومتهم وصمودهم ، فبينما كان المراقبون المناؤون لخيار الأمة ينتظرون اصطفافاً عربياً متبايناً ، وتمايزاً بين معسكرين عربيين ، أحدهما معسكر الإعتدال ، والآخر معسكر الصمود والممانعة ، خاصةً بعد قمة الدوحة التي جمعت قادة دول " الممانعة " التي تدعم المقاومة ، وتحرص على تحصينها وتمكينها ، بالإضافة إلى مشاركة إيران المعروفة بمواقفها المتشددة والداعمة للقوى الفلسطينية المقاومة ، فجاءت الخطابات تبارك النصر وتتبناه ، وتتعامل مع معطياته ونتائجه ، وفوجئ المتربصون والمراقبون أن اللهجات قد تغيرت ، وأن التربص والتحفز الذي سبق القمة قد زال ، وأن المعركة المرتقبة بين المعسكرين قد انطفأ أوارها ، وخبت ألسنة لهبها ، فكان خطاب الملك عبد الله خادم الحرمين الشريفين منطلقاً لتصويب البوصلة العربية ، ومنبراً عالياً لتوجيه الخطاب العربي الرسمي ، وربما لم يكن الرئيس السوري بشار الأسد الذي شاب التوتر علاقة بلاده بالمملكة العربية السعودية قبل وبعد حرب تموز 2006 ، يعرف أن العاهل السعودي قد أعد خطاباً مخالفاً ، وتهيأ لمصالحةٍ مع الجميع ، وأن كلمته ستكون صافرة الانطلاق لمهرجان المصالحات العربية الرسمية وغير الرسمية ، لا مع بلاده فحسب ، وإنما مع كل الأطراف العربية .

والمواطن العربي الذي أعجبه إقدام الدوحة على الدعوة إلى قمة غزة ، وأعجبه مشاركة أكثر من نصف الدول العربية في قمة غزة ، كان يخشى من تكريس حالة الانقسام والخصومة والفرقة العربية – العربية ، ولكن غزة المنتصرة استطاعت أن توفق لقاء قادة قطر والسعودية ومصر معاً ، كما سوريا ومصر والسعودية من جانبٍ آخر ، ليسفيد العرب كلهم ، ولتنعكس أجواء المصالحة خيراً وبركة على فلسطين كلها ، وعلى لبنان الذي انتظر طويلاً هذه المصالحة ، والتي عجز نصره في صيف 2006 عن تحقيقه ، ولكن نصر غزة هو صنوٌ لنصر لبنان ، يستكمل مسيرة النصر ، ويتابع تراكمات وانجازات المقاومة ، فما عجز عنه نصر 2006 يحققه نصر 2009 ، ولا يسع المواطن العربي بعد قمة الكويت الإقتصادية إلا أن يتأمل خيراً من نتائج القمة ، وأن ينتظر ما هو أكثر من قادة الأمة ، مع التأكيد أن ما حدث ما كان ليكون لولا احساس العرب أنه قد أصبح بمقدورهم قهر إسرائيل ، ومنعها من تحقيق أهدافها ، والحيلولة دون خوضها في الأرض العربية وكأنها سكينٌ حاد تقطع جبنةً طرية ، فالأرض العربية قد أصبحت أرضاً عصية ، والمقاومون العرب أصبحوا جنوداً لا يقهرون ولا يتراجعون ولا يقبلون منطق الهزيمة والتراجع والاستسلام ، ولكن هل تكفي هذه المواقف العربية ، وهل ما تم من مصافحات وتلاقي على مائدة الغذاء هو كل شيء ، وهل تكفي هذه اللقاءات القيادية لتذويب كل أسباب الخلاف ، وتجاوز كل تراكمات الأيام ، وما قد زرعته السياسات الأمريكية من سدودٍ وحدودٍ بين الدول العربية ، وهل تنعكس المصالحات العربية – العربية على الجانب الفلسطيني ، ليشهد مصالحةً فلسطينية – فلسطينية ، ولكن على قاعدة المقاومة والتصدي والصمود ، وعلى قاعدة المصلحة الوطنية التي تتمسك وتحافظ على الحقوق والثوابت ، فتكون الدول العربية على مسافةٍ واحدة من كل الأطراف ، فلا تناصر طرفاً على آخر ، ولا تتنكب لنتائج ومخرجات معركة غزة ، كما لا تدير ظهرها لنتائج العملية الانتخابية الديمقراطية ، ولا تحاول فرض أجندات إسرائيلية وأمريكية على الشارع الفلسطيني ، فالفلسطينيون بأغلبهم قد أبدوا موقفهم ، وعبروا عن أراءهم ، فلا مكان لمصالحةٍ مع إسرائيل ، ولا يمكن لشعبٍ سوي أن ينسى جراحاته ، ولا أن يتجاوز ضحاياه ، وأن يقبل بتسويةٍ تفرض عليه بالقوة ، فيكره على أن يعطي إسرائيل ما عجزت عن تحقيقه بالقوة والآلة العسكرية الوحشية ، وأن يطلب منه التنازل عن حقه في وطنه ودولته وعودة أبناءه ، فعلى قادة الدول العربية الكبار ، الذين فاخروا بالمصافحة واللقاء ، أن يكونوا سنداً ودرعاً ودرءاً للمقاومة الفلسطينية ، وللشعب الفلسطيني في سبيل تحقيق أهدافه ، وتحصين حقوقه ، واستعادة أرضه ووطنه .

لا شك أن ما حدث يعتبر علامةً فارقة ، وخطوةً لها ما بعدها ، وهي آخر ما كانت تتوقعه إسرائيل أو تتمناه ، فقد كانت تأمل في حربها على غزة أن تمزق العرب أكثر ، وأن تحدث بينهم فرقةً أكبر ، وأن ترسخ مفهوم الاعتدال العربي في مواجهة التطرف والعنف والممانعة العربية ، ولكن حساباتها قد أخطأت ، وسهمها قد طاش ، فلم يصب أياً من أهدافه ، فقدكانت إسرائيل سعيدةٍ بخصومة السعودية ومصر مع سوريا ، وكانت تخشى من نتائج هذا التلاقي ، فمصر والسعودية وسوريا ومن قبل العراق يمثلون بشعوبهم وقدراتهم وتاريخهم وإرثهم القومي أهم عناصر الصمود والممانعة العربية ، وقد كان لهم دورٌ كبير وآخر منتظر ، ولا يمكن للأمة أن تستغني أو أو تنحي جانباً قدرات شعوب هذه البلاد ، وقد أحزن وأغاض إسرائيل وقادتها ما حدث في قمة الكويت ، وما يغيض العدو لا شك أنه يرضينا ، ويخدم أهدافنا ، فالمصافحة الإسرائيلية لبعض القادة العرب كانت مطلباً ومسعىً وحاجة إسرائيلية ، وهي بالضرورة شكلاً لا جوهراً ، فكيف الحال وقد أصبحت المصافحة العربية – العربية حقيقة ، شكلاً ومضموناً ، صورةً ومحتوى ، فإذا كان أيهود أولمرت يطمح في مصافحةٍ بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد في قمة الشراكة من أجل المتوسط التي عقدت في باريس 2008 ، واعتقد أن هذه المصافحة قد تنقذه من أزمته ، وقد تخرجه من ورطته ، فإن مصافحة العرب لبعضهم هي بالضرورة لطمة لإسرائيل وقادتها ، وسيكون لها دور في إبعاد ليفني وغيرها عن كرسي رئاسة الحكومة الإسرائيلية ، ولا يعنينا أن يكون البديل عنها أو عن غيرها بنيامين نتنياهو ، إذ لا فرق بينهم جميعاً ، فكلهم يجتمعون على الدم العربي ، وكلهم يغتصب الحق العربي ، وليس فيهم ولا بينهم معتدلٌ وآخر متطرف ، فهم في تطرفهم إزاء حقوقنا سواء .

مصافحةٌ ومصالحة تغيظ العدو ، وترضي الصديق ، وتثلج قلب المحب ، فهل نستطيع أن نراكم عليها ، وأن نبني على أساسها ، وقد تمكنت المقاومة في غزة ومن قبل في لبنان أن تضع الأسس الحقيقية للتلاقي والحوار ، وهي أسس متينة وقوية ، وقادرة على أن تحمل فوقها كل مشاريع الأمة وطموحاتها ، لتبني وطناً للأمة العربية عزيزاً منيعاً لا يخشى إسرائيل ، ولا يهاب سلاحها ، ولا يبالي ببطشها ، فإن أصحاب الحق أثبتوا صلابةً في الموقف ، وثباتاً في الميدان ، وقوةٌ وجلادة في الحرب .

أخيراً لست حالماً ولكني متفاؤل وطامحٌ لغدٍ أجمل وأنقى ، أدرك حجم الخلافات العربية وجذورها ، وأدرك دور الولايات المتحدة الأمريكية ومسعاها ، ولكني أراهن على خيارات الأمة ، وعلى حصانها الذي وإن كبا يوماً ، فإنه سينهض من جديد .