خبر بعد حربه على غزة .. الجيش الإسرائيلي عجز حتى عن التقاط « صورة نصر »

الساعة 03:07 م|21 يناير 2009

فلسطين اليوم : القدس المحتلة

بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة بما أريد له أن يكون عامل "الصدمة والترويع". سلسلة غارات مكثفة تكون كفيلة في العادة بشلّ دولة نظامية، تتبعها عمليات قصف كثيفة ومركزة على مدار ثلاثة وعشرين يوماً، مصحوبة باجتياحات برية وإطلاق الحمم من البوارج والزوارق البحرية.

إنه نموذج لا يخرج عن وصف "الضربة القاضية"، اختارته القيادة الإسرائيلية في حربها على قطاع غزة، والتعامل مع معضلة المقاومة.

 

لم تكن التخمينات والمضاربات الرائجة في الأيام الأولى أو التي تلتها، تفترض إمكانية استمرار الحرب لما يربو على ثلاثة أسابيع، أو أن تعلق المرحلة البرية من العدوان على تخوم المدن والمخيمات والبلدات، وأن تتبخّر فرضيات المرحلة الثالثة الموعودة أمام حقائق الميدان الفلسطيني العصيّة على الانكسار.

 

مع مآلات "الضربة القاضية" إيّاها؛ تبخّرت الفرضيات والتخمينات، وتراجعت معها وتيرة الخطاب الذي عبّرت عنه أطراف دولية وإقليمية في التساوق المتفاوت مع الحرب على غزة. فقد أخذت تعبيرات "إدانة العدوان" تطفو على السطح في أيامه الأخيرة، مع ضمور لغة تحميل المقاومة الفلسطينية المسؤولية عمّا جرى.

 

إنه ضرب آخر من ضروب الاستحقاق التي أملاها الموقف الميداني، الذي عجزت آلة الحرب الإسرائيلية عن تحقيق أي نجاح جوهري فيه.

 

العجز عن التقاط "صورة النصر"

لم تفلح "الضربة القاضية" التي سدّدتها الدولة العبرية لذلك الشريط الضيق المكتظ بالسكان، في تحقيق "نصر" إسرائيلي. حتى أنّ الدعاية الحربية الإسرائيلية لم تتمكن من التقاط صورة اللحظة الأخيرة التي يمكن للتاريخ أن يمجِّدها.

 

وفي كل الحروب يكون لتلك الصورة مفعول السحر، إلى درجة محاولة افتعالها إن أمكن. كانت تلك الصورة في الحرب العالمية الثانية من نصيب الجيش الأحمر، الذي صعد جنوده على مبنى "الرايخستاغ" ببرلين ليرفعوا العلم السوفياتي.

 

إنها الصورة التي أُعيد إنتاجها على نحو تمثيلي كما أظهرت التحقيقات بعد عقود من الزمن، بعد أن استنفذت أغراضها. وفي حزيران (يونيو) 1967 جاءت الصورة من ساحات القدس الشريف، عندما برز قادة الحرب الإسرائيليون وجنودهم قبالة حائط البراق وقبة الصخرة المشرّفة.

 

أما في حرب رمضان 1973 فكانت الصورة من نصيب الجيش المصري لحظة العبور التاريخية لقناة السويس واختراق "خط بارليف" الحصين.

 

تكرّرت الصور والمشاهد من حرب إلى أخرى، وصولاً إلى ربيع بغداد المحترق سنة 2003، عندما جاء المشهد من ساحة الفردوس. يومها عمد الجيش الأمريكي إلى إزاحة تمثال الرئيس العراقي صدام حسين ببطء شديد، بطريقة حُشدت لها مقومات المشهد المسرحي الأسطوري، برفقة كاميرات العالم.

 

إلاّ أنّ أرض غزة استعصت حتى على مجرد صورة نصر يلتقطها الجيش الإسرائيلي. فالجنود المرتعدون ظلّوا عالقين في دباباتهم، حتى في المناطق المفتوحة التي دخلوها على أطراف القطاع.

 

أما ما جرى في أحياء الزيتون وتل الهوا وعلى مشارف التفاح والشجاعية، وعلى تخوم جباليا وبيت لاهيا وغيرها من المناطق، فكانت "صعوبات شاقة" بتعبير قادة ألوية النخبة بالجيش الإسرائيلي.

 

كان يكفي أن تعمد الدعاية الإسرائيلية إلى محاولة التقاط أي مشهد مفترض من خارج القطاع، كي يتحقق الجميع من مدى الإخفاق الميداني الجديد.

 

فمشاهد الجنود المنسحبين الذين يلوِّحون بالأعلام الإسرائيلية من فوق دباباتهم أتت في الواقع من خارج قطاع غزة، ولم تكن فرحة أولئك الجنود بإنجاز لم يحققوه في الميدان؛ بل بخروجهم أخيراً من مواجهة فرضتها عليهم قيادتهم السياسية والعسكرية.

 

هي فرحة مبرّرة، طالما أنه بات بوسعهم أن يتنفسوا الهواء من خارج الأوعية المصفحة التي قبعوا فيها أسابيع متواصلة.

 

سلوك "الضربة القاضية" ضد "المقاومة"

أخفقت "الضربة القاضية" التي أرادتها القيادة الإسرائيلية، لتُضاف إلى سلسلة إخفاقات نسيها كثيرون، اتسمت جميعها بوصف الحسم الاستئصالي ذاته.

 

فالتعامل الإسرائيلي مع المقاومة، مرّ بمحطات مفصلية كان يتحوّل فيها الضغط الشديد والملاحقة الضارية إلى هجمة استئصالية؛ تبدو في كل مرّة، للوهلة الأولى، كفيلة باستئصال مشروعها برمّته، قبل أن يكتشف الجميع أنّ المقاومة قد خرجت من الاختبار العسير أكثر صلابة وتمدّداً.

 

يرتكز أسلوب "الضربة القاضية"، على استخدام أكبر قدر من الإجراءات المستندة إلى سطوة القوّة، بشكل مركّز على نحو موضعيّ أو شامل، وبصورة مكثفة زمنياً وربما بوتيرة خاطفة، سعياً لتقويض المقاومة  أو استئصالها بالكامل، أو شلِّها وإضعافها جوهرياً على الأقل.

 

وما تخفيه نفسية "الضربات القاضية"، هي الإحساس بالحنق من حالة ما، وفقدان القدرة على السيطرة على الأوضاع، بل والشعور بالتهديد المتعاظم في الحاضر والمستقبل، وربما بمخاطر وجودية تبرر إطلاق حمم الغضب والتعبير عنها بقرارات يتضح في ما بعد أنها تفتقر إلى الاتزان.