خبر الويل للمنتصرين/ هآرتس

الساعة 11:59 ص|22 يناير 2009

بقلم: ميرون بنبنستي

اراد محدثو عملية "الرصاص المصهور" ان يميزوها بتعريفين متناقضين: "رب البيت جن" ويرد بوحشية مجنونة، و "غضب مضبوط" ايضا اي عملية عقلانية ترمي الى الردع. ينبغي ان نضيف الى هذين التعريفين تعريفا اخر وهو انها رد غريزي مكرر من جماعة مهاجرين مغتصبة.

 

كتب ديفيد دي، وهو احد ابرز الباحثين في مسارات سيطرة مجتمعات المهاجرين على مجتمعات ابناء البلاد: "الرد الوحشي على كل علامة انتفاضة من قبل الشعوب من ابناء البلاد يرمي الى ان يسم وعي المحتلين والواقعين تحت الاحتلال بنطاق ومحدودية الاحتلال وعدم بقاء استمرار المقاومة، بالرغم من ان هذه الوحشية قد تقوض المطلب الاخلاقي للمجتمع المغتصب للسيطرة على المنطقة التي احتلها".

 

اجل توجد امثلة تاريخية كثيرة تبين كيف استعملوا مقاومة ابناء البلاد العنيفة لاغتصاب ارضهم لتسويغ رد عسكري غير متناسب، يرمي تحت غطاء "محاربة الارهاب" الى تحطيم معنوياتهم وسلب اراضيهم. تنبعث رائحة شديدة للعفن الاستعماري من العملية الغزية وعمليات مشابهة تمت في الماضي. استطاع قادة اوروبا الذين اتوا للزيارة في المدة الاخيرة ان يتقاسموا مع اولمرت ذكرى الاعمال الوحشية لشعوبهم، وسنذكر فقط ما قاموا به في القرن العشرين: بريطانيا في الهند وكينيا، وفرنسا في الجزائر، وايطاليا في اثيوبيا، وتركيا في ارمينيا، وتشيكيا في السوديت، والاسبان بابناء شعبهم، اما المانيا فلن نذكرها. جميعهم يخجلون من ماضيهم باستثناء الاسرائيلي الذي يفخر باعماله خاصة.

 

ان تجاهل التغير الجوهري للمعايير الدولية منذ العصر الاستعماري يبدو انه لا يؤثر في جدوى العملية الاسرائيلية الوحشية؛ لقد احدثت العملية نتائج مرادة للطرف القوي، ولهذا يستطيع الاسرائيليون الافتخار بانتصارهم وهم عمي عن اثاره الانسانية، وانهم يخرجون انفسهم من جملة جماعة الشعوب الحضارية التي يتبجحون بالانتماء اليها.

 

اسست العملية لوقت طويل للسلطة الاسرائيلية المباشرة وغير المباشرة في كل انحاء ارض اسرائيل/فلسطين، تلقى الفلسطينيون ضربة شديدة جدا الى درجة ان رئيس مصر يدعو الى حساب الربح والخسارة الذي يجب على مؤيدي المقاومة الفلسطينية اجراؤه. الفصل بين الضفة والقطاع اصبح الان حقيقة تامة، ووجد تعبيرا عنه بعدم مبالاة سكان الضفة بمأساة غزة. ان رد السلطة الفلسطينية الخانع على القتل الجماعي لابناء شعبها اوقع بالحركة القومية الفلسطينية ضربة شديدة؛ وقد اسست حكومة حماس لمكانتها في غزة بدماء مئات المواطنين؛ وبرهنت مصر والاردن على انهما تفضلان المصالح السياسة على التعاطف العرقي؛ وتظهر الجماعة الدولية استعدادها للتمكين من استمرار الوضع الراهن تحت غطاء "المسيرة السلمية".

 

يثبت الوضع القائم بفضل التأييد شبه التام من اليهود للعملية واهدافها، والجو القوماني المتحمس سيفضي الى ان يتولى السلطة في الانتخابات القريبة اعداء المصالحة.

 

برغم الاشمئزاز من العملية، لا ينبغي تجاهل حقيقة ان اسرائيل انتصرت فيها وبرهنت على عدم جدوى استمرار المقاومة الفلسطينية. لكن يجب على الاسرائيليين الان مواجهة ثمار هذا النصر – ان يواجهوا ملايين الفلسطينيين المضروبين والذين هم في حداد، ويعيشون تحت نظام تعسف وتمييز، وان يواجهوا العالم الحضاري الذي لا يسلم للعنف المجنون.