خبر دخان القصف على رفح ينقشع عن دمار هائل وتشريد لآلاف الفلسطينيين

الساعة 11:39 ص|19 يناير 2009

 فلسطين اليوم-غزة

أنقاض، وأكوام من الحجارة، وقطع متناثرة من الملابس والأجهزة. هذا ما تبقى من مئات المنازل التي دمّرتها آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية في عدوانها على قطاع غزة. ولمحافظة رفح الواقعة جنوباً، خصوصية في هذا العدوان، خاصة وأنها تقع على الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غزة.

 

هجمات القصف الجوي والمدفعي وجرافات الاحتلال الإسرائيلي، غيّرت معالم رفح في عدد من ليالي الرعب التي سجّلت فصلاً جديداً من المأساة الفلسطينية؛ ليصبح النهار على الآلاف المواطنين وقد وجدوا أنفسهم مضطرين لتجرع مرارة التشريد للمرة الثانية في حياتهم، بعد هجرة النكبة الأولى عام 1948.

 

رسمت التجاعيد على وجه الحاج محمود الشاعر (60 عاماً)، حكاية آلام التشرد عن البيت الواقع داخل فلسطين المحتلة سنة 1948. وقف الشاعر على أنقاض منزله الذي شيّده بدمائه ودماء أبنائه، وصرخ بكل وجع الدنيا قائلاً "أين السلام؟ أين منظمات حقوق الإنسان؟ حسبنا الله ونعم الوكيل على الظالمين وحكام العرب والمسؤولين، الذين يسكتون على هذا العدوان والدمار، الذي يصبُّه المحتلون على شعبنا يومياً، دون أن تتحرك مشاعرهم".

 

واحتضنت زوجة الشاعر، طفلتها "أمل" (9 سنوات)، وقالت "شرّدونا، خرّبوا ديارنا، كيف سنعيش؟!".

 

وتحدّث الشاعر، الذي هدمت قوات الاحتلال منزله إضافة إلى عشرة منازل أخرى لجيرانهم وأنسابهم، عن تفاصيل هذه المأساة التي تعيد العائلة إلى سنوات وعذابات التشريد الأولى، مشيراً إلى أنّ ما يقرب من ثلاثين صاروخاً أطلقتها طائرات "إف 16" سقطت على "منازلنا في حي الشاعر إلى الشرق من بوابة صلاح الدين، وطلب الاحتلال منّا عبر منشورات ألقاها من الجو بالرحيل وإخلاء منازلنا، وإلاّ سيتم هدمها بمن فيها وبما فيها".

 

أصيب الأهالي بحالة من الهلع والذعر نتيجة القصف  الإسرائيلي، وبدؤوا بالخروج من منازلهم وسط صراخ الأطفال والنساء، دون أن يتمكنوا من إخراج أي شيء من الممتلكات. وبدأت عملية القصف من الطائرات تجاه المنازل والمدنيين الفارين، ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين، وصلوا مشفى "أبو يوسف النجار" في رفح.

 

وقال سلمان قشطة، إنّ "الأهالي هربوا من الخوف والتهديد والوعيد بالقصف المدمر، غير أن الفارق في الإمكانيات مكّن الإسرائيليين من تنفيذ مخططهم الإجرامي؛ فتحوّلت المنطقة العامرة خلال أيام قليلة إلى أكوام من الأنقاض والحجارة؛ لتضاف إلى المناطق الأخرى، التي طالتها أعمال التجريف والهدم في رفح، ضمن أوسع عمليات تطهير عرقي ينفذها الصهاينة في ظل صمت العالم"، وفق تأكيده.

 

وتساءل قشطة "أين قرار مجلس الأمن (رقم 1860)؟ ولماذا لم تتدخل الدول في منع المأساة  الفلسطينية؟"، مؤكدا أنّ قوات الاحتلال لم تمهل المواطنين؛ حتى يخرجوا من منازلهم وإخراج ممتلكاتهم منها، بل بدأت في القصف مباشرة. وقد سارع عدد من الأهالي وقتها إلى مساعدة بعض العائلات على إخراج الأطفال من داخل المنازل، قبل أن تصلهم شظايا الصواريخ وعملية حصد الأرواح.

 

وأشار قشطة إلى بقاء الأثاث والمعدات الكهربائية، التي تظهر تحت الأنقاض والحجارة المتكومة من بقايا منزل العائلة الذي وُلد فيه، مؤكداً أنّ معظم أصحاب المنازل لم يتمكنوا من إخراج أي شيء؛ لأن العدوان بدأ بشكل مفاجئ.

 

ورغم ذلك، يبدو الإصرار والصمود على البقاء لسان حال الجميع، الذين وقفوا فوق أطلال منازلهم. أكد هذا الحال أحد الفلسطينيين، تجاوز السبعين عاماً، حيث رقد فوق أطلال منزله المدمر؛ وقال "مهما فعلوا، لن نرحل، وسنبقى في هذه الأرض أحياءً أو أمواتاً".

 

ورغم الدمار الكبير؛ عبّر السكان المكلومون عن "رفض الاستسلام وكافة المواقف المجحفة بالحقوق الفلسطينية"، مطالبين  بالعمل على انهاء الحصار وفتح المعابر وانهاء معاناة الشعب الفلسطيني. وقال عدد من المواطنين "التراجع كارثة كبرى".

 

وقال محمد يعقوبي "الإصرار على الرجوع إلى الوراء والاتفاقيات الهزيلة يمثل جريمة بحق شعبنا الفلسطيني، وتكريساً لهدر كرامة المواطن الفلسطيني الذي ذاق الويلات على مدار العقود الماضية".

 

وأضاف يعقوبي "نطالب الجميع بوضع حدّ لممارسات الاحتلال وعدم تكريس الاحتلال، وعلى المجتمع الدولي أن يفكّ الحصار ويفتح المعابر ويمنع الإجرام الإسرائيلي بحق شعبنا".

 

بدورها؛ اعتبرت المواطنة عايدة كمال، أنّ التراجع هو "تكريس للعنجهية الإسرائيلية في إذلال الإنسان الفلسطيني وهدر لكرامته الإنسانية"، وقالت "كفانا ظلماً وحصاراً، فليرفع الاحتلال يده عن رقابنا ولنعيش بحرية وأمان كباقي شعوب العالم".

 

وأضافت المواطنة الفلسطينية "أطالب المتحاورين في القاهرة بالعمل الجاد من أجل إنجاز اتفاقية ملزمة لإسرائيل تعمل على فتح المعابر أمام المحاصرين الفلسطينيين دون قيد أو شرط"، كما قالت.

 

وبينما يسود الشعور بتمكّن المقاومة الفلسطينية من حماية التجمّعات السكانية من اجتياحات متوقعة كان يعتزم جيش الاحتلال الإقدام عليها؛ تحدث المواطنون عن ضرورة استمرار المقاومة لدحر الاحتلال واعتبروها "خياراً لا رجعة عنه".