خبر مسيرة التخويفات.. معاريف

الساعة 11:46 ص|19 يناير 2009

بقلم: عاموس جلبوع

الحروب واوضاع الازمات تحطم بشكل عام المفاهيم الثابتة. هكذا حصل ايضا في حملة "رصاص مصهور". منذ فك الارتباط عن غوش قطيف وبالاساس منذ استولت حماس على الحكم في قطاع غزة، اعتقد المفهوم في اسرائيل بان عملية عسكرية واسعة، ستتضمن ادخال قوات برية كبيرة، هي الاسوأ. ومع ان هذه كانت امكانية درست، ولكنه درج على التفكير بان كلفتها واضرارها تفوق كثيرا مزاياها، وانه اذا ما اختارت اسرائيل عملية عسكرية، فان بانتظارنا كارثة.

هذه الفكرة ترسخت لدرجة انها اصبحت ايمانا دينيا ملأت مزاميرها وسائل اعلامنا. قالوا لنا أن لدى حماس قدرة عسكرية نوعية. ان مقاتليه الذين تدربوا في ايران ينتظرون الجيش الاسرائيلي بعيون مليئة بالقتل؛ وان لها منظومات دفاعية متينة، وان ستالين غراد هي لعبة اطفال بالقياس اليهم؛ وان الجيش الاسرائيلي سيتكبد خسائر فاحة للغاية لمئات القتلى والاف الجرحى؛ وان القتال، من اللحظة التي نتجاوز فيها الجدار، سيكون رهيبا؛ وان الدبابات ستحترق؛ وان الجبهة الداخلية ستصبح جحيما.

قالوا لنا اننا اذا دخلنا القطاع، فلن نعرف كيف نخرج. التعبير الاجنبي "exit" (خروج) اصبحت كلمة سحرية تعطل مسبقا دخول واسع الى غزة. وفي هذا السياق عادت لتصعد مرة اخرى الكلمة الهامسة: وحل. "الوحل اللبناني"، هكذا قالت القصيدة الدينية، "ستظهر بقعة بالقياس الى غوص الوحل الغزي". الفلسطينيون في يهودا والسامرة سيثورون، ستندلع انتفاضة ثالثة وحشية ورئيس السلطة ابو مازن سيسقط. وبشكل عام، قالوا، لا يمكن الانتصار في غزة. في عصر ما بعد الحداثة عندنا لا يمكن للجيش الاسرائيلي أن ينتصر، قالوا، ببساطة لا يمكنه. فلسفة كاملة نشأت حول قصر ايدينا على الانتصار.

الاسباب العميقة لهذا المفهوم تحتاج الى بحث اجتماعي، سياسي ونفسي على نحو خاص. واضح بما فيه الكفاية انه كان فيه بضع افتراضات منطقية فاشلة، وفي وسطها عدم الرغبة المفهومة لملاحظة الفارق بين حزب الله وحماس وبين لبنان وقطاع غزة.

لقد كان لهذا المفهوم بضعة آثار سلبية: أولا، دفعت دولة اسرائيل الى ترك أمن سكان الجنوب لمصيره. قلوبنا معكم، قلنا لهم، ولكن عليكم ان تواصلوا المعاناة الى أن نطور لكم "القبة الحديدية". عليكم أن تضحوا بقليل من الضحايا بين الحين والاخر، قالت الدولة لمواطني الجنوب، وذلك لاننا اذا دخلنا القطاع فسيقتل الكثير من الجنود.

ثانيا، على المستوى العملي، فقد الجيش الاسرائيلي الردع وعرض كجيش ضعيف، يخاف التصدي وجها لوجه مع مقاتلي حماس "الجسورين".

هذا المفهوم انهار، تحطم. فجأة تبين أن حماس هي نمر من ورق، كبار قادتها يختبئون ليس لديهم أي رغبة في ان يشتبكوا مع الجيش الاسرائيلي. فجأة تبين أن خسائر الجيش الاسرائيلي المبادر هي في الحد الادنى، معظمها من نار قواتنا؛ وانه بالتكتيكات السليمة نجح الجيش الاسرائيلي بالامتناع عن كل "كارثة" وعد بها. فجأة تبين أن الجبهة الداخلية متينة وان خسائرها واضرارها بالحد الادنى. فجأة تبين أن شعب اسرائيل مرصوص الصفوف ويؤيد الخطوة البرية. فجأة تبين أن المناطق لا تشتعل. فجأة طرح الفهم البسيط في انه عندما ننتصر، لا مشكلة في الخروج، ببساطة نقرر الخروج ونخرج. وفجأة تبين لها حقيقة اخرى: الجيش الاسرائيلي يمكنه ان ينتصر، وفقط أن يضحك على المشهد المستقبلي لزعماء حماس يخرجون من جحورهم ويعلنون مثل الفأر الذي زأر على الاسد، "انتصرنا بعون الله".

ينبغي بالطبع أن ننزل القبعة امام الجيش الاسرائيلي وامام الجبهة الداخلية. وفي نفس الوقت محظور أن نسكر من النصر. محظور أن نبدأ بالاعتقاد بان ما كان صحيح وجيد للساحة الغزية سيكون صحيحا لساحات قتالية اخرى. ويجدر بنا أن نتذكر جيدا بان النصر العسكري لم يترجم بعد الى انجاز سياسي حقيقي. الاختبار السياسي الحقيقي لا يزال امام القيادة السياسية الثلاثية عندنا وامام القيادة المستقبلية.