خبر الاحتلال يستخدم بقذائفه سموماً بيولوجية تسبب سيولة بالدم تعجز كبار الأطباء

الساعة 10:28 م|16 يناير 2009

فلسطين اليوم : غزة

القاهرة - أحشاء بطنه بين يديه، بينما شظايا القذائف الإسرائيلية تحول جسده النحيل للوحة مفرغة، ومع ذلك لم تبك عيونه، ولم يطلق صرخة واحدة.. هكذا كان حال الطفل أحمد خميس 9 سنوات خلال دخوله لمستشفى الشفاء قبل استشهاده، قادما من حي تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة.

تلك المشاهد دفعت عشرات الأطباء العرب والأجانب الموجودين داخل القطاع للتصميم على كشف الجرائم الإسرائيلية بتوثيقها، وإرسال عينات من دماء الشهداء، والرصاص والشظايا المستخرج من أجساد الشهداء والجرحى لمعامل طبية عالمية لكشف تلك الجرائم.

أحمد ذو الأعوام التسعة، الذي وصل فجر اليوم الجمعة للمستشفى، كان ترديده للشهادة أسرع من محاولات الأطباء لإنقاذه، وأغمض عينيه بعدما اطمأن على والدته وإخوته الخمس الذين تنوعت إصاباتهم بين المتوسطة والخفيفة.

وبصوت باكٍ يروي الدكتور يحيى محمد، أستاذ الجراحة العامة بمستشفى القصر العيني -وأحد الطاقم الطبي المصري بقطاع غزة-  قائلا: "مات أحمد وسط ذهولنا.. قمنا بأقصى ما يمكن تقديمه لعلاجه.. إلا أن حالة سيولة دم الطفل كانت تتزايد ولا نعرف السبب... كما كشفت نتائج التحليل الطبي عن إصابة هذا الجسد النحيل بحالة تسمم بالأنسجة".

ويكمل: "أحمد لم يكن الوحيد الذي أصيب بتلك الحالة، بل سبقه العشرات من المصابين الذين وافتهم المنية ولم نستطع فعل أي شيء لإنقاذهم.. لم نصادف طوال حياتنا المهنية تلك الجروح والإصابات التي توحي بجرائم ضد الإنسانية يرتكبها اليهود ضد المدنيين الفلسطينيين؛ إنهم يبيدون أهالي غزة".

ويضيف: "عجزت خبرات السنوات من التعامل مع تلك الحالات التي تصل بين أيدينا وتوافيها المنية ولا نعرف كيف نتعامل معها.. سيولة الدم غير الطبيعية.. تعدد الجروح التي لم نر ولم نعرف مثلها من قبل.. والشظايا المسمومة تقتل العشرات أمام أعيننا".

ويلتقط د.محمد يوسف طرف الحديث بالقول: "لم نر مثل تلك الجروح في حياتنا رغم عملنا في العديد من مناطق الحروب على مستوى العالم".

وأضاف د.يوسف، الذي دخل القطاع منذ سبعة أيام: "أسلحة إسرائيل تحمل أدلة على جرائم حرب، فخلال عشرات الجروح التي شاهدناها نجد أن الرصاص مطلي بطبقة سموم بيولوجية تسبب سيولة بالدم.. وتسمم الإصابات في وقت قصير؛ مما يؤدي إلى الوفاة خلال ساعات قليلة، بطريقة تجعلنا عاجزين -رغم خبرتنا الطويلة- من تقديم العون للمصاب، هذا إلى جانب القنابل الفسفورية وما ينجم عنها من حروق وجروح مصدمة".

ويكمل يوسف: "رغم حالة الدمار والقصف المستمر وتدمير الأعصاب الناتج عن تلك الحرب والتي جعلتنا لا ننام أو حتى نغادر المستشفى، إلا أن الشعب الفلسطيني وخاصة الأطفال أعطونا درسا عظيما في الثبات والصبر والتضحية".

معركة بقاء

رهان إسرائيل على تعجيز الجيل القادم من الشعب الفلسطيني ليس لتحقيق هدنة على المستوى السياسي؛ ولكن هي معركة وجود وبقاء.. تحليل يقدمه الدكتور ناصر صابر أستاذ التخدير بالوفد المصري الذي وصل لقطاع غزة منذ أسبوع.

ويشدد على أن "ما يجري على أرض القطاع هي معركة وجود وبقاء.. وإن من يرى ويتعايش ويردد الشهادة مع كل لحظة يقصف فيه كل شبر من أرض قطاع غزة.. ليس كمن يشاهد شاشات الفضائيات والتقارير الإخبارية التي لا تنقل إلا 1% من حالة الدمار والانتقام الشرس الذي ترتكبه إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني".

وقال د.صابر: "الإصابات التي تصل إلينا معقدة ومتعددة بجسد الجريح الواحد؛ مما يستدعي تدخل فريق طبي متكامل؛ مما يتطلب توافر عدد أكبر من الأطباء وكذلك المعدات الطبية، وتوفير أماكن آمنة لتلقي العلاج".

وأوضح أن"الجرحى تجرى لهم العمليات الجراحية ثم يغادرون المستشفى على الفور؛ لتوفير المكان لجريح آخر".

لكن الطبيب الفرنسي الدكتور كرستو أوبرني أصر على ضرورة كشف الجرائم الإسرائيلية خلال اتصال هاتفي مع "إسلام أون لاين" من قطاع غزة قائلا: "ضميرنا الإنساني يدفعنا لكشف تلك الجرائم التي ترتكب بحق هذا الشعب الأعزل؛ فالأطفال يقتلون بين أيدينا.. القذائف لا تصمت فوق كل مدني ومسعف وطبيب.. وكأنها تريد إبادة من يسكن فوق تلك القطعة من الأرض وسط صمت العالم".

وأضاف: "رصاص مسموم داخل أجساد الأطفال النحيلة نتيجة الحصار المفروض على القطاع منذ عامين".

وأوضح الطبيب أنه تم أخذ عينة من الرصاص لتحليله في أكبر معامل التحاليل العالمية؛ "للكشف عن تلك الجريمة التي تقتل كل من تخترق جسده تلك الرصاصات المسمومة".

النجاة بالبتر!

ويؤكد كريستوفر أنه "لم يأت بكاميرات تصوير لتسجيل ما يحدث.. ولكنه سيخرج معه العشرات من الوثائق والتقارير الطبية التي تكشف تلك الجريمة".

ويكمل بنبرة يملؤها الأسى: "أصبحنا نجري العشرات من عمليات البتر في ظل عدم وجود إمكانيات طبية تساعدنا على استرجاع تلك الأعضاء إلى أماكنها".

وكانت السلطات المصرية قد سمحت لعدد من الأطباء المصريين والعرب في وقت سابق بالدخول لقطاع غزة الذي يعاني من نقص شديد في الكوادر الطبية والمستلزمات الطبية خاصة في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها القطاع منذ 27 ديسمبر الماضي.