القدس والجولان وضرورة توحيد الجبهات.. بقلم/ حسن لافي

الساعة 11:28 م|01 ابريل 2019

بقلم

شهِدت الأيام الماضية حدثين مُتزامنين في التوقيت، ولكنهما على جبهتين مُختلفتين بالظاهِر، ففي الوقت الذي يوقّع فيه الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" على الاعتراف بملكيّة إسرائيل على هضبة الجولان السورية، يتمّ قصف شمال تل أبيب بصاروخٍ من قطاع غزّة.

هذا المشهد يدفعنا إلى قراءة مُغايرة لمشهد المقاومة بجبهاتها المُتعدّدة، بحيث نبتعد عن القراءة الجزئيّة المبنية على خرائط سايكس بيكو، لنقترب للقراءة الكلية للمشاريع عابِرة الحدود.

ما يُحرِّك سلوك ترامب السياسي مصلحته فقط، حيث تشكيل حلف عربي صهيوني في مواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران، مُموَّل من المال العربي من خلال التطبيع الشامل مع "إسرائيل"، هي المصلحة الأهم لدى ترامب لحل مشاكله الخارجية والداخلية في آنٍ واحدٍ، فعلى الصعيد الخارجي يتمّ خفض النفقات العسكرية في أهم منطقة مواجهة للأميركان وتنتهي أزمة إرسال الجنود الأميركان إلى الشرق الأوسط حيث سيحلّ محلهم جنود من أبناء المنطقة ذاتها المنضوين داخل الحلف الصهيو عربي تحت المظلّة الأميركية، وداخلياً كَسْب ودّ حلفائه الأنجليكانيين من خلال منح إسرائيل المزيد من الجغرافيا التوراتية الأسطورية، فبعد الاعتراف بملكيّة القدس للصهاينة، تأتي أحقيّتهم في هضبة الجولان في ذات السياق.

محور المقاومة، الحديث هنا عن الدول والأحزاب والهيئات التي ترفض المشروع الصهيو أميركي في المنطقة، بقيادة إيران، الحصار الاقتصادي القوي من قِبَل الإدارة الأميركية يُعتبر عاملاً سلبياً لمشروع المقاومة في المنطقة، ولكن رغم هذا الحصار حقّق مشروع المقاومة العديد من الانتصارات أهمّها كان في الحفاظ على الدولة السورية، وما تبعه من إضافة أبعاد جغرافية وديموغرافية إسلامية وعربية للصراع مع "إسرائيل"، فخط المواجهة معها بما يُسمّى بالجبهة الشرقية لدولة الاحتلال يمتد الآن من أفغانستان حتى هضبة الجولان، بالإضافة إلى اليمن على بوابة البحر الأحمر الجنوبية، ناهيك عن تعزيز المقاومة الفلسطينية وقدراتها ومقدراتها العسكرية والفنية في مواجهة دولة الاحتلال وخاصة القوّة الصاروخية.

قد يُعوِّل الإسرائيلي على الدور الروسي في مَنْع المحور من الاصطدام معه على الجبهة الشمالية لدولة الاحتلال، ولكن حتى وإن تمّ ذلك فإن هذا الأمر سيرتبط بالحال الهجومية للمقاومة، ولفترةٍ زمنيةٍ مؤقتة، لكن استعدادات المحور الدفاعية ستبقى في حال ديمومة مستمرة، ناهيك عن تطوير قدراتها، وموضعتها على امتداد جغرافيا المقاومة، ما سيُشكّل خطراً استراتيجياً على دولة الاحتلال، لا يمكنها إغفاله رغم عدم قدرتها على الدخول معه في حربٍ مفتوحة، وهنا يتحوَّل الدور الروسي إلى كابِحٍ لدولةِ الاحتلال بشكلٍ قوي.

أما على صعيد جبهة المقاومة الجنوبية، فإن التصعيدات المُتكرِّرة مع الاحتلال أثبتت أن المقاومة في غزّة مازالت قادرة على مُراكمةِ انتصاراتٍ ميدانيةٍ على جيش الاحتلال، وأنها في تطوّرٍ ملحوظٍ، حيث استطاعت تحقيق تعديل في موازنة الردع المُتبادَل لصالح المقاومة أفضل مما سبق.

ولكن الخطورة تكمُن عند الحديث عن الحال الاقتصادية بالذات، وما ينعكس منها سلباً على الحاضنة الشعبية للمقاومة ، ومع مرور عام على مسيرات العودة وكَسْر الحصار، التي فتحت ساحة اشتباك شعبية مُغايرة عمّا تعوّدته دولة الاحتلال من غزّة، ولكنها كأيّ حراك شعبي تحتاج للمراكمة والاستمرار من أجل الوصول إلى مرحلة التثمير السياسي، ولكن لا أحد يستطيع التنبّؤ بما ستكون عليه خيارات غزّة إن تمّ إفشال تلك المسيرات.

كوابح "إسرائيل" للذهاب إلى تصعيدٍ عسكري مع غزّة أكثر صَرامة ما قبل الانتخابات لكن هذه الكوابح ستبدأ بالتراجُع ما بعد الانتخابات، وخاصة إذا تمّ تشكيل حكومة وحدة صهيونية ما بين حزب "الليكود" بقيادة نتنياهو وحزب "أبيض أزرق" بقيادة الجنرالات، تتناغم مع المشروع الأميركي بقيادة ترامب، في هذه الحال ستكون الحرب على غزّة تحت غطاء التحضير لصفقة القرن، حيث تلك الحكومة ستوافق مع بعض التعديلات على مشروع ترامب للتسوية، وبما أن غزّة ومقاومتها هي حجر العثرة أمام هذا المشروع، سيصبح تدمير المقاومة في غزّة مطلباً أميركياً اقليمياً قبل أن يكون مطلباً إسرائيلياً، والمراهنة السابقة أن "إسرائيل" ليس لديها حل سياسي لغزّة تنتهي، فالحل السياسي يصبح كيانية فلسطينية مركزها غزّة وأطرافها بعض الكانتونات السكانية في الضفة الغربية تحت حُكم ورثة أبو مازن في إحد السيناريوهات ، أو تحت حُكم بعض المروّضين من بقايا مشروع المقاومة في السيناريو الآخر.

لكن تبقى الكوابح موضوعية أمام المؤسّسة العسكرية الصهيونية للذهاب إلى الحرب، أهمها قدرتها على إبعاد الجبهة الداخلية الصهيونية، التي باتت أكثر حساسية عن ساحة المعركة، خاصة مع تطوّر المنظومات الصاروخية لدى المقاومة في غزّة.

التهويد والاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وما يواكبهما من مشروعٍ صهيوني إحلالي لكل ما هو فلسطيني، رغم قساوته إلا أنه المُحرّك الرئيس لاستعادة عافية مشروع المقاومة في الضفة والقدس ، حيث العمليات الفردية التي بدأت بالطعن ثم الدَهْس، باتت تتطوّر حتى وصولها إلى ظاهرة مُنفّذ العملية الفدائية، الذي يستطيع تنفيذ عمليته، والعودة سالِماً ليصبح مُطارَداً، بالتأكيد هذا التطوّر خطوة مهمة على طريق انفجار الضفة في وجه الاحتلال ومشروعه الاستيطاني الإحلالي، الأمر الذي تحاول حكومة اليمين الحاكِم في "إسرائيل" بكل ما تملكه من إمكانيات منع حدوثه، كونه خطراً وجودياً على مشروع استيطان اليمين الديني، ناهيك عن الأخطار الأمنية الناتِجة من ذلك.

من الواضح أن قوّة المشروع الصهيوأميركي بمواجهة مشروع المقاومة تتمثّل في توحيد جبهاته بشكل مُتكامل، من خلال اعتبار أيّ اعتداء على "إسرائيل" هو اعتداء على المشروع بكلّيته، لذا الانتصار عليه يتطلّب مُجابهته بمشروع مقاومة موحّد الجبهات على امتداد جغرافيا المقاومة، خاصة في المرحلة المقبلة، حيث أيّ اعتداء على جبهةٍ من جبهات المقاومة يجب أن يُعتبر اعتداءً على محور المقاومة بكلّيته.