خبر « حارة النجار » شرق خان يونس تروي فصولا من جرائم الاحتلال الإسرائيلي

الساعة 11:55 ص|21 يناير 2009

فلسطين اليوم – غزة

"لم تصب أمي بأذى" بهذه العبارة ردت الطفلة آية ماجد النجار ذات السبعة أعوام، عندما سألناها عن كيفية استشهاد والدتها حنان النجار (42 عاما)، وبدا أنها لا تريد أن تصدق حقيقة ما جرى، وتوهم نفسها بأن أمها ستعود بعد غياب.

 

لم تعد آية تتذكر شيئا عن القصف الإسرائيلي لمنزل جدها وسط بلدة خزاعة، سوى أن حجارة صغيرة أصابت وجهها بجراح، ولا شيء سوى ذلك، إلا أن ما حدث قاس ومؤلم جدا.

 

تقول صباح عبد العزيز قديح زوجة عم الشهيدة حنان "لجأت الشهيدة وأبناؤها الأربعة إلى منزلنا وسط بلدة خزاعة قبل الحادث بأسبوع، هربا من إطلاق النار والقذائف التي أطلقتها دبابات الاحتلال المتمركزة داخل الشريط الحدودي شرق البلدة باتجاه منزلها الذي لا يبعد سوى 500 مترا، وبعد أن أصيب المنزل بأضرار مباشرة".

 

الشهيدة حنان أم لأربعة أطفال وهم "أحمد (17 عاما)، ومعاذ (11 عاما)، وحنين (9 أعوام)، وآية (7 أعوام)" كانت تظن أن منزل أقاربها وسط البلدة أكثر أمنا من منزلها المتاخم للشريط الحدودي، إلا أن قذيفة دبابة طولها 50 سم أطلقتها المدفعية الإسرائيلية اخترقت سقف المنزل ثم أصابتها في صدرها مباشرة لتنفذ من ظهرها، فاستشهدت على الفور وأصيب أبناؤها الأربعة وعدد من أقاربها بجراح.

 

وتضيف قديح وهي تشير إلى صالة وسط المنزل "كنا ثلاث عائلات نحتمي في هذا المكان، حيث كان القصف شديدا، وانهمرت عشرات القذائف الفسفورية والمدفعية فوق بلدة خزاعة، ولم نكن نتوقع أن تسقط إحدى القذائف بيننا، وتصيب حنان بشكل مباشر، وتابعت وهي تسترجع شريط المأساة "كان مشهدا مروعا، وصوت الانفجار هائل، وامتلأ البيت بالغبار، الذي ما إن بدأ ينقشع، حتى كشف عن جثة حنان وهي ملقاة على الأرض ونصفها العلوي اخترقته القذيفة".

 

وعن اللحظات الأخيرة للشهيدة، ذكرت صباح قديح أنها كانت تتابع الأخبار عبر الفضائيات، وسمعت أن عدد الشهداء بلغ 850 شهيدا، فتمتمت الشهيدة "يا ترى من سيكون الشهيد رقم 851" فكانت هي صاحبة الرقم، والتحقت بركب الشهداء.

 

لم تكن حنان إلا باكورة 18 شهيدا ارتقوا جميعا بفعل الآلة الإسرائيلية الهمجية، التي غرست أنيابها في أجساد المواطنين الأبرياء من بلدة خزاعة، التي لا تتعدى مساحتها 4000 دونما، ويسكنها 11 ألف نسمة، وقدر لها أن تكون في مواجهة فوهات المدافع ، ونهبا للجرافات الإسرائيلية، لمحاذاتها للشريط الحدودي الذي يفصل شرق خانيونس عن أراضينا المحتلة عام 1948.

 

عندما يزور ضيف بلدة خزاعة هذه الأيام، ما إن يصل مدخل البلدة، حتى يفاجأ بمنزل مكون من ثلاثة طوابق ويضم ست شقق، كان يسكنه ست عائلات، مدمر بشكل كامل واختلطت حجارته بأثاثه، إنه منزل المسن الشهيد خليل حمدان النجار (82 عاما) الذي استشهد بصاروخ أطلقته طائرة استطلاع، لا لجرم ارتكبه، سوى أنه حاول الخروج من باب المنزل لطلب النجدة والإسعاف بعد إصابة المنزل بعدة قذائف أطلقتها المدفعية الإسرائيلية.

 

المواطن صبري محمد خليل النجار أحد سكان المنزل المدمر، وحفيد الشهيد خليل، روى فصول الجريمة الإسرائيلية، عندما لاذ أكثر من 30 مواطنا من النساء والأطفال من سكان المنازل المجاورة لمنزله، هربا من الرصاص والقذائف العشوائية التي أصابت بيوتهم، ولجأوا إلى منزل الشهيد خليل النجار ظنا منهم أنه أكثر أمنا لبعده عن واجهة القصف".

 

وكما حصل مع الشهيدة حنان، أثبت العدو الإسرائيلي أنه لا مكان آمن، ولا أحد بمنأى عن بطشهم وجبروتهم وإجرامهم، فأطلقوا قذيفة فسفورية باتجاه المنزل الذي يأوون إليه، وأصابت المنزل بشكل مباشر، مما أدى إلى اشتعاله، ونشوب حريق كبير، وأتبعت القذيفة الأولى بقذيفتين أخرتين، سقطتا وسط المنزل، مما أدى إلى إصابة ستة أطفال.

 

بعد إصابة الأطفال الستة، حاول الجد المسكين الخروج من باب المنزل لطلب الإسعاف والنجدة، فرصدته طائرة استطلاع، وأطلقت باتجاهه صاروخا منعه من مواصلة مناشدته الإنسانية، واستشهدت معه حفيدته الطفلة آلاء خالد النجار (16 عاما) لتلحق بشقيقها الشهيد القسامي شادي النجار، الذي استشهد خلال تصديه لعدوان إسرائيلي سابق، وأصيبت والدتها وأحد أشقائها بجراح.

 

وأضاف صبري النجار "في هذه الأثناء حاول احد المجاهدين وهو الشهيد القسامي أحمد جمعة النجار مساعدة المصابين، فأطلقت طائرة الاستطلاع صاروخا ثان باتجاهه واستشهد على الفور، وأكد شاهد العيان ان سيارات الإسعاف لم تتمكن من الوصول إلى مكان القصف إلا بعد ساعة تقريبا، بسبب كثافة النيران التي كانت تطلقها الدبابات الإسرائيلية تجاه كل من يقترب من المنطقة".

 

ورغم أن الدبابات الإسرائيلية واصلت قصف المنزل بالعديد من القذائف، وفر من كان به من سكان من براثن الموت المحقق، أصر المخرج السينمائي للحملة الإسرائيلية على ختم المشهد بقصف المنزل بصاروخ من طائرة "اف 16" جعله أثرا بعد عين، وشرد ست عائلات أثخنتها الجراح.

 

إلى الشرق قليلا في حارة النجار، وفي شارع (عزات) بالتحديد، كان يتم تنفيذ مشهد آخر من الوحشية الإسرائيلية البشعة، بعيدا عن كاميرات الصحفيين، ولا أحد من خارج المنطقة كان يعرف ما يحصل هناك، بعد تعطل الاتصالات وغزارة القذائف الفسفورية التي أحرقت الأخضر واليابس ونتج عنها غبار كثيف ورائحة قاتلة.

 

يقول المواطن مسلم شوقي النجار أحد شهود العيان الذين كانوا في منطقة عزات "تقدمت باتجاهنا ثمان دبابات، وعشرات الآليات الإسرائيلية، وبدأت تجريف المنازل من الجهة الشمالية للمنطقة، دون إنذار، ولم يتسن لأحد من المواطنين ان يصحب شيئا من ممتلكاته داخل المنازل، كان الناس يخرجون من المنازل وهم يرفعون الراية البيضاء، فتجرف الجرافات منزلهم، بما فيها من أثاث".

 

دمّرت الجرافات الإسرائيلية أكثر من 15 منزلا بشكل كامل شمال شارع عزات، وكان الناس يتجمعون في باحة أحد المنازل القريبة، وبلغ عددهم حسب شهود العيان 150 مواطنا بينهم أربعة معاقين، وباتوا محاصرين بالرصاص والقذائف، وحاول بعض المواطنين ان يقفوا في وجه الجرافات الإسرائيلية فقامت إحدى الجرافات بحمل عدد منهم وإلقائهم أرضا، مما أدى إلى إصابتهم برضوض وجراح.

 

المسن يوسف النجار (60 عاما) وقف ثابتا أمام منزله، وهو يصرخ في جنود الاحتلال "اقتلوني ولا تهدموا بيتي" فقامت جرافة بحمله بمقدمتها وإلقائه بعيدا عن منزله.

 

وأكد شاهد العيان أن جنود الاحتلال احتجزوا بعض المواطنين واستخدموهم كدروع بشرية خلال تقدمهم في المنطقة، في حين كان بعض الجنود ينادون بمكبرات الصوت ليأمروا الناس بالتوجه إلى مركز البلدة.

 

قامت بعض النسوة باصطحاب أطفالهن في محاولة للفرار باتجاه وسط البلدة، إلا أن رصاص الغدر الإسرائيلي أطلق باتجاههن، مما أدى إلى إصابة المواطنة روحية النجار إصابة خطيرة، وأصيبت المواطنة ياسمين النجار بطلق ناري في القدم وآخر في اليد.

 

وأفاد مسلم النجار أن المواطنة روحية تركت تنزف على الأرض، ومنع جنود الاحتلال إسعافها، وأطلق النار باتجاه سيارة إسعاف فلسطينية حاولت نقلها إلى المستشفى، ولم تتمكن الطواقم الطبية من انتشالها إلا بعد انتهاء العدوان.

 

تمكن بعض الفارين من جحيم الاحتلال من إخبار سكان المنازل البعيدة نسبيا عن منطقة التوغل أن هناك مواطنة مصابة ملقاة على الأرض، وبحاجة إلى إسعاف، فهب أحد المواطنين ويدعى  محمود سليمان النجار (55 عاما) وهو يصرخ بأعلى صوته "كيف تركتم عرضنا في الشارع"، وحاول الذهاب إلى إنقاذ المصابة روحية، فأطلقت باتجاهه دبابة إسرائيلية طلقا ناريا ثقيلا عيار 800 أدى إلى استشهاده على الفور وخروج أحشائه من بطنه " كما أفاد نجله وسام".

 

لم يقتصر الإجرام الإسرائيلي بحق حارة النجار فحسب، ولكن طالت يد العدوان باقي المناطق في بلدة خزاعة، فاستشهد 18 مواطنا، وأصيب أكثر من 150 آخرون، وتم تجريف 80 منزلا في حارة النجار وحي آل طافش، ومنطقة أم الواد شرق البلدة، كما تم حرق ما يقارب 50 منزلا بالقذائف الفسفورية بحسب إحصائيات بلدية خزاعة.

 

ولا يزال سكان  بلدة خزاعة يلملمون جراحهم، ويتفقدون ركام منازلهم، ولا زالت رائحة الموت تظلل الأجواء، في حين تقف عشرات الأسر أمام ما تبقى من منازلها، تستذكر سنوات طويلة من الذكريات العائلية، فتعتمل في الحلق غصة، بينما تتوجه الأنظار إلى الدبابات الرابضة قريبا منهم داخل الشريط الحدودي، ولسان حالهم يسأل: بأي ذنب نقتل وتجرف بيوتنا؟.