خبر مازن النجار: الميدان أكبر من غزة

الساعة 06:41 م|19 يناير 2009

فلسطين اليوم – اسلام اون لاين

الدكتور "مازن النجار" باحث وكاتب فلسطيني من أبناء غزة، ترك القطاع صغيرا لكن مشاهده ما تزال حية في ذاكرته، عاش في الولايات المتحدة أكثر من عشرين عاما قبل أن يتم ترحيله، حيث عمل مدرسا للغة العربية بجامعة فلوريدا الجنوبية، وهو حاصل على الدكتوراه في الهندسة، وله اهتمامات ثقافية وعلمية واسعة، وفي هذا الحوار يسعى إلى تقييم رؤية إستراتيجية للمقاومة، ولما يجري على أرض غزة من عدوان إسرائيلي، مؤكدا أن المشروع الصهيوني الاستيطاني شبيه بغيره من المشاريع الأخرى التي لا تخرج عن كونها مشاريع سرقة للشعوب وهو ما يحتم مقاومتها.

 

وأكد أن اللوم يجب أن يوجه للمقاومة الفلسطينية إذا قصرت في واجب المقاومة، لكن ليس من المنطقي توجيه اللوم لها على فعلها المقاوم، مشيرا إلى أن غزة ميدان تلتقي فيه الكثير من دوائر الصراع وأن ثبات المقاومة هو انتصارها، مؤكدا أن دخول خط الإسلام السياسي على الخط المقاوم في فلسطين أعطاها قوة وصلابة.

 

نص الحوار:

 

* ما هو تقييمك لما يجري في غزة؟

 

- في الحقيقة العدوان على غزة لم يكن متوقعا على أي حال من الأحوال، هذا العدوان بدأ تقريبا في أوائل 2006 واستغرق عامي 2007، 2008م، وحصار غزة هو طريقة من طرق الحرب بشكل أو بآخر لا يوجد بها إطلاق نار ولكن بها إيذاء وحرب بشكل أو بآخر.

 

والحقيقة أن الفصائل الفلسطينية في غزة ترفض تمديد التهدئة، وعندما ضربت إسرائيل الحصار التام في الاقتصاد وفي الوقود وفي الغذاء وفي كل أنواع المؤن والتموين فهذا لا يعتبر تهدئة، وعندما بدأت تغتال الناشطين وتضرب بعض المقرات وتقوم بأعمال حربية من هذا النوع ثم تقول التهدئة مستمرة.. فهذه ليست تهدئة.. والفصائل مددت التهدئة حتى نهايتها فهي لم تنهها عندما أنهتها إسرائيل.

 

والحقيقة أن التهدئة قد انتهت منذ فترة الحصار المحكم، كما أن استمرار إغلاق المعبر يشكل عبئا على الناس وحركتهم، وعندما وصلنا إلى ديسمبر 2008 قرت الفصائل بالاتفاق عدم تجديد الهدنة، وكانت خطة إسرائيل سابقة على إنهاء الهدنة وهذه الخطة أيضا كانت معلومة لدى الطرف الأمريكي -حسب بعض المصادر- وكان تم إقرارها أيضا من طرف الولايات المتحدة.

 

والتصور الإستراتيجي وراء هذه الحرب هو أن كسر غزة هو كسر حزب الله والتحالف الذي يعتبرونه تحالفا إيرانيا سوريا حمساويا، وهذا أيضا يختلف في بعض الوجوه، فبالطبع هذه الأطراف تتفق على مواقف كثيرة وبينها دعم متبادل، ولكن الحقيقة وجود التحالف أو لا؟ هذه مسألة يجوز فيها الخلاف.

 

تصفية الفكر المقاوم

 

* على المستوى الإستراتيجي، هل ترون أن ما يجري حاليا هو صراع بين مشروع مقاوم ومشروع "معتدل" حول فكرة المقاومة، وبالتالي فالميدان الحالي أكبر من غزة؛ إذ المراد تصفية فكرة المقاومة عالميا؟

 

- في البداية، ليس هناك مشروع معتدل، فهناك مشروع مقاوم، أما الموقف المعتدل فهو مجهول الركائز، وربما تقوم تلك الركائز على الاعتراف بإسرائيل كحقيقة واقعة، وإمكانية التعاون مع إسرائيل، وعدم اعتبارها عدوا أو خطرا، واعتبار إيران وأصدقائها عدوا أو خطرا.. وبالطبع أنا لا أدعو إلى اعتبار إيران حليفا بالضرورة، ولكن أرفض اعتبارها عدوا، ويتم غض النظر عن إسرائيل.

 

وأعتقد أن هناك خللا في الرؤية، فمشكلة القضية الفلسطينية ليست أن الفلسطينيين عندهم دولة أو ليس عندهم دولة، بل القضية الفلسطينية هي قضية الاحتلال، وإذا عدنا إلى الاحتلال فليس هناك أي قضية عربية مع إسرائيل، ففي أي اتفاقية من التي عقدها العرب مع إسرائيل لا يوجد نص على كلمة انتهاء الاحتلال؛ فهذا غير وارد نهائيا.. وهذا يطرح بقوة أزمة هذه التسويات، فهذه التسويات لا تصل في النهاية إلى إنهاء الاحتلال.

 

إسرائيل لا تتصرف في الضفة الغربية وغزة باعتبارها قوة محتلة بل باعتبارها قوة حررت هذه الأراضي وتتصرف بموجب هذا، ولا تقبل بشكل أو بآخر أنها تعتبر قوة محتلة، ولا تقبل بكل التبعات القانونية للاحتلال منذ عام 67 حتى الآن، فمنذ أكثر من 41 عاما وإسرائيل تتصرف وكأنها المالك الشرعي، وهذا بالطبع يفاقم الأزمة، ومن ناحية أخرى فالوضع العربي يزداد تهاويا؛ فقد سقطت المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل.. سقطت المقاطعة بالاتصالات.

 

فقد كانت معظم الدول العربية أو كلها تعتبر الاتصال بإسرائيل جريمة يعاقب عليها القانون والدولة، ولكنه الآن لم يعد جريمة، والاتصال أصبح واسعا، وأصبحت رؤية الدول العربية إلى المقاومة بشكل أو بآخر تقترب من رؤية إسرائيل وأمريكا؛ فهم على وشك أن يقولوا إن هذا إرهاب، وبعضهم قال هذا بالفعل على ألسنة إعلامييهم وصحفييهم؛ فأحد الكتاب الكويتيين حرض إسرائيل على مطاردة الناشطين وقتل حماس وقتل أفرادها، وليس هناك موقف إسرائيلي بهذا المحتوى؛ فالموقف الإسرائيلي: اذهبوا وصادروا سلاح حماس، وقلموا أظفارها، وامنعوها من القدرة على تهديد مدن جنوب إسرائيل بالصواريخ.. فبعض هؤلاء الكتاب أُشربوا العجل في قلوبهم، والعجل هنا هو العجل الإمبريالي الصهيوني الرأسمالي التدخلي.

 

* هل ترون أن مفهوم المقاومة يتم تفكيكه حاليا؟ وهل المقاومة كمفهوم عالمي حالة إنسانية ممكن أن تمر بها الشعوب في حالة الاحتلال؟ وما هي مساحة الالتقاء ومساحة الافتراق مع التجارب العالمية؟ وما السبيل إلى إنتاج فعل مقاوم عربي حضاري إسلامي إنساني نجدد فيه خطاب التحرير؟

 

- هناك من يتهم المقاومة بأنها هي التي أهلكت الناس، وأنها هي المسئولة عن القتلى والجرحى والدمار الذي لحق بالشعب الفلسطيني في غزة أو في غيرها؛ وهذا تسفيه للمقاومة.

 

وإذا نظرنا إلى تاريخ المقاومة في العالم فمدينة لينينجراد صمدت حوالي خمس سنوات، وخسرت ضحايا هائلة في سبيل ألا تسقط تحت سيطرة القوات النازية، وفي الحرب العالمية الثانية كانت ضحايا الاتحاد السوفيتي عشرين مليون قتيل، ومن أجل ذلك سميت الحرب العالمية الثانية: "الحرب الوطنية العظمى" باعتبار أنهم حاربوا أهم حرب وطنية في تاريخهم، وهذه الحرب للمفارقة هي التي صنعت عظمة الاتحاد السوفيتي فقد خرج منها جيشه مليئا بالدبابات والصواريخ والأسلحة الثقيلة، وبنى اقتصادا هائلا قادرا على الصمود.

 

والواقع أنه من الممكن أن يلوم الآخرون الفلسطينيين إذا قصروا في المقاومة.. لكن لا يلاموا إذا ضحوا وإذا صمدوا؛ لأن هذا هو الحد الأدنى المطلوب من الرجولة.. والحقيقة أن القضية الفلسطينية في هذه اللحظة ليست فلسطينية خالصة؛ فالقضية الفلسطينية هي أن عرب فلسطين يقفون أمام العدوان لكي لا يسمحون له بالامتداد والتغلغل في هذه المنطقة.. فلولا أنهم صامدون في غزة لكانت إسرائيل تعدتها إلى غيرها، ولولا أنهم صامدون ضد الاقتلاع في الضفة الغربية لكانت عبرت إسرائيل إلى الضفة الشرقية، ولولا أنهم صامدون داخل الخط الأخضر لأصبحت فلسطين التاريخية بدون صوت عربي وبدون وجه عربي، وهذا غير حقيقي الآن بسبب المقاومة.

 

المقاومة هي حالة من الشرف، فلا تبتغى لذاتها ولا تطلب لذاتها، ولكنها حالة من الشرف وحالة من القدوة، وحالة من الإباء والشموخ والعنفوان لابد منها لكي لا تسقط الأمم في التاريخ.. فنحن أمة ممتدة بدون انقطاع لآلاف السنين، فكيف يأتي جيل من الأجيال ويسلم ويقوم بعمل انقطاع في السردية التاريخية.. الأمم قصص، وكما يقول أحد العلماء: "الأمم سرديات" إذا انقطعت هذه السردية فهذا عار كبير على الأمة وعلى الجيل الذي سبب هذا الانكسار في سردية الأمة.

 

أنا أحترم كل التيارات الفكرية التي حملت الراية، سواء كانوا قوميين عربا أو كانوا من اليسار وغيرهم.. أنا أحترم كل هؤلاء الناس؛ لأنهم حملوا الراية لفترة من الزمن، بعضهم تعب، ومنهم من أُشرب في قلبه العجل، وبعضهم لا زال مستمرا، ثم تجددت هذه الحملة الوطنية بتيارات الإسلام السياسي.

 

وتيارات الإسلام السياسي على مستوى رؤية الدولة ورؤية الحكم من الممكن أن نقول فيها الكثير من النقد، ففي مواجهة العدو المغتصب يجب أن تكون المقاومة حالة راسخة لا يمكن التخلي عنها.

 

ففي كل مرة ينهض فيها الغرب يزحف علينا من الغرب إلى الشرق وعندها يصطدم مع حركاتنا العربية، وحركة الأمة العربية من الجنوب إلى الشمال؛ فنتقاطع مع الحركة الغربية في منطقة حوض البحر الأبيض، هذه المنطقة هي منطقة رباط دائم -كما تشير بعض النصوص الإسلامية- وينبغي الحفاظ عليها والتصدي لهشاشتها الإستراتيجية بالتعبئة المستمرة، فهذه المنطقة الهشة إستراتيجيا معرضة دائما للاختراق، ومن ثم فالانسحاب غير وارد.

 

أفق المقاومة

 

* هل أفق المقاومة يضيق في ظل ما يجري في غزة، وفكرة المقاومة حاليا يتم انتزاع أظفارها في أرض فلسطين؟

 

- لا أعتقد ذلك.. الناس دخلت مرحلة جديدة أو أفقا جديدا؛ فالمقاومة لا تضيق بل تتسع، ولكنها لن تؤدي إلى تطرف لأننا ليس عندنا بيئة للتطرف، ولكن عندنا بيئة مدنية مركبة، وبيئة ثقافية مركبة، وهذه البيئة تحتاج إلى مزيد من الإبداع.. والشباب الآن يتعلمون دروسا كثيفة ويخوضون تجربة من أصعب ومن أعقد التجارب في تاريخ البشر.. تجربة التصدي للعدوان في ظل ميزان قوى مختل اختلالا شديدا.. وهو مدعاة للفخر من كل حر في العالم كله.

 

فالإرادة البشرية تستطيع التصدي إلى العدوان رغم القنابل الفسفورية الحارقة، وبالرغم من اختلال ميزان القوى.. فالدم أقوى من السيف، واليد في مواجهة المخرز، وتستطيع اليد أن توقف المخرز برغم الألم الشديد وحجم الدمار الذي يخلفه العدوان الهائل.

 

والحقيقة لا تضيق مساحة المقاومة بل تتسع وتصبح أكثر تركيبا وأكثر تعقيدا وأوسع رؤية وتراكما في الخبرات وفي الإبداع.

 

* هل نستطيع أن نقول إن معركة غزة الآن تطلق شرعيات جديدة مثل معركة "الكرامة" التي أطلقت شرعية منظمة التحرير الفلسطينية في الستينيات؟

 

- ليس هناك جديد في الحرب في فلسطين، ولكن الجديد ما يحدث بغزة، فهل تتسع مساحة التأييد الشعبي والصمود داخل الشعب والأمة؟ فالشرعية تأتي من الدماء الذكية، والمجموعات قد تكون صغيرة قبل الشهادة لكنها بعدها تنبت وتتفرع وتصبح شجرة كبيرة.

 

مأزق اللاجئ

 

* ما هو تفسيرك السيكولوجي للصمود الفلسطيني وقد اختلف عن 1948، فهل هناك تغيير فعلي؟

 

- الجنرالات الإسرائيليون الذين يقودون الحرب لديهم خبرة في التهجير، ولم يتوانوا عن تهجير الناس وتشريدهم إن تمكنوا.. لكن تجربة الشعب في الهجرة الأولى والنزوح جعلت هناك تراكما هائلا لدى الشعب؛ ففي إحدى المقابلات التي قام بها مراسل فرنسي في أحد مخيمات الهجرة بالأردن في سنة 1968 سأل سيدة: لماذا خرجتم من دياركم سنة 1948؟ قالت إننا "تيسنا" وفكرنا بشكل خاطئ.

 

وهناك عامل آخر: وهو الموقف العربي الذي طلب منهم الخروج حتى تدخل الدول للحرب.. فخرجوا.. وكان الكثير منهم يعتقد أنه سيعود بعد أسابيع.. وهذا لم يحدث؛ فالصمود يعود للخبرة التاريخية ويعود إلى الجسارة التي كونها في مواجهة العدو الصهيوني، وكان عدد القوات الصهيونية أكثر من تسعين ألفا، وعدد قوات العرب ثلاثين ألفا، ومع ذلك فإن حرب 1948 أكثر الحروب التي خسر فيها الصهاينة.. وهذه مفارقة.. والسبب أن الإستراتيجية الصهيونية لم تتحقق بعد، وكانت الحرب التحاما على أرض المعركة الحقيقية..على فلسطين نفسها.. فتعلم الناس هذا الدرس وتعلموا العنف الصهيوني.

 

ففي أيام القذف الصهيوني أيام شارون وقفت سيدة في الستين من عمرها تخاطب شارون، وقالت له: لو فجرت كل المنازل فإننا جالسون ولن نخرج منها، وسنبني ما تهدمونه.. وأذكر في فيلم جنين عام 2002 لمخرج فلسطيني.. الفيلم انتهى بعبارة من طبيب الوحدة الصحية بجنين وهو يقول: "إننا جالسون حتى تقوم القيامة"، وهذا الأمر أصبح مستقرا في ضمير الشعب، وأن القتل أسهل وأقل سوءا من التشريد والتهجير.

 

ويدخل التشريد في عنصر الكرامة، ويشعر المتشرد بالإهانة من عدوه ومن أخيه العربي، والإساءة التي يلقاها المهاجرون الفلسطينيون لا تغري أي أحد بالتواجد في الدول العربية؛ فالفلسطينيون في المخيمات مستعدون للعودة لغزة والاستشهاد، ويعتبرون أن هذا أشرف لهم للرد على احتقار الآخرين، سواء العدو أو الأخ العربي؛ لأن اللاجئ يتذكر هوانه ويذكر الحالة غير الكريمة التي يعيش فيها.

 

فالشعب الفلسطيني أصبح أكثر قدرة على استيعاب العنف الصهيوني، وقد جربوه كثيرا، وهذا العنف ليس له بدائل سياسية، فليس لديه من حل سوى القوة؛ فالعنف الصهيوني يستطيع أن يضرب.. لكنه لا يستطيع تغيير التاريخ.

 

وكلما زاد العنف عبر ذلك عن أزمة وجود، فكل الكيانات الاستيطانية والادعاءات الصهيونية كاذبة وغير صحيحة، وكذلك مشروع الاستيطان الفرنسي بالجزائر، ومشروع استيطان جنوب إفريقيا، وكل هذه الاستيطانات لها خصوصية واحدة رغم تعدد الأهداف الخاصة بكل على حدة، فكل مشروع استيطاني فشل في التأثير على الشعب سيتفكك عاجلا أم آجلا، ووصلت العنصرية بأحد المؤرخين الإسرائيليين للقول بأن الزمن لو عاد لطرد كل الفلسطينيين من فلسطين.. لكن الوقت أصبح متأخرا لتدارك هذه الغلطة.

 

وبالنسبة لفكرة الإمارات الصليبية التي تحدث عنها "بن عامي" وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق في أن الكيان الاستيطاني يتحوصل حول ذاته، فهي فكرة صحيحة.. "مارتن فان كريفلد" أستاذ التاريخ بالجامعة العبرية بالقدس وهو صاحب نظرية الجدار العازل وهو أكبر عقل صهيوني إستراتيجي لا يجد حلا لوقف المقاومة إلا بقيام الجدار العازل، فهذا يعبر عن أزمة إستراتيجية رئيسية، وأحد الأسرار الرئيسية لتفكيك الكيان الصهيوني هو رفض المنطقة له ولن يتم الاعتراف بوجوده أبدا.

 

وعند النظر لتجربة جنوب إفريقيا نجد الميزان قد اختل لصالح الأقلية البيضاء وهي دولة قوية جدا، وتحوي ثروات كبيرة وكثيرة وغنية ولديها سلاح نووي، وكان طريقة تفكيكها أنه كان هناك قيادة من الداخل بقيادة المجلس القومي الإفريقي، ومقاومة من الخارج، وحصار كامل من الدول الإفريقية التي قطعت العلاقات معها لعنصريتها، وبمجرد رفع الأوروبيين الغطاء عن الكيان العنصري تم تفكيك المشروع، وأفرج عن نيلسون مانديلا، وبدأت المفاوضات على فك المشروع، وحين وقع منديلا على اتفاقية وقف النزاع المسلح وقعها بصعوبة وقال إن عدتم عدنا.

 

إذن يجب أن يصمد عرب فلسطين أمام هذه الهجمة الشرسة، والدول العربية يجب أن تقاطع وتصمد، وتقطع اتصالات مباحثات السلام، ونغلق دوننا ودونهم النوافذ والأبواب.

 

العامل الديني والصراع

 

* البعض يخلط بين إدارة الصراع وبين فلسفة الصراع، فهل يمكن تفسير المعركة على أساس الهيمنة الخارجية والغربية؟

 

- غزة تمثل قمة منحنى التحرر الوطني في هذه اللحظة في العالم الثالث التقليدي؛ فهي تمثل حق الشعوب المغتصبة في حريتها، وتفكيك المشروعات الاستيطانية الناتجة عن التفوق الغربي الاستعماري، وغزة تمثل على مستوى الثقافة والحضارة قمة الإيمان بالله عز وجل، فنحن لا نقاتل الدين اليهودي؛ لأنني أرفض تماما إعطاء المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي أي صفة دينية، كما رفض أسلافنا إعطاء الحروب الصليبية أي صفة دينية، وكانوا يسمونها بحروب الفرنجة، وهم مجموعة من اللصوص جاءوا لنا بمئات الآلاف ليحلوا مشاكلهم عندنا خاصة انفجارهم السكاني.

 

وما يجري في غزة هو صراع مع المادة والرؤيا المادية العولمية باعتبارها حالة من السلطة الرأسمالية المتغولة، وأحد نتائج هذه العولمة هو هذا التسليح الهائل عند الغرب وإسرائيل، وهذه القدرة الإعلامية الضخمة أو ما تسمى معركة العلاقات العامة، وكلها في الحقيقة تشاهد وتتابع أمام صمود الناس وهم لا يرفعون الراية البيضاء.

 

قد رأيت ولدا صغيرا احترقت عيناه ويتحدث بمنتهى الأمان والهدوء والتأمل ولا يتوجع، ولا يبدو عليه فزع، ويروي ما حدث له بكل أمان، وهذه في الحقيقة تجربة جديدة؛ فكل هذه العولمة بمفهومها المتغير كادت تضعف الإرادة الإنسانية، والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون من أجل الإنسان، واستخلفه في الأرض وكرمه وعلمه البيان، وفي الحقيقة أن الإنسان هو الذي يقهر العولمة بصموده وإرادته، ولذا فإننا نريد عولمة من أجل الإنسان.

 

ليست هناك حرب دينية.. هناك باحث أسترالي اسمه "لورينزو فيراتشيني" تناول فيه المشروعات الاستيطانية بعنوان: "إسرائيل والمجتمع الاستيطاني" كان يقول إن الموضوع ليس صراعا قوميا عربيا أو يهوديا؛ فهذا مشروع استيطاني، ودرس وذكر كل خصائص المشروع الاستيطاني، وفي مقدمتها: إنكار وجود صاحب الأرض، وعند الاعتراف بوجوده يعاد التفكير بوجوده بشكل أو بآخر، وما نراه من حجم الاستيطان الصهيوني يؤكد أن ما يجري ليس له علاقة بتاريخ ولا دين ولا سلالة تاريخية، وإنما هو مشروع سرقة.

 

* بالنسبة لدخول العامل الديني على المقاومة، هل أضعفها؟

 

- لقد أضعفها في جانب، وفي جانب زادها قوة، فالدكتور عزمي بشارة يؤكد أنه لم يتم تجديد الحركة الفلسطينية إلا بوجود إسلام سياسي، وهذا جانب إيجابي، فكل هذه الطاقة تم توجيهها ضد مشروع الغزو الصهيوني الاستيطاني، لكن هناك جانب سلبي؛ فكثير من دعاة هذا الجانب لا يدرك عالمية هذه القضية بما يكفي.

 

* لو انكسرت غزة فما التداعيات الثقافية والحضارية على الأمة؟

 

- أولا معنى انكسارها هو القضاء على المقاومة وتصبح دبابات الجيش الإسرائيلي تسرح وتمرح دون أي مقاومة.. لكن هذا لن يحدث؛ لأن العرب أيقنوا أن ثمن الصمود والاستمرار في المقاومة أرخص كثيرا من ثمن الاستسلام.

 

 

 

 

من أسرة إسلام أون لاين