خبر ما العمل بعد مؤتمر قَطَر؟ ..رضوان السيد

الساعة 11:52 ص|18 يناير 2009

 

ـ الاتحاد الإماراتية 18/1/2009

قد يكون من المبكر بعض الشيء بعد مؤتمر قطر (وأنا أكتب عشية الجمعة في 1/16التنبؤ بما سيحدث خلال أسبوع أو أسبوعين. فقد دفع هذا المؤتمر باتجاه إعلان محور بزعامة إيران أعضاؤه من العرب بالإضافة إلى قطر وسوريا والتنظيمات الثورية الفلسطينية خارج منظمة التحرير، والتابعة لإيران، والمتمركزة في سوريا ولبنان. أما مؤتمر الرياض فقد أفاد في توضيح الأمور: مَنْ هو مع الانقسام العربي، ومن هو من جهة أخرى مع الإبقاء على الجامعة العربية، وعلى مجلس التعاون الخليجي؟ في مؤتمر الدوحة، كما سبق القول، جرى تظهير المحور التابع لإيران، والذي حضر وقائعه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. واللافت كان إعلان "الولاء" من جانب الرئيس السوري، والفلسطينيين. الرئيس السوري آمن للمرة الأولى -دون أن نعلم إذا كانت المفاوضات بينه وبين إسرائيل قد انقطعت- بأن ما أخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة، وأنه مع المقاومة طريقاً للتحرير. أما المبادرة العربية فقال إنه ينبغي أن يُعلَن موتُها الآن. ومشعل وجبريل وغير مشعل وجبريل قالوا إن "حَدَث" غزة عابر، وإنهم لن يقبلوا "التهدئة" بشروط إسرائيلية! والبقية تفاصيل. إذ المطلوب الآن إظهار الانقسام العربي، وأن هناك طرفاً تابعاً لإيران، والأكثر حساسية في أجزائه وأحشائه الداخلية سوريا. وذلك لأن رقبة "حزب الله"، ورقبة التنظيمات الفلسطينية المسلحة بيد النظام فيها. والآن يتبين على رغم العمل التركي والفرنسي خلال الأعوام الماضية أن الرقبة السورية أيضاً لا تزال بيد إيران. والأمل في الرشد "الحماسي" و"الجهادي" صار أضعَف. فما دام زهاء الـ1200 قتيل في غزة خلال عشرين يوماً ليس أكثر من حدث عابر في الوعي والتصرف؛ فكيف سيعتمد عليه الفلسطينيون في تحديد مستقبلهم، إذا كانت أرواحهم تُهدَر بهذه الخفّة، وعدم الإحساس بالمسؤولية ولا بالحد الأدنى من الحياء والشعور بالمأساة؟

لقد كنتُ أعتقد أن إيران أشعلت هذه الحرب لتحقيق هدفين: الإساءة إلى مصر والسعودية، والعرب الآخرين، إذ لم يستطيعوا حماية الشعب الفلسطيني، ولم يستطيعوا الإقناع بفوائد أو جدوى المبادرة العربية للسلام الشامل. والهدف الثاني: الضغط على سوريا لإيقاف المفاوضات مع إسرائيل والبقاء في المحور الإيراني. وفي سبيل تحقيق الهدف الثاني هذا حاولوا إقناع الرئيس الأسد أنه لا أمل خلال إدارة بوش، وأن الانتظار محمودٌ ولا ضَرَر منه. لكن الأسد أبى، وراهن على حماية النظام بأي شكل. وبعد أن يئس بالفعل من إدارة بوش، دخل مع التركي في عمليةٍ استراتيجية (أو تكتيكية) للاحتماء بإسرائيل، وإزعاج العرب الكبار، الذين جافَوهُ، بسبب تدخلاته السلبية في العراق ولبنان وفلسطين. والآن، وبعد تحقُّق الهدفين، كنتُ أرى أن الإيرانيين سيقبلون "هدنة"، يُفاوضون خلالها الرئيس الأميركي الجديد أوباما.

لا إيران، ولا سوريا طبعاً، تريدان إزالة إسرائيل. وإنما المقصود تقسيم العرب، وتثبيت مناطق النفوذ بالترهيب والترغيب. وإن غداً لناظره قريب.

لكنني الآن صِرتُ أكثر ميلاً إلى سيناريو آخر. فعندما بدا أن "حماس" لن تستطيع القتال طويلاً، بل قبل ذلك، أي قبل إنهاء "حماس" للتهدئة، بدأ الإيرانيون وأنصارهم في لبنان الهجومَ على مصر (وعلى السعودية). ولما نشب القتال بمبادرة "حماس" إلى إطلاق الصواريخ، صعّدوا اللهجة، وأرسلوا بعض الصواريخ من جنوب لبنان، وكثرت التحشدات الجماهيرية تارة تحت رايات "حزب الله"، وطوراً تحت رايات "حماس" و"المجاهدين" الآخرين. وكما في أول الحرب، دُعي في أسبوع الحرب الثالث إلى مؤتمرٍ استثنائيٍ بالدوحة من أجل فلسطين. والواضح أن ذلك كان بضغط من إيران ليس من أجل زيادة الضغط على إسرائيل؛ بل من أجل زيادة الضغط المعنوي والسياسي على مصر والسعودية. وعندها، حاول الملك عبدالله بن عبدالعزيز، التصدي لهذا التوجه بالدعوة إلى اجتماع قمةٍ لدول الخليج في الرياض، وقصده الحفاظ على وحدة مجلس التعاون بإنجاح قمة الكويت، والحفاظ على الجامعة العربية بعدم إنشاء كيانات ومحاور أخرى، وإنقاذ الفلسطينيين بالتشجيع على قبول المبادرة المصرية واحتضان القاهرة للتنظيمات على اختلافها من أجل العودة تحت السقف الواحد. وفوجئ الإيرانيون بهذه الحركة، كما باتجاه المبادرة المصرية للنجاح؛ فشجّعوا قيادة "حماس" في الخارج على الرفض، وأن تعقد قطر المؤتمر الذي التزمتْ به؛ وهكذا كان. وصحيحٌ أن الحضور بقطر قلّ بعد الرياض، وانخفض مستواه، لكن الغرضَ منه تحقق، بتزعُّم نجاد له، وبالإعلان من جانب سوريا والتنظيمات الفلسطينية عن اختيار المواجهة.

وفي عودةٍ للسؤال الأول: ماذا سيحدثُ الآن؟ هناك إمكانية لأن يكتفي الإيرانيون بهذه الانتصارات الثلاثة: إثبات عجز الجامعة العربية، وإعادة سوريا إلى الصفّ، وتبعية محور عربي وإسلامي لهم تدعمه جماهير واسعة. وبناء على هذا التصور، سيكتفون بهذه العُدّة، وسينصرفون للتفاوض على أساسها مع أوباما. لكنْ هناك إمكانية أخرى. إذ توشك "حماس" على أن تصبح تنظيماً منفياً ضعيفاً بين إيران وسوريا. كما أن إسرائيل استأسدت، وقتلت وجَرَحَتْ أُلوفاً من الفلسطينيين دون رادع. وبذلك فقد صارت صدقية "مقاومة" إيران تحت السؤال الضاغط. ولذا فهناك احتمال أن يعمدوا إلى إشعال الجبهة من جانب لبنان إظهاراً لقوة المحور الذي يتبعهم، وعلى قاعدة أنهم هم الذين بدأوا بإطلاق النار، فينبغي أن يفاوضوا هم عليه، وليس مصر. ثم إنهم يستطيعون في الحدّ الأدنى- إظهاراً للقوة- أن يوتّروا الأوضاع في الداخل اللبناني، وأن يظهروا سطوتهم ببعض الخطوات ضد الفرقاء السياسيين الآخرين ومنهم رئيس الجمهورية.

لكنْ مرةً أخرى يذهب عارفون بالأجواء الإيرانية/ السورية أنهم لا يستطيعون تحميل سوريا ولبنان أكثر مما يحتملان. فإطلاق الصواريخ الكثيفة على إسرائيل من لبنان، يعني هذه المرة -وكما أنذر الإسرائيليون مراراً- خراباً كاملاًَ للبنان، وضربةً قاسيةً لـ"حزب الله"، بحيث تنشلُّ قدرات إيران لهذه الجهة لأمدٍ قد يطول. ولذا يرجّح هذا الفريق أن تكتفي إيران بما أنجزتْ، وذروتُهُ إعلان المحور من قطر، وإعلان عودة سوريا إليه، وستكون نكْتةُ النُكَت أن ينضم لاحقاً ساركوزي وعون، باعتبارهما "رفاق" النضال ضدَّ إسرائيل ومعها!

إلى أين الذهاب؟ وما هو السبيل الممكن؟ أولُ شروط كفّ الشرّ الصاعد هذا: إيقافُ النيران الإسرائيلية على غزة، بكلّ سبيل. فلابد من تقوية جهود مصر، والسعْي معها لوقف النار. والعمل على جلاء الاحتلال عن غزة، وإغاثة أهلها. والخطوةُ الثانية -وقد صارت الآن أصعَب: إجلاس الفلسطينيين معاًَ على الطاولة المصرية لصياغة برنامجٍ وطنيِ فلسطينيٍ جديد، يجري على أساسه توسيع منظمة التحرير، وتوحيد السلطة، واستعادة مقولة الدولة الفلسطينية المستقلة بحسبانها جوهر المشروع الفلسطيني وغايته، وعاصمتُها القُدس. والخطوةُ الثالثة، وهي الأقرب؛ تتمثل في قمة الكويت. إذ ينبغي إعادة العرب للاتفاق على برنامج الحدّ الأدنى لمواجهة تداعيات القضية الفلسطينية، ومواجهة تداعيات مناطق النفوذ، وتداعيات الأزمة المالية العالمية.

وبصراحة؛ فإن الحرب على غزة -بغضّ النظر عمن أثارها- تركت آثاراً عميقة وغائرة في الوعي العربي، وتركت إحساساً عميقاً بالعجز والهوان. ومن هذا المنفذ يدخل الإيرانيون والثوريون وكل سُعاة النفوذ والانتحار في الوقت نفسه. ولذا لابد -وليس على طريقة الرئيس نجاد والرئيس الأسد- من التفكير بالخطوات العملية لإنفاذ المبادرة العربية للسلام. فالمبادرة خطة استراتيجية، وليست خطة عسكرية حتى يعلن الأسد ضياعها أو هزيمتها. بل إن هذه الخطة، التي تضمن تحرير الأرض وتسوية مشكلة اللاجئين؛ تشكّل مظلة قد تنشبُ تحتها الحربُ أو قد تُبلَغُ بالحرب كما بالتسوية. والرئيس الأسد ما مشى أبداً بالمبادرة العربية للسلام الشامل بحيث يعلن الآن التخلي عنها؛ بل سلك سلوك الفلسطينيين من قبل بالإقبال على التفاوض المُباشِر مع إسرائيل منفرداً وبدون التشاوُر مع أحد. لا إيران، ولا سوريا طبعاً تريدان إزالة إسرائيل. وإنما المقصود تقسيم العرب، وتثبيت مناطق النفوذ بالترهيب والترغيب. وإن غداً لناظره قريب.