خبر عودة الكاريزما / هآرتس

الساعة 08:13 م|21 يناير 2009

بقلم: توم سيغف

       

(المضمون: خطاب اوباما كان خطابا متجهما على لسان رئيس لبلاد جريحة ومعذبة خلفها ثماني سنوات فظيعة وامامها تحديات وآمال - المصدر).

 

        خطباء هامون يعمدون اليوم على قراءة خطاباتهم من على الشاشات الالكترونية. ثمة هنا عنصر من التضليل: فالخطيب يبدو مصقعا لا مثيل له. فهو لا ينظر الى أي ورقة، وحتى الجمل المعقدة تخرج من فمه دون تلعثم بما في ذلك الاقتباس عن الاخرين ولكن جمهور المشاهدين في التلفزيون لا يرون ان الخطيب يقرأ أقواله من نص مكتوب.

هذه تقنية يمكن تعلمها، الاعتياد عليها، تطويرها، وهذا يحتاج الى تركيز، قدرة على اللعب وصلاة كبيرة في القلب، خشية لا سمح الله أن يقع خلل فني، يوقف فجأة الكلمات المبثوثة على الشاشة امام ناظر الخطيب فلا يعرف كيف يواصل خطابه.

براك اوباما هو الاخر يتلو كلماته من على شاشا الكترونية، ولكن رغم ذلك فان فيه ايضا ذاك الشيء الاضافي الذي يعطي لظهوره ميزة للزعيم كادت تختفي في عصر الانترنت والتلفزيون: الكاريزما، تلك القادرة على ان تبث الصلاحية وان تفعم في قلب الجماهير الايمان بان الخطيب جدير بان يقودهم.

اوباما يعرف كيف يدور رأسه من جهة الى اخرى، لديه شاشتين في الجانبين، وهو يتحكم جيدا بصوته الرخيم، وهو يعرف كيف يعطيه قوة التصميم ويعرف كيف يرفعه حتى اختناق المشاعر؛ وعلى نحو يشبه الخطباء العظام الاخرين فهو لا يتحدث الى الملايين الذين ينصتون له – بل يتحدث الى كل واحد وواحد منهم. كل واحد وواحد يمكنه أن يتماثل معه وان يصدقه، إذ انه حين يتحدث براك اوباما يخيل أنه يؤمن بما يقول: سياسي وأب رحيم، تنفيذي وفوق كل شيء الرجل الذي جسد الحلم الامريكي. فهو لم يبالغ في ابراز اصله، شدد المرة تلو الاخرى على أنه ليس ثوريا، بل ابن مخلص للاباء المؤسسين للامة وبروحهم انتخب.

منذ جون كندي لم يكن هناك رئيس رافق دخوله البيت الابيض توقعات كبيرة بهذا القدر، وعليه، فبطبيعة الاحوال، يفترض تشبيه خطاب تنصيبه بخطاب كندي في كانون الثاني 1961. الخطابان مختلفات جدا الواحد عن الاخر. كندي القى خطابا كاد يكون موجها بأسره الى العالم؛ فقد كانت تلك ايام الحرب الباردة. أما اوباما فتحدث اساسا الى امريكا. ليس مكانتها الدولية هي ما وقف في مركز كلمته بل الحاجة لاعادة بناء المجتمع الامريكي نفسه.

خطاب كندي كان مبنيا كسلسلة من الشعارات والامثلة الاكثرها شهرة كان شبه فاشي: "لا تسألوا ماذا يمكن لبلادكم  ان تفعله من أجلكم – اسألوا ماذا يمكنكم ان تفعلوا من أجل بلادكم". اما خطاب اوباما فكان اكثر جدية، مركبا، هنا وهناك مثل الاكاديمي، يكاد يكون مضنيا. وفي صالح اوباما سيقال انه من الصعب على المرء ان يعثر في خطابه على جملة واحدة يمكنها أن تصبح قولا مأثورا. كان هذا وكأن به اراد ان يقول ان الوضع جدي اكثر مما يستوجب الاعيب لفظية كهذه. كان هذا خطابا متجهما على لسان رئيس لبلاد جريحة ومعذبة خلفها ثماني سنوات فظيعة وامامها تحديات وآمال. عندما اختار الامريكيون رئيسا اسود – وكأنهم كانوا يقفون في اختبار مدرسي لينجحوا الى صف اعلى. هذا ما قاله لهم امس رئيسهم الجديد: نحن الان اطفال كبار. نحن نعرف ماذا ينبغي لنا أن  نعمله. عن قصد وفهم حرص اوباما على الا يكرر الكلمات التي جلبته الى البيت الابيض، ولكن كل خطابه تلخص بها: نعم، نحن نستطيع.