خبر أنفاق رفح .. طريق الحرير الخشن للطعام لا للتسلح

الساعة 03:00 م|21 يناير 2009

فلسطين اليوم : غزة - القاهرة

"الأنفاق ضرورة حياتية".. هذا هو التوصيف الذي أجمع عليه عدد من المصريين والفلسطينيين -المقيمين على الجانب المصري من مدينة رفح- للأنفاق التي تربط ما بين جانبي المدينة، ورأوا أن السبيل الوحيد للقضاء على التهريب عبر الأنفاق هو فتح معبر رفح.

 

وقال عدد من الأهالي على الجانب المصري من الحدود: إن الأنفاق في الأساس بمثابة "مورد رزق" لهم، أما الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر فهم ينظرون لها على أنها بمثابة "طريق حرير" جديد ولكنه خشن لدخول مواد الحياة الأساسية إليهم، و"طريق الحرير" كان يعتبر قديما أهم شريان حيوي لنقل البضائع وحركة التجارة من أقاصي آسيا، وحتى تخوم أوروبا الشرقية.

 

"إسماعيل" -كهل فلسطيني مقيم في مدينة العريش المصرية- يسترجع مع "إسلام أون لاين.نت" العديد من الذكريات حول الأنفاق التي تربط ما بين شطري مدينة رفح على الجانبين السيناوي والغزاوي من الحدود المصرية الفلسطينية.

 

في البداية يقول "إسماعيل"، وهذا ليس اسمه الحقيقي ولكنه طلب الإشارة إليه بهذا الاسم: "مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية (سبتمبر 2000) بدأ التعنت من الطرف الصهيوني الذي يتحكم في كافة المعابر على الأرض، وبدأت رحلة التعذيب لأهالي غزة الذين اضطروا للبحث عن طريقة للحصول على الطعام والشراب".

 

ويضيف العجوز الفلسطيني وهو يسرح بناظريه في أرجاء المقهى الذي يجلس فيه بالعريش: "بالتالي كان أول نفق بين رفح المصرية ورفح الغزاوية، وبدأت الفكرة بين بيتين لا يبعد كل منها عن الآخر أكثر من 500 متر، وتلقى صاحب البيت المصري مبلغ 100 ألف جنيه (حوالي 18.1 ألف دولار) -وهو رقم كبير في ذلك الوقت- نظير أن يسمح بحفر نفق يبدأ من الطرف الفلسطيني وينتهي أسفل سرير غرفة النوم في منزله، بحفرة قطرها متر وعمق 10 أمتار".

 

وأوضح الرجل أن بناء الأنفاق يحتاج إلى معدات بناء وأساليب هندسية معقدة، وقال إنه لهذا السبب يبدأ العمل من الجانب الفلسطيني، ويكون الجزء الأكبر من النفق واقعا هناك، حتى لا يتم لفت الأنظار.

 

وواصل القول: "أما من الطرف المصري فالمسافة التي يمشيها النفق تكون صغيرة، وتكون ذات عمق متدرج، ويتراوح عمق حفرة النفق الرأسية ما بين 18 إلى 30 مترا بحسب نوع النفق وبقطر من متر إلى مترين، وعادة ما تكون فوهة النفق متدرجة من أعلى لأسفل حتى نصل إلى بداية النفق الذي تصنع له دعامات خراسانية حتى لا يكون سهل الانهيار".

 

وحول تكلفة حفر الأنفاق قال "إسماعيل": إن الأسعار تتفاوت بحسب الحجم والعمق، فبينما تصل تكلفة حفر بعض الأنفاق إلى 60 ألف دولار فإن البعض الآخر من الأنفاق الصغيرة يصل سعر إنشائها إلى حوالي 5 آلاف دولار فقط.

 

وقال أيضا: إنه في العادة يملك النفق ثلاثة أطراف: الطرف الأول فلسطيني وهو الأساس في البناء، ثم الطرف المصري الذي يؤجر مكان مسار النفق أو يشتريه، أما الطرف الثالث فهو صاحب الأرض الذي لا يبيع إلا أسفل منزله نظير مبالغ تترواح بين 300 ألف جنيه (54.3 ألف دولار) إلى مليون جنيه (حوالي 181 ألف دولار) حسب أهمية وقيمة النفق، بحسب المصدر الفلسطيني.

 

تفاصيل مثيرة

ويروي المصدر الفلسطيني تفاصيل مثيرة عن الكيفية التي يتم بها نقل البضائع من الجانب المصري لرفح إلى داخل غزة، وقال: "يتم إنزال البضائع في "شكاير" من الخيش أو البلاستيك ببكرة حتى يتلقاها الشخص الذي أسفل في النفق الذي يقوم بدوره بتوصيلها ببكرة أخرى يتلقاها الشخص الموجود على الجانب الفلسطيني من النفق".

 

وأضاف: "وهناك بالطبع أدوات اتصال لكي نتصل ببعضنا، ونستخدم لهذا الغرض تليفونات ولكنها من نوع قديم جدًّا، النوع الأسود الذي تراه في الأفلام لأننا نستخدم مجرد أجراس فقط؛ حتى نقوم بتنبيه بعضنا إذا كانت هناك مشاكل أو لتنبيه الطرف الغزاوي بوجود بضاعة في البكرة حتى يسحبها".

 

وعن الطريقة التي تتم بها إنارة النفق قال إنهم يستخدمون المصابيح الصغيرة التي تعمل بالجاز، ويتم وضع مصباح كل 15 مترا، حتى يستطيع أن يهتدي بها العامل داخل النفق، مضيفا أن أجر هذا العامل يساوي حوالي 20 دولارا في الساعة، أما العامل على البكرة فيتراوح أجره بين 10 إلى 15 دولارا في الساعة، بينما يتقاضى القائم على إدارة النفق 30 دولارا عن كل مرة يفتح فيها منزله لهذه العملية، مشيرا إلى أن الطرف الغزاوي هو الذي يتحكم في عملية فتح وغلق النفق؛ لأنه هو الذي تكون لديه الطلبات والبضائع المطلوبة، وهو الذي يحدد أيضا موعد التسلم، وبعد ذلك تبدأ دورة العمل.

 

عالم تحت الأرض

وعن أنواع الأنفاق واختلافها في الوقت الراهن عن أول نفق قال "إسماعيل": "إن أول نفق لم يكن عميقا وكانت تجهيزاته بسيطة، وكنا نضطر إلى أن نستعمل عددا كبير من العمال لنقل البضائع بين الطرفين، علما بأن مسافة النفق بين غزة ورفح تتراوح بين 800 متر إلى كيلومتر واحد وهى أقصى مسافة يمكن أن يصل إليها النفق".

 

وأضاف أنه "في البداية كانت الأنفاق تعمل في نقل بضائع خفيفة مثل السجائر والأطعمة المحفوظة، ثم تطور الأمر لنقل الدقيق والسكر وغيرها من المواد الغذائية الأساسية".

 

وقال: كانت هذه هي نوعية المواد التي يتم نقلها قبل فرض الحصار الكامل على قطاع غزة في يونيو من العام 2007، وأشار إلى أنه بعد الحصار بدأت تظهر نوعيات جديدة من الأنفاق لنقل الوقود والماشية.

 

وأضاف المصدر الفلسطيني: "أنفاق البضائع كانت قصيرة جدا في الارتفاع؛ حيث تراوح ارتفاعها بين 80 إلى 90 سنتيمترا، أما "أنفاق الجاز" (المخصصة لنقل الوقود) والتي استحدثت بعد الحصار فارتفاعها هو ارتفاع خرطوم الضخ؛ حيث يمد خرطوم بين الطرفين، ويتصل من طرفنا بماكينة ضخ، ومن الطرف الآخر بماكينة سحب وهو لا يحتاج إلى ارتفاع".

 

أما عن النوعية الثالثة من الأنفاق وهي "أنفاق الحيوانات" فقال "إسماعيل": "مع حاجة أهل غزة للحيوانات صنعنا أنفاقا بارتفاعات تصل إلى متر ونصف، لكن في كل الأحوال تحتاج إلى إحناء قامتك بداخلها علما بأن المصريين لا يدخلون هذه الأنفاق أبدا".

 

"لا نهرب أسلحة"

وعن تأثير الضربات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على الأنفاق قال: "الضرب لم ينل أكثر من 40% من الأنفاق لكن الباقي موجود وسيعمل عندما تحين الفرصة، وأود أن أقول إننا لا نهرب أسلحة لأهل غزة، فالأسلحة لها طريق آخر وكان يتم تهريبها واليهود موجودون داخل غزة، وكانت حماس وغيرها يحصلون عليها من الجنود اليهود أنفسهم، بل إنه يتم تهريبها أساسا عبر إسرائيل، والإسرائيليون يعلمون ذلك جيدا، أما هنا في مصر فدخول السلاح إلى سيناء صعب جدا وخطر، وعلى الأقل أنا ومعي 70% من التجار الذين أعرفهم جيدا وأصحاب الأنفاق لم نتعامل مع السلاح".

 

ضرورة حياتية

على الجانب الآخر يقول "أحمد" وهو أحد التجار المصريين الذين يتعاملون مع الأنفاق: "لا أستطيع تصور الحياة المادية هنا بدون التعامل التجاري مع الغزاوية.. تجارتنا ومصالحنا وأرزاقنا مرتبطة هناك، فالحكومة هنا لا تقدم شيئا، والوظائف قليلة ورواتبها ضعيفة، وعادة ما يأخذها المغتربون الذين يجيئون من كل المحافظات طمعا في بدل الغربة وفي الشقة الرخيصة التي يعطونها لهم".

 

وأضاف: "أما نحن أهل العريش ورفح فلا نستطيع الحصول على شيء من هذا، والوظائف لا تعود علينا بدخل يريحنا، بينما دخلي اليومي من التعامل في الأنفاق وأنا مجرد سمسار بين التجار كان يصل إلى 100 دولار، وأحيانا أكثر".

 

"اليهود هم السبب"

ودون أن يعرف نفسه بدأ أحد تجار الأنفاق -وهو مولود لأب مصري وأم فلسطينية- حديثه قائلا: "ابن عمي حكم عليه بالسجن 3 سنوات، بسبب العثور على نفق عنده، ومع ذلك أنا وأخي وأولاد عمي ليس لنا عمل غير هذا، واليهود هم السبب في لجوئنا للأنفاق؛ لأننا كنا نتحرك حتى عام 1982 بدون مشاكل، لكن بعد ذلك أصبح هناك حدود وسلك ومراقبة".

 

وأضاف: "البدو هنا منذ أن تم احتلال سيناء ليس لهم عمل إلا التجارة مع الفلسطينيين، والآن يريدون منعنا!!.. أنا لا أستطيع أن أمر إلى أهل أمي في الطرف الغزاوي بسهولة.. الأنفاق تحل لي المشكلة".

 

وأشار إلى أن الأمر لا يخلو من مخاطرة، وقال: السجن والتشريد لمن يعمل من الطرف المصري إذا اكتشف النفق، أما الغزاويون فيكونون "هما ونصيبهم" وقد يموتون مختنقين لأن الحكومة المصرية عندما تكتشف نفقا ترمي فيه قنابل مسيلة للدموع، وهو ما يعرض الشاب الذي يعمل فيه للاختناق تحت الأرض.

 

وأضاف: "ظروف الحصار فُرضت عليهم وعلينا (الفلسطينيين والمصريين)، لا نريد أن تكسد بضائعنا خصوصا أننا نبيعها في الطرف الآخر بأسعار أفضل من سعرها، فمثلا نبيع لتر الجاز بثلاثة أضعافه".

 

افتحوا المعبر

أما "حسين" والذي يعمل في مجال نقل البضائع فيقول: "لا تتصور أنهم (المصريين) يستطيعون القضاء عليها (الأنفاق)، ولن يستطيعوا إلا في حالة واحدة: إذا قاموا بفتح معبر رفح نهائيا وسهلوا علينا الحركة".

 

وأضاف: نحن لا نريد أن نخالف الحكومة لمجرد المخالفة، لكن هنا في رفح والعريش بضائع لا تجد من يشتريها، وهناك في غزة نقود لا تجد شيئا تشتريه، ونعتقد أن الطرفين مستفيدان، "وبدون ما حد يتأذى".

 

"محمود"، وهو تاجر مصري، قال: "إن لجوءنا للتهريب ليس لأننا نريد أن نضيع على الحكومة جمارك أو نورطها في حرب مع إسرائيل، لكن لأجل الرزق، وإذا أرادوا أن يتم كل شيء في النور فلابد أن يفتحوا الحدود".

 

50 مترا = أسبوعا

وعن الجانب العملي للموضوع يقول الدكتور ممدوح حمزة، الخبير الاستشاري الهندسي المصري: إن بناء نفق يبلغ طوله 50 مترا يستغرق أسبوعا، وقال إنه يمكن في بعض نقاط الحدود ربط مصر بغزة بنفق لا يزيد طوله على 10 أمتار.

 

وأشار في تصريحات نشرتها صحيفة "الدستور" المصرية اليوم الأربعاء إلى أن هناك ضرورة لتدعيم جوانب وفتحات الأنفاق بالأخشاب أو الحديد لتفادي انهيارها، وقال إن أنسب الأساليب التي يمكن اتباعها لكشف الأنفاق هي استخدام أجهزة الموجات فوق الصوتية، إلا أنه أكد صعوبة القضاء نهائيا على هذه الظاهرة -أي تعدد الأنفاق- وسرية العمل فيها.