خبر وللأسبوع الرابع من المحرقة.. غزة تصمد لتنتصر../ عبد اللطيف مهنا

الساعة 05:47 م|19 يناير 2009

19/01/2009  14:28 

 

تُذبح غزة هاشم... تنزف، تكابر، تقاوم، عنيدة أبيّة تصمد لتنتصر... تسطر هذه العصية على الكسر أسطورتها... ودمها الطهور المسفوح يصنع ملحمته، ويرسل فلسطين أغنية كونية تطوف أربع رياح الأرض... تُعلِّق غزة شهداءها القادة أوسمة من درجة ريان وصيام على صدر أمتها... الأمة التي تفتديها غزة بدمها، وتذود بأظافرها، بلحمها وعظمها، عن حياضها المستباحة، عن كرامتها، وتنتظر نصرتها... الأمة التي وحّدها الدم الغزاوي، وفرّق التخاذل أنظمتها أيدي سبأ... الأنظمة التي توزعت بين الممانع والمحايد والممالئ... الأنظمة التي غدا حالها حال التي تهرب من مستحقات القمة الواحدة الموحدة إلى القمم التي تحيل مواقفها إلى أخرى، وتفرّ بمواقفها القومية المستوجبة في ساح المواجهة إلى حيث متاهات مهازل المبادرات الغامضة وإشراك الحلول التهدوية، ولا تترفع، وغزة تنزف، عن صغائر الضغائن...

 

تُذبح غزة، وتعلم علم الدم المراق، أنها لثلاثة أسابيع خلت وحلّ رابعها قد عاشت محرقة موت ودمار وإبادة... محرقة تدرك أنها تظل هي الصغرى مقارنة بمحرقة سياسية كبرى موازية بدأت... محرقتان، متوازيتان، الأولى جهاد أصغر والثانية الأكبر... وغزة وهي تعيشهما لا تخشى هيستيريا الدم الصهيونية-الأمريكية المنفلتة، لا تخيفها ولا ترهبها ولا تفل بأساً لها طائراتهم ودباباتهم وبوارجهم وفوسفورهم... ولا مذكرة تفاهم ليفني رايس الأمني... وإنما هي تتوجس من كمائن جلعاد-سليمان التهدوية، وتعلم أن التهدئة تعني حصاراً، والمساومات تعني تنازلاً، والتنازلات تحصد دماً مسفوحاً، والتخاذل يعني إنساناً يستباح ووطناً يباد وقضية تصفًّى... ولهذا خيارها الذي لا خيار سواه هو أن تصمد، وقدرها الذي لا منجاة إلا به هو أن تنتصر...

 

* * *

 

تُذبح غزة هاشم، تنزف مستفردة وتقاوم، تصمد لتنتصر... ترفع رأس قومها... تدافع عنهم، تدفع ضريبة عجزهم الذي أذلهم مديداً ويذبحها راهناً... ويحزنها ويؤلمها أكثر من ذبحها أن تسمع بعضاً مما يروى:

 

يقال، أنه لاقترافه خطيئة طرده سفير جزاريها القتلة، ورداً على سابقة رفع العلم الفلسطيني تحت قبة برلمان بلاده، كافأ بعض الأشقاء أخاها غير العربي هوغو شافيز بإغلاق سفارة بلاده في بعض بلادنا!

 

... وعليه، تحار غزة، إذ لا تدري بماذا سوف يعاقبون ابن العم غير العربي موراليس، لاقتراف هذا الغريب البوليفي ما اقترفه ذاك المتطفل الفنزويلي المصرّ على نصرتها، الذي زاد فتطاول فأمعن تدخلاً في شأن عربي لا يعنيه عندما أزمعت بلاده التقدم بشكوى ضد مجرمي محرقتها أمام محكمة العدل الدولية!

 

لم يرق لغزة أن تأتيها أخبار تحكي أن اللاتين غدوا أكثر عروبةً من بني جلدتها، وأن أحفاد الهنود الحمر هم أكثر إسلاماً أو غيرةً على دمها من بني دينها... يوجعها حتى القهر أن تسمع بعض ما تسمع مما يشيع، والمحرقة دائرة، في ديوانية أخبار عار العجز العربي...

 

* * *

 

تُذبح غزة هاشم، تنزف شامخة وتقاوم، تصمد لتنتصر نيابة عن من خذلوها وقعدوا يوم الكريهة عن نصرتها، وانشغلوا عن وقفة عز مفقودة بنعيها والترحم عليها وحتى لومها، لدرجة التواطؤ مع ذابحها وحتى بعض مشاركته في ذبحها، وتعلن:

 

دمي يا أخوة يوسف عصيّ على الصفقات، كاشف لخبايا السمسرة ودفين المساومات، وفاضح لألاعيب التسويف ونصاب القمم الهارب... وشهدائي وجرحاي ولحمي... نسائي وأطفالي وشيوخي... ليسوا مجرد أرقام في بورصة الدم المعقود مزاداتها من حول أشلائي... دمي ليس موضوع مراثي القاعدين يوم النصرة، المستبدلين وامعتصماه بوضع أيديهم في جيوبهم، وإرسال ما تيسر من الأمصال والأدوية... وكفى الله المؤمنين شرّ القتال!

 

... وتقول... دمي ليس برسم جدل القمم الشائن، أو هو مسفوح هبةٍ تنتظر أسابيع لتهدى تقدمة آن تتويج سيدهم أوباما في البيت الأبيض... عربوناً يبدأ المتوّج به استئنافاً أوبامياً لذات البازار التصفوي... وخطوات أطلسة حصارها وتدويل مذبحتها!

 

... وللجميع تؤكد غزة... لا هدف حققه الأعداء سوى إنجاز التذبيح... يخبركم عن هذا حي الزيتون وحي التفاح، وملحمة واقعة تل الهوى... وهذا ما تنبئكم به جباليا والقرارة وبيت حانون وخزاعة... ألقوا عليها ما فاق قنبلة نووية في أسبوعين، وتقلّصت أهدافهم في الثالث، وفي الرابع هاهم يبحثون عن ثمة انتصار يعيد الإعتبار لآلة موتهم الهوجاء الهائلة العاجزة... تقدموا بضعة أمتارٍ فلاقوا إرادة عصيّةً على الإنكسار... غزة تصمد لتنتصر... لا تساوي غزة بين قمة غزة... قمة الحد الأدنى... قمة من مانع وتجنب شرخاً ولم يمنع فرزاً... وبين قمم التسويف التي تحيل مواقفها إلى الأخرى... وتفرّق بين من عجز أو تخاذل ومن تواطأ أو شارك... وهي إذ لا تنتظر ذيل فأرٍ من مخاض قمم خبرت، فهي إنما فضلت هزيل مردود تواضع على عار قعود قاتل... تراهن على صمودها وتظل تنتظر نصرة أمتها.