خبر حرق العلم - هذا جديد / هآرتس

الساعة 08:15 م|21 يناير 2009

بقلم: تسفي بارئيل

        (المضمون: كان الاردن متوترا حائرا في اي الطرفين يؤيد المحور المعتدل ام المحور المتطرف، وفضل في النهاية ان يؤيد المحور المعتدل وان يحضر مؤتمر شرم الشيخ لا مؤتمر الدوحة فأرضى الولايات المتحدة ومصر واغضب سورية وقطر - المصدر).

        "اقسم بالله، الا استعمل هذه السلعة الامريكية، والا ادخلها الى البيت والا ادع ابناء بيتي يستعملونها" – كانت هذه صيغة القسم الذي اقسمه في الاسابيع الاخيرة اعضاء اللجنة الاردنية لمنع التطبيع مع اسرائيل. ليس احراق السلع من انتاج الولايات المتحدة، والدعوة الى فرض قطيعة على شركات تتعامل مع اسرائيل، بل طلب قطع العلاقات الدبلوماسية بين الادرن واسرائيل امرا جديدا، لكن احراق اعضاء برلمان اردنيين علم اسرائيل داخل مبنى البرلمان لم يقع له مثيل من قبل. وكذلك المظاهرات التي اغرقت شوارع عمان العاصمة، ولا سيما الصدامات الشاذة بين الاف المتظاهرين وبين قوى الامن في حي الرابية، كانت ظواهر لم يره الاردن سنين طويلة.

        اذا ضممنا الى ذلك حقيقة ان الاردن ما زال لم يسمح لسفيره بالعودة الى تل ابيب، وتذكرنا ان العلاقة بين السفارة الاسرائيلية ومؤسسات حكم اردنية جمدت تجميدا غير رسمي- فهل يمكن ان نستنتج من ذلك ان الاردن غير اتجاهه؟

        في السنة الاخيرة اجرى الاردن – ولا سيما بوساطة رئيس استخباراته الجنرال محمد الذهبي شقيق رئيس الحكومة – اتصالات بممثلي حماس. بمقابلة ذلك حدثت قطيعة، بل تعفن، للعلاقات بين الاردن والسلطة الفلسطينية. بين محللون اردنيون ان الملك عبد الله ارتاب انه قد "عقدت صلة" بين رئيس البلاط الملكي السابق باسم عوض الله، والدكتور صائب عريقات الممثل الفلسطيني في محادثات السلام مع اسرائيل، ترمي الى جعل الاردن وطن الفلسطينيين البديل. ويوجد من يزعم انه كتبت حتى وثيقة في هذا الشأن. قال مقرب من البلاط الملكي لصحيفة هارتس ان هذه التهم "سخافات احدثها من يريد الاضرار بالاردن". سواء اكانت سخافات ام لا، اقال الملك رئيس بلاطه ولم يتخل من اللقاءات مع اناس حماس. كان يفترض ان يكون هذا رسالة واضحة الى محمود عباس ورجاله: وهي انه بالرغم من انهم يبعدون الاردن عن المفاوضة السياسية، فانه يعلم جيدا كيف يدبر اللعبة السياسية داخل فلسطين. وهنا بعد نحو من ثلاثة اشهر من اقالة عوض الله اقال الملك خصوصا الرجل الذي ارسى قاعدة العلاقات الجديدة بحماس: فقد استبدل محمد الركاد بالجنرال الذهبي. هل غير الملك الان ذوقه واراد ان ينقل الى حماس رسالة تقول انها ليس لها شهادة تأمين اردنية؟  جواب ذلك مركب لا يعتمد فقط على محور الاردن – حماس او الاردن – السلطة الفلسطينية. احد تفسيرات هذه الخطوة هو ان الملك اراد ان ينشيء "توازنا" في بلاطه بين عوض الله الذي كان يُرى ممثلا لمواطني الاردن من اصل فلسطيني وبين الذهبي، الذي يُرى ممثل الاردنيين من اصل اردني. كان كلاهما مقربا جدا الى الملك، لكن عندما يقال "ممثل" ينبغي اقالة "الممثل" الاخر ايضا.

        لكن هذا جزء فقط من جواب سؤال لماذا اقيل الذهبي. في السنة الاخيرة كان الذهبي مسؤولا ايضا عن سخونة العلاقات بين الاردن وسورية، التي قاربت قطر بعقب تدخل الزعيم القطري في حل الازمة في لبنان. اعتقد الذهبي انه قد حان الوقت لان يسخن الاردن وقطر العلاقات بينهما بعد قراب عقد من التوتر.

        والمفارقة هي ان الغضب الاردني على قطر ثار في 1999، عندما وافقت قطر على ان تكون ملجأ لقادة حماس الذين طردوا من الاردن – في حين ان الاردن نفسه الان يجري اتصالات بحماس. بعد ذلك في 2006، فضلت قطر ان تصوت مؤيدة تعيين باركيمون امينا عاما للامم المتحدة والا تؤيد المرشح الاردني. لكن في تشرين الثاني 2008 حدث تحول، عندما خرج وفد اردني برئاسة رئيس الحكومة الى قطر ووقع معها اتفاق تعاون اقتصادي. تلاشى الغضب الكبير وقدر الاردن انه قد اقر علاقته بجيرانه. العلاقات بمصر وثيقة، وبسورية تسخن، وانضمت قطر الان الى دائرة الصداقة ايضا.

        وآنئذ حدثت الحرب في غزة ودفع الاردن مرة اخرى الى ورطة. هل تؤيد سلطة ابي مازن؟ هل تنتقد حماس بشدة كما فعلت مصر والسعودية، او يندد باسرائيل وتؤيد قيادة حماس؟ اي هل يسار في المسار السوري – القطري، او المصري – السعودي ، الى جانب اسرائيل والولايات المتحدة؟

        تلوى الاردن. بلغت التلوي ذروته قبيل مؤتمر القمة العرب الذي عقده حاكم قطر. استعمل على الاردن وعلى السلطة الفلسطينية ضغط عظيم. قال رئيس حكومة قطر مثلا ان محمود عباس قال له انه اذا حضر مؤتمر الدوحة "سيذبح من الوريد من الوريد"، واحجم الملك الاردن ايضا. فقد بين لحاكم قطر انه "في هذا الوقت لا يستطيع حضور المؤتمر الذي يرى مؤيدا لحماس ولا سيما ان ابا مازن لا يشارك فيه".

        لكن التفسير الحقيقي كامن كما يبدو في الضغط الامريكي الثقيل الذي استعمل على الملك. فبحسب مصادر اردنية طلب الى الملك ان يقرر اينتمي الى المحور "المعتدل" ام  "المتطرف". واستقر رأي الملك على ان يفضل شرم الشيخ على الدوحة، ولوحظ التوتر جيدا على وجهه في المؤتمر المصري. صدرت الصحف الاردنية مع طائفة من التفسيرات والتعليلات لقرار الملك لكن النتيجة بقيت هي نفسها: وهي ان سورية وقطر غاضبتان على الملك، وواشنطن والقاهرة راضيتان عنه. وماذا عن اسرائيل؟ ما يزال مشهد العلم المحروق يكوي العيون، لكن اقالة رئيس الاستخبارات الاردني الذي اراد تجديد الصلة بين الاردن وحماس يسكن الكي قليلا.