خبر حلمي موسى : أوباما وإسرائيل واحتمالات التغيير في المنطقة

الساعة 06:26 ص|21 يناير 2009

كتب محرر الشؤون الإسرائيلية:

طغى تسلم باراك أوباما الرئاسة الأميركية أمس على الصحف الإسرائيلية وتغطياتها للحرب على غزة. وقد أشار ايتمار رابينوبتش الذي شغل منصب السفير الاسرائيلي لدى الولايات المتحدة إلى أنه »لا ريب أن انهاء الحملة في غزة يسهل جدا على اوباما تسلم مهام منصبه. آمل أن يكون أوضح له ان احد الاعتبارات في اسرائيل لانهاء الحملة كان وقف النار قبل اداء اليمين القانونية. آمل أن يقدر هذه البادرة الطيبة«. كما أن السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن داني أيالون يؤكد أن وقف حملة »الرصاص المسكوب« في غزة استقبلت بتنفس للصعداء في اوساط رجال اوباما.

ومع ذلك فإن المراسل العسكري لصحيفة »هآرتس« عاموس هارئيل يرى أن »الانسحاب السريع يأتي كجزء من تفاهمات بين اسرائيل ومصر. كما أن حماس كانت على علم، كجزء من محادثاتها مع المصريين، بان الجيش الاسرائيلي يعتزم الانسحاب في غضون وقت قصير من كل المواقع التي استولى عليها. ويبقي الجيش الاسرائيلي قوات نظامية كبيرة على مقربة من القطاع على سبيل التهديد«.

وفي كل الأحوال فإن المعلقين الإسرائيليين أسهبوا في الحديث عن التغيير الذي يمكن أن يجلبه أوباما إلى السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. ولكن ثمة حاجة لتقدير المصلحة الإسرائيلية في السلام. وفي ذلك ينقسم الإسرائيليون بين من يعتقد أنه لا مخرج لإسرائيل من دائرة الصراع، وخصوصا بعد حرب غزة، سوى بالتوجه نحو التسوية. وفي الأيام الأخيرة أكثر أدباء وسياسيون ومعلقون من الدعوة حتى للحديث مع حماس.

وهكذا، في »يديعوت أحرونوت« يكتب اشكول نافو بعد أن يفند الاتفاقات والانسحابات من طرف واحد أن »الطريقة الوحيدة التي حلت بها صراعات عنيفة في التاريخ هي التفاوض المباشر بين اطراف النزاع حتى لو كان حساب الدماء بينهم طويلا«. وبعد أن يعدد الأمثلة في العالم ومع مصر ومنظمة التحرير يبين أنه »بعد ذلك لم يلائمنا ان نحادث عرفات، ولم نفهم لماذا لم يستبدله الفلسطينيون. وعندما مات وحل ابو مازن محله لم نجر مفاوضة مع ابي مازن في الانفصال لانه زعيم ضعيف لا يقدم المطلوب. آنذاك انفصلنا عن غزة من طرف واحد بغير تفاوض وحصلنا على حماس التي قدمت من جهتها المطلوب، اي الصواريخ على سديروت«.

ويعتقد نافو أنه »مرة بعد اخرى تقع اسرائيل في شرك التصور المخطئ، الذي يقول انها تستطيع ان تقرر للطرف الثاني من يكون ممثلوه. لكن التجربة تدل على ان الوضع عكسي: فكلما ضيقت اسرائيل اكثر على زعيم عربي ما، زاد مقدار شرعيته عند ابناء شعبه. الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها اسرائيل الخروج من حصار الكراهية الذي دفعت اليه في الشرق الاوسط هي مفاوضة مباشرة لاعدائها. جميع اعدائها. بلا فرق دين وقومية وتعاطف. الآن خاصة بعدما اظهر الجيش الاسرائيلي بنجاح قدرته على الردع، يحسن التعجيل بمفاوضة ابي مازن (الذي برهن في الشهر الاخير على انه قادر بيقين على تقديم المطلوب)، وبدء مفاوضة مباشرة مع سوريا والسعي الى حوار الجهات التي هي اشد سلامة عقل في حماس، والا فاننا سنعيش على السيف ها هنا الى الابد«.

ويشدد أبراهام بن تسفي في »اسرائيل اليوم« على أنه »عشية اداء باراك اوباما اليمين القانونية رئيسا للولايات المتحدة، يلف الغموض خطوط سياسته في الشرق الاوسط، ولا سيما في ساحة النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، ومع ذلك واضح ان ما كان لن يكون مرة اخرى. التمييز بين محور الشر ومعسكر الحرية ستحل محله منظومة مركبة من المواقف ستنشأ عنها سياسة اكثر توازنا، سواء على المستوى الايراني ام في المجال الاسرائيلي ـ الفلسطيني. فالتماثل الجارف لبوش مع اسرائيل، الذي استمد قوته من مكافحة اسرائيل للارهاب (الذي بدا مشابها لكفاح الامة الاميركية)، من شأنه ان يغرق نحو الهوامش«.

وبعد أن يبين تقلبات السياسة الأميركية في المنطقة يشير إلى احتمال »أن تخرج مواقف اوباما عن الخطوط الهيكلية الاصلية لديه، ناهيك بان التجارب والدروس كفيلة هي ايضا ان تترك اثرها على سلوكه المستقبلي (مثلما طور الرئيس بوش الاب ضغينة شخصية تجاه شامير بلغت ذروتها في »ازمة الضمانات«). ويرى أن أوباما بعد انتخابه »عاد الى اللهجة الباردة والمتوازنة في مواقفه من النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، ما يدل على ان مواقفه الاساس تشبه بقدر اكبر مواقف الرئيس كارتر اكثر مما تشبه نهج سلفه في البيت الابيض. ولا تزال كل محاولة من اوباما لبلورة سياسة معارضة تجاه اسرائيل ستصطدم بكونغرس معارض بقدر لا يقل عن ذلك، علماً بأنه (الكونغرس) في الآونة الاخيرة عاد لتاكيد تأييده المطلق لاسرائيل بالنسبة للحملة في غزة؛ من المشكوك فيه ايضا ان يسعى الرئيس الى المواجهة مع حليف تقليدي في مرحلة مبكرة بهذا القدر من رئاسته«.

أما الخبير السياسي شلومو أفنيري فيكتب في »هآرتس« أنه »يصعب تعداد المقترحات التي طرحت على باراك اوباما بشأن الطريقة المناسبة لعلاج النزاع الاسرائيلي ـ العربي. كتب قدماء وزارة الخارجية وسفراء وصحافيون وجامعيون، وخبراء ومفكرون كتبا ومقالات وحضروا لقاءات في التلفاز، وقدموا تقارير ونقلوا مذكرات. يوجد امران مشتركان لكل المقترحات: فمع كل خبرة المقترحين، لم يخمن احد منهم ان باراك اوباما في يوم ادائه اليمين الدستورية سيضطر الى مواجهة ما يحدث الآن في غزة؛ تنحصر جميع المقترحات في سؤال كيف يحرز اتفاق سلام نهائي بين اسرائيل والفلسطينيين، وكلها تعتقد ان تدخلا اميركيا اعمق واشد تصميما سيأتي به«.

ويعتقد أفنيري الذي سبق أن عمل مديرا عاما لوزارة الخارجية الإسرائيلية أنه »يحسن ان نذكر ايضا في ساحة الشرق الاوسط ان الولايات المتحدة تستطيع النجاح في سياقين فقط: عندما توجد حرب تستطيع ان توقفها او تكبح جماحها. وبمقابلة ذلك عندما يتوصل الطرفان الى اتفاق بانفسهما، لكن لا تزال توجد بضع نقاط يجب حلها ـ كما كانت الحال زمن زيارة انور السادات للقدس او اتفاق اوسلو ـ فالولايات المتحدة تستطيع بالعصا والجزرة ان تدفع الطرفين الى اتفاق نهائي«.

ويحذر أفنيري أوباما من التسرع ويكتب: »اذا حاول اوباما ان يبدأ عملية حاسمة تشبه كامب ديفيد ٢٠٠٠ فسيحظى بتمجيد لحظة واعلام مُطر، لكنه سيفشل بحسب جميع الاحتمالات. يفضل محاولة احراز الممكن«.

لكن عوفر شيلح في »معاريف« يعتبر أن الشرق الأوسط يشكل تحديا لأوباما. ويشدد شيلح على أن »اوباما يقيم الجسور فوق عوالم، ولا ينتمي تماما الى اي واحد منها. ان برودة اعصابه التي لا تكاد تفهم، والتي اظهرها في سنتي معركة انتخاب متعبة كشافة، تنبع في نظر من مكان غير المنتمي الذي ينظر منه الى الناس والثقافات. انه اول شخص اسود سيكون رئيسا، لكنه ليس اسود اميركيا: فأبوه افريقي وأمه بيضاء، ونشأ في عالم هاواي واندونيسيا المتعدد الثقافات. وهو حر من قيود تاريخ النضال من اجل الحرية والمساواة الذي جربته زوجه ميشيل مثلا وفي وعيها اكثر منه. انه شخص درس العالم عن طريق الكلمات والمفاوضة، لا عن طريق تجريب صائغ تقرر بعده ان الحق معك.

ويضيف أنه »قد يكون لهذه الكلمات، »مُصالح« و»مرض« و»مقرب بين الآراء« معنى سلبي ايضا. قد يفهم منها، وهذا خوف تم التعبير عنه بالنظر الى اوباما اكثر من مرة، ان الرجل يريد ان يرضي بأي ثمن، وان مجرد المصالحة وعقد الجسور اهم في نظره كثيرا من العدل والمنطق، وانه قد يحجم عن استعمال قوة ما، يحتاج اليها رئيس الولايات المتحدة من آن لآخر. ليس الحديث فقط عن مسألة محددة، وهل نعترف بالحقيقة، في نظر الاسرائيليين سيتم امتحان اوباما في الاساس بعلاقته بايران، ونجاحه في احباط التهديد الوجودي الذي نتعرض له منها او مساعدة اسرائيل في احباطه، بل عن توجه للحياة والزعامة.

ويخلص إلى أن امتحان اوباما سيكون بتغيير هذا المبدأ من اساسه. اذا ادار سياسة يكون فيها المصالحة وعقد الجسور هما القوة، واذا رأى ان رؤية جالبي كل قطعة نقدية قوة لا ضــعفا وترددا، فانه قد يغير لا الــطريقة التي يرى عليها اميركيون كثيرون رئيسهم بل تصور العالم الغربي كله ايضا للزعامة.

ان الشوق الى »رجل قوي« عنصر ثابت في الديموقراطيات خاصة ومنتشر في الاساس بين اناس لم يجربوا قط نظام حكم رجل قوي حقا. اذا نجح اوباما في ان يبين ان »القوي« ليس بالضرورة من يعمل بالقوة في كل شأن، واذا بين ان مجرد حقيقة انك مستعد للمحادثة في كل شأن وان تدرك ان الطرف الثاني ايضا له حق خاص لا تعني انك تحجم عن تحقيق مصلحة الاشخاص الذين انتخبت لقيادتهم، فقد ينشأ في العالم كله طراز جديد للزعيم. ربما تجرؤ آنذاك ايضا دولة صغيرة في الشرق الاوسط على اختيار قادتها صدورا عن الامل لا عن الخوف وعدم الاختيار.