خبر وائل الدحدوح مراسل «الجزيرة» في غزة / إبراهيم غرايبة

الساعة 04:11 م|21 يناير 2009

 

صحيفة العرب القطرية

2009-01-14

أين كان وائل قبل أحداث غزة؟ يقال إن الأحداث تصنع الناس وتشكلهم، وبالفعل فقد كان وائل في الأحداث واحداً من أهم المراسلين الإعلاميين، يذكرنا بتيسير علوني في كابل وبغداد، ولكنه يتميز أيضاً بحضور شخصي خاص، تدفق في الحديث وعفوية، وسرد مليء بالقصص والتفاصيل والملاحظات والمعلومات، وتحليلات وأقوال وتصريحات عابرة لكنها بالغة التأثير والأهمية، ووصف تفصيلي مليء بالمشاهد، وصوت دافئ يعطي انطباعاً بالمصداقية والموضوعية، تعجبني «لعل» و»أظن» و»ربما» التي يستخدمها كثيرا، تمنحه ثقة أفضل بكثير من الجزم واليقين الذي اعتدناه في الرسائل الإعلامية برغم أنها يجب أن تكون مليئة بالشكوك والاحتمالات، والتغير أيضا.

 

ليس لدي فكرة عن سيرة وائل الدحدوح ومواقفه الفكرية والشخصية السابقة، ولأني لا أتابع الأخبار على الفضائيات إلا في الأحداث الكبيرة والمناسبات الخاصة، فلم أعرف وائل إلا في أحداث غزة الأخيرة، كان واحدا من الحاضرين دائما كأنه أحد ملامح الحرب ورموزها، وبالطبع فقد كان فريق الجزيرة كله حاضرا ومميزا، ولكن وائل ترك انطباعا مميزا، وأتوقع أنه سيظل في الذاكرة لمدة طويلة.

 

يبدو أن وائل كما يمكن الاستنتاج من مطالعة ما يقدمه غوغل عند إدراج اسمه ليس من حماس وربما يكون على خلاف سياسي معها، ويبدو أنه تعرض لمضايقات وضرب على يد القوة التنفيذية في غزة بسبب خلافه (ربما)، ولكن يمكن الإقرار بعامة أن ذلك يحسب لحماس في غزة أيضا، فالحكومات العربية أغلبها لا تكاد تحتمل مراسلا صحفيا وبخاصة إن كان يعمل مع الجزيرة إلا أن يكون على وفاق كبير معها، ليس سهلا على المراسل أن يكون محايدا وموضوعيا حتى لو أراد ذلك وكان محايدا بالفعل، فكل الحكومات والجماعات والشخصيات لا تقبل من الصحفي والمراسل سوى أن يكون ناطقا رسميا وحرفيا باسمها.

 

ولكن من المؤكد أنه في الأحداث الأخيرة على الأقل كان صوت غزة وأهلها، بل وكان عبر شاشة الجزيرة قادرا على الإبلاغ عن حوادث كثيرة وصغيرة توجه رجال الإسعاف والإنقاذ والإغاثة، وكان يتمتع بجلد وقدرة متواصلة على العمل والتغطية كأنه لا ينام أو يعمل وهو نائم، والأهم من ذلك القدرة النفسية والاحتمال النفسي للعمل والمشاهد، إننا نفقد هنا القدرة على عمل أي شي بل وقدرتنا على متابعة المشاهد والأحداث، فالاختناق الذي يصيبنا يجعلنا غير قادرين على العمل، عمل أي شيء.

 

بالطبع فقد كان فريق الجزيرة كله في غزة وفلسطين مميزا، ويواصل العمل بالليل والنهار، كانوا فيلقا من العمل يتجاوز دوره بث الصوت والكلمة والصورة إلى المشاركة العظيمة مع الناس والأحداث، وحتى المشاهد والمقابلات التي كان ينقلها إلياس كرام، ووليد العمري كانت ممتازة، وتنطوي على مغامرة ومشاركة وحضور بين الإسرائيليين المعبئين ضد الجزيرة والعرب بعامة، ولكنا اكتشفنا هذه المرة وائل الدحدوح، وصوته المؤثر، فالمذيع والمقدم والمراسل الإذاعي والتلفزيوني يتميز أولا بصوته الخاص وقدرته على التعبير ومواصلة الحديث، وقدرته الجميلة على شرح الصورة والتعليق عليها، «صوت الرصاص هذا الذي تسمعونه تطلقه مروحية إسرائيلية» وهذا الصوت أو هذه الصورة للمقاومة، «الساحة مفتوحة لكل جديد واحتمال»، يتحدث الناس عن أحداث، «يمكن أن نستمع الآن لبعض عمليات المقاومة وإن كانت متواضعة»، «الآن تجري اشتباكات في الناحية الشرقية»، أسماء المواقع والأحياء والمدن، أماكن الانتشار والأحداث، وتوثيق ما يجري، وتوظيف الخبرة بالمدينة والمكان، بل ويحب بعض الناس أن ينسب إلى وائل أنه استطاع أن يوصل الغاز والوقود إلى غزة بعد تقاريره التي سلطت الضوء على الأحداث من قبل الحرب