خبر دولة بلا دعوة / هآرتس

الساعة 08:19 م|21 يناير 2009

بقلم: آلوف بن

        (المضمون: ستثبت دولة حماس في غزة استقلالها وتنال اعتراف العالم بها اذا عرفت كيف تحصل على الشرعية الدولية بقبول الانضمام الى مسيرة سياسية - المصدر).

        الهدنة في غزة فرصة جيدة للنظر من جديد في الفكرة الرئيسة التي وراء المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، فكرة يمكن ان يكون عنوانها "دولة بدعوة"، "دولة صائغين".

        من اوسلو الى انابوليس، مرورا بالتسويات المرحلية وخريطة الطريق، وبتشجيع "بيلن ابو مازن" ومبادرة جنيف، انحصرت جميع الاتفاقات، والتفاهمات والافكار في صوغ خطة مفصلة لاقامة دولة فلسطينية في المناطق، مع دستور ديمقراطي وتفصيلي دقيق للحقوق والمسؤوليات. لو حدثت مسابقة انشاء عالمية في القانون الدستوري لكان لهذه الوثائق احتمال جيد لان تفوز بالمراتب الاولى.

        لكن توجد مشكلة واحدة فقط وهي ان الورقة صعب عليها ان تواجه الواقع. لم تنشأ دولة الصائغين، والاعمال الرائعة لرجال القانون غرقت في وحل دعاوى متبادلة عن نقض الاتفاقات، والارهاب الفلسطيني، وتوسيع المستوطنات. قامت السلطة الفلسطينية وعملت بضع سنين بحسب الخطة على التقريب، الى ان انهارت الاتفاقات بضغط الظروف. في 2002 احتلت اسرائيل من جديد مدن الضفة واعادت الى نفسها المسؤولية الامنية. في 2006 بعد فوز حماس في الانتخابات طرحت في القمامة ايضا الترتيبات الدستورية.

        الاستنتاج المرحلي هو ان بناء الدولة "من اعلى الى اسفل" الى فشل. المصالح المتناقضة وعلاقات القوى ستتغلب دائما على النيات الخيرة والصياغات الجميلة. لا يستطيع اي اتفاق ان يواجه تطورات مثل عشرات العمليات الانتحارية او فوز حماس بالسلطة. ان محاولة صياغة دولة جديدة بالتفصيل تترك عملا للدبلوماسيين ولرجال القانون، لكنها تزيد الخيبة عندما تذر الاتفاقات المفصلة في الريح. افضل من ذلك تخطيط اقل واجتهاد اكبر في التنفيذ.

        عندما انهار الطراز المصوغ في الضفة، نشأ في غزة طراز بديل لبناء دولة "من اسفل الى اعلى"، بغير تفاوض واتفاق. ان الهدنة التي تضمن استمرار سلطة حماس في غزة، تثبت هنالك نوعا من الاستقلال الفلسطيني، وان يكن ذلك في ظروف صعبة من الخراب المادي والحصار الاقتصادي ومعاداة الجيران الشديدة. لم تنافس حماس في بطولة العالم للقانون الدستوري، لكنها تقدم خدمات للسكان، وتحافظ على النظام وتستعمل قوة امن فعالة. ليس هذا حسنا ومنظما كما في الرؤيا، لكن يحسن اعتياد ان تبدو فلسطين الصغيرة والمستقلة على هذا النحو.

        ليست "دولة حماس" اول دولة في المنطقة نشأت بلا اتفاق، في اثر انسحاب من طرف واحد للحاكم السابق. فقد سبقتها اسرائيل، التي اقيمت بعد اعلان البريطانيين انصرافهم عن امتداد فلسطين. لم توقع بريطانيا اي اتفاق مع الحركة الصهيونية، ولم تنقل اليها ايضا صلاحيات السلطة نقلا منظما. فالمندوب السامي ورجاله حزموا متاعهم ببساطة وانصرفوا من هنا. عبر ايلان كينغهام في حديثه الوداعي لمرؤوسيه عن امل السلام بين اليهود والعرب، مثل اريئيل شارون حقا بعد الانفصال عن غزة.

        وصف زئيف شيرف امين سر الحكومة الاول في كتابه "ثلاثة ايام" كيف اقيمت الدولة من فوضى نهاية الانتداب. فبأمر من دافيد بن غوريون قدم فريق موظفين برئاسة شيرف الى القيادة السياسية وثيقة عنوانها "ادارة الحكومة في الدولة العبرية"، حددت توزيع الوظائف وبنية المكاتب الحكومية. تستعمل هذه الوثيقة، لا الدستور الذي لم يجز قط، الى اليوم اساس جهاز السلطة في اسرائيل.

        عانت اسرائيل كدولة غزة في ايامنا، منذ اقامتها قطيعة اقتصادية وحروبا مع الجيران. لكن اسرائيل بخلاف حماس اعتمدت على قرار الامم المتحدة واهتمت بالحصول على اعتراف القوى العظمى، الذي ارسخ وجودها ومكانتها الدولية برغم العداء حولها. ستحصل حماس ايضا على اعتراف دولي اذا وافقت على الاعتراف باسرائيل وبالاتفاقات معها بحسب "شروط الرباعية"، التي ادمجت في قرار مجلس الامن، لكن خالد مشعل واسماعيل هنية ما يزالا يفضلان ان يكونا ولدي الحي الشاغبين، اللذين يصرفان سياستها الخارجية بالصواريخ بدل الدبلوماسية. قد تجعلهما حرب الاسابيع الاخيرة يدركان ان الطريق الى تثبيت الاستقلال الذي حصلا عليه في غزة تمر بمسار سياسي.