خبر غزّة: المحرقة و..الكبرياء../ رشاد أبوشاور

الساعة 08:43 م|21 يناير 2009

21/01/2009  10:57 

 

غزّة في روحي: أرض تختنق بحرائق الفسفور، والموت، والأشلاء، والنواح، والغضب...

غزّة في روحي: أطفال مزق، أيد صغيرة نحيلة سمراء، أقصد كانت سمراء، مزّقتها الشظايا، وغطتها بالدم...

أفواه فاغرة، تغالب الصرخات، بوهن أجساد جائعة، عطشى، خائفة، مقرورة، مستوحشة، قلقة...

 

غزّة: صرخات، صيحات، نداءات استغاثة، عيون صغار يرتجفون بجوار أمهات بلا أثداء، ولا أقدام...

غزّة بيوت تدكّها الصورايخ والدبابات، فتهوي على أسر بكاملها، أسر تداعت للالتصاق ببعضها، لتأتنس ببعضها، في وجه الموت...

 

تذكير: الفلسطينيون اعتادوا أن يموتوا جماعات، أن يذهبوا إلى الموت جماعات لا فرادا، ليقفوا أمام الله جماعات، سائلين بأصوات جماعيّة: لماذا يا ألله.. لماذا؟!

 

غزّة في اليوم الأوّل صدمة، دهشة، ثمّ يقظة.. فها هو العدو إيّاه قد عاد ليضرب، يصدم ويروّع...

غزّة في اليوم الأوّل: أجساد مقتولة. أجساد تنزف. أنين. أصابع تخفق مسلّمة أقدارها لله، هي التي افتقدت عدالة الأرض والمتجبرين عليها...

غزّة في اليوم الثاني: أطفال اضطربت حركتهم في الأرحام، فالأرض ترتج، وأجساد الأمهات قلقةً سريعة الحركة، تخضّهم خضّا...

 

غزّة في اليوم السابع: أجنّة تسقط من الأرحام، ولادات قبل الأوان، خروج إلى الدنيا في الشهر السابع، من الخاصرات، فالأم المبتورة الساقين لا تقوّى على دفع جنينها من رحمها، والأم التي فارقت الحياة تخرج منها الحياة بمباضع الجراحيّن، ببكاء غزّي ملتاع...

 

غزّة حُكم عليها بالإبادة، فالمقاومة لا معسكرات لها، ولا مواقع محددة، المقاومون ارتدوا الأرض، تجذّروا مع جذور الأشجار، ولذا لا بدّ من قتل غزّة في الأطفال الذين سيكبرون يوما، وأحشاء الأمهات اللاتي أنجبن، وأصلاب الآباء الذين يبذرون ويتسببون بهذا التكاثر...

 

غزّة بيوت، وحقول، ونخيل، ولذا فهي تهدد أمن اليهود المجلوبين من كُل بلاد الدنيا.. ولذا فالحكم صريح: قطع الشجر، وهدم الحجر، لتصلح هذي الأرض، من بعد، ليؤسس رّب الجند عليها معسكره للبطش الدائم...

 

غزّة يندفع إليها جيش بطائرات، بدبابات، بصورايخ، بخرائط، بنداءات جمهور لا يرضى بأقّل من إبادة الفلسطينيين الغزيين...

ماذا نسمّي مجتمعا بنسبة 100% يطلق صيحات الفرح بقتل الفلسطينيين نساءً، رجالاً، أطفالا؟!

بماذا نصف مجتمعا ينزل اللعنات على جيشه لأنه يأخذ أحيانا وقتا للراحة، يتوقّف أحيانا عن متابعة قتل الفلسطينيين؟!

غزّة محرقة القرن الحادي والعشرين، محرقة معلنة، نُقلت عبر الشاشات، لا تزوير بأرقام بيوت هدمت، أطفال ذبحوا...

.......... ....... ... ..

 

غزّة في اليوم العاشر، وفي اليوم العشرين: طفل سُملت عيناه. الطفل الصامت لا يجد الكون حنونا ليكلمه.. الطفل المسمول العينين، الطفل يريد العينين، وجه الأم، لهفة وجه الأب، هدهدة الأخت تحمله وتقوم بدور الأم...

 

غزّة بنت أحلى من نجمة أعذب صبح، بترت ساقاها، حلمت أن تكبر وتصير مذيعة، أقعدها فوسفور إله الجند، نجحت أمريكا في بتر الساقين الغزيين، وأعطتها حزنا لا يُشفى ...

 

غزّة حرب: جيش يقتلع الأشجار، يهدّم أفران الخبز.... .... ...

 

غزّة مئذنة واقفة تضرع لله، قبضة من آمن أن فلسطين حياة، وأن الموت نهاية كل الناس، ولذا فالنفس شجاعة...

غزّة في خّط النار: فتيان حفروا الأرض، سروا فيها باسم فلسطين، وباسم الله، وانبثقوا غضبا وعنادا ...

غزّة باسم فلسطين، صارت راية في أيدي البشر الشرفاء، في هذا الكون الواحد، صارت لعنات للمحتلين ...

غزّة في زمن الخذلان وزمن العار

في زمن الفوسفور الحارق

شمس ونهار

غزّة وحدت البشر على هذي الأرض، وفضحت كّل الأشرار

 

غزّة أينعت الحُب لأرض فلسطين، فارتفعت رايات، دوّت صرخات، احتشد الناس ملايينا، صاحوا: يا للعار...

العار لصهاينة العرب، الحكّام الفجّار...

 

من أفجر يا ناس، مّمن يعلن أن المعبر مفتوح، وطبيب يوناني على مدى أسبوع ممنوع ممنوع ممنوع ؟!

علاج الطفل الغزّي يتنافى مع ما أبرم بين العبد التابع والمُحتل، برعاية أمريكا بوش!

غزّة مختبر للصدق، وللدّم، فهل في العرق دم عربي، والحاكم يُفسد أي لقاء يقول كلام الحّق عن العدوان؟!

 

غزّة تفضح تزييف الإسلام، حوار الديان، تجّار النفط، مجاملة الراعي الأمريكي، وحوار الأديان مع الجنرال الصهيوني، فكّل الهّم: الكرسي والأسعار!

الغزي الواهب دمّ القلب لعكّا، للقدس، لطفلته الموعودة بالعودة للبيت هناك بأسدود ...

للزمن العربي......... ...........

غزّة في اليوم العشرين صمود ...

إباء رغم الهول...

غزّة كبر فوق الأرض المحروثة بجنازير الدبابات

غزّة رايات حمراء، سوداء، بيضاء..علم فلسطين سيّد كّل الرايات

غزّة لم ترفع علما أبيض في حلكة أعتى الأوقات

غزّة يا سادة فضحت من جبنوا، من سجنوا الثوّار

غزة مزّقت الأقنعة

غزّة طافت في الدنيا سيّدة كنعانيّة

غزّة أعلت من روح الإنسانيّة

غزّة كنعانيّة

غزّة عربيّة

غزّة وحدة فتيان شدّوا العزم وصدّوا الهمجيّة

غزّة أهلي، داري، بنتي، أمّي، أختي..غزّة عينيّ

غزّة لن تعطي الخونة فرصة أن ينتصروا بالكذب وبالتدليس

غزّة تدفن أطفالا ونساء وفتيانا أحرارا

غزّة تنهض فوق الموت، تستعصي، لا يهزمها مكر الأشرار

... ...

 

ها قد عادوا يا غزّة ، فانتبهي، فالحلف يُكيد

يتربّص، ينصب كل فخاخ الصيد.. يُعد القيد...

انتبهي يا غزّة، يا أمي، يا أختي، يا عيني...

فرّب الجند على الأبواب

وأي سلام محض سراب

انتبهي من دمع ( شقيق) كذّاب

مدّي اليد واحتضني الأهل هناك، ولتشتعل النار على أرض فلسطين

آمين

 

كلمة ليست أخيرة لغزّة:

أشعلت انتفاضة في العالم يا غزّة، وأعدت راية فلسطين إلى الدنيا، وفضحت العقل الصهيوني، والمتصهينين العرب، والساقطين المحسوبين على شعبنا... فاحذري مّما يحاك!

ما بعد اليوم الثالث والعشرين للحرب الهمجيّة، والصمود الأسطوري، والدم الفلسطيني..لا تكون الوحدة إلاّ في الميدان بين المقاتلين، ومن يؤمنون بالمقاومة خيارا لا بديل عنه...

 

يا غزّة: فضاؤك فلسطين، وحدودك فلسطين، فانطلقي باسم فلسطين، قومي يا غزة من تحت الدمار، في الفضاء الفلسطيني، العربي، الإنساني.. هذا خطابك، فلا تضيقي عليك الفضاء

هذه بطولتك في ملحمة البطولة الفلسطينيّة منذ ( القسطل) حتى يومنا، وآتيات أيامنا المجيدة.

لك يا غزّة كتب ابنك معين بسيسو:

قد أقبلوا فلا مساومة

المجد للمقاومة

ولفتيانك المقاومين المنتصرين، كتب ابنك هارون هاشم رشيد:

الصف الأوّل مات

والصف الثاني داسته الدبّابات

والصف الثالث، والرابع، والعاشر

آت آت آت