ما علاقة فتح وحماس بصفقة القرن؟ بقلم: د. محمد مشتهى

الساعة 09:59 ص|10 يناير 2019

فلسطين اليوم

ما علاقة فتح وحماس بصفقة القرن؟ وكلمة السر هي...

بقلم د. محمد مشتهى

تشهد الساحة الفلسطينية منذ أن برز مصطلح "صفقة القرن" تبادل للاتهامات بين حماس وفتح حول الطرف المتساوق مع صفقة القرن، تلك الاتهامات برأيي هي أقرب لأن تكون مكايدات سياسية ليس أكثر، لكن ربما الحركتين ذاهبتين باتجاه صفقة القرن رغما عنهم، تماما كالذبيحة التي تمشي الى مسلخها وهي لا تعرف أنها ذاهبة للذبح، فصفقة القرن لم تعد سراً يتوارى، لأن مفاعيلها على الأرض بدت واضحة، بغض النظر ما اذا كانت تُطبّق بأيدي فلسطينية أم لا، بوعي أو بدون وعي، برغبة منهم أو بدون رغبة فميزان القوى الدولي هو المتحكم بذلك، لكن نحن الفلسطينيين لنا الخيار في مقاومة هذه الصفقة، فأبو مازن في الضفة عنده القدس والاستيطان وبإمكانه أن يقاوم صفقة القرن بما يليه من تلك العناوين المهمة التي تستهدفها صفقة القرن، وحماس والمقاومة  في غزة بإمكانهم مقاومة صفقة القرن بما يليهم بمنع قيام دولة بغزة والتي هي أحد مفاعيل تريدها صفقة القرن. أبو مازن لا يقدر يفرض صفقة القرن ولا يقدر يمنع صفقة القرن، وحماس كذلك.

إن قرار صفقة القرن تم اقراره، والصراع الحقيقي يبقى على الأرض، ونحن كفلسطينيين بمقاومتنا أو عدم مقاومتنا للصفقة هو الذي يحدد حجم الانسجام والتساوق معها من عدمه...أبو مازن يقول: أن ليس عندي جيش ولا قوة ولا قدرة لأمنع صفقة القرن، لكن عندي قلم لا يوقع عليها، فصفقة القرن بحاجة الى طرف فلسطيني يوافق عليها، نحن كفلسطينيين نستطيع أن نمنع صفقة القرن بإرادتنا السياسية....كيف ذلك؟

يقولون بأن أحد مفاعيل صفقة القرن هي دولة في غزة، وبالتالي في حال تساوق طرف فلسطيني وانسجمت أفعاله وأقواله مع اقامة دولة في غزة فهو بذلك يسهّل اتمام صفقة القرن، وفي حال رفض اقامة دولة في غزة قولا وفعلا، اذن هو ضد صفقة القرن، المعنى هو أن أفعال كل طرف في الميدان هي التي تحدد أن ذاك الطرف أو ذاك مع أو ضد صفقة القرن.

عنوان وجوهر صفقة القرن هو القدس والاستيطان واللاجئين، وهذا هو عنوانها الأساسي، وليس عنوانها دولة في غزة، لذلك ان الكثير من الفلسطينيين يؤشرون على العنوان الخطأ لصفقة القرن وهو دولة في غزة، معركة صفقة القرن الحقيقية بالضفة بالدرجة الأولى، صفقة القرن تعني تصفية القضية الفلسطينية، وتصفية القضية الفلسطينية تتم من خلال تهويد القدس واعلانها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني والغاء حق عودة اللاجئين ومصادرة الأراضي بالضفة ثم اقامة كانتونات للفلسطينيين تحت مسميات أكبر من حكم ذاتي وأقل من دولة أو أي صيغة أخرى يتم التوافق عليها مع الأردن، أما غزة فهي خارج حسابات صفقة القرن بل هي ربما تكون بمثابة جائزة ترضية للفلسطينيين بعد اتمام صفقة القرن، لتبقى غزة أمام العالم أنها الحاضنة والعنوان للفلسطينيين، وان رفض اقامة دولة في غزة وعدم التساوق مع ذلك هو بمثابة اعاقة لأحد مفاعيل صفقة القرن.

 

صفقة القرن ليست هي المعضلة، المشكلة في المشروع الوطني برمّته، حيث أصبح ملف القدس واللاجئين والاستيطان غير مطروح في أجندات المشروع الوطني الذي أستبدل بالأموال والحصار ومسيرات العودة والمناكفات والمكايدات السياسية بين فتح وحماس، غزة التي معظم سكانها ليسوا من غزة أصلا، بل هم من حيفا ويافا وعكا والسبع ومن كافة المدن والقرى المحتلة، والأصل أن يناضلوا من أجل عودتهم الى مكان سكناهم لا أن يركنوا في غزة ويتوهوا في تفاصيل ومفردات تبعدهم عن عودتهم.

هناك ضلالة في عقول الكثيرين حول صفقة القرن، ومن اليقيني أنه لا يمكن لأي طرف فلسطيني أن يقبل بصفقة القرن، لا من حماس ولا من فتح ولا من أي فلسطيني حتى لو أكلوا الحجارة، لكن اتمام صفقة القرن ممكن يُفرض عليهم ويصبح أمر واقع دون إرادتهم.

الوحدة الوطنية الفلسطينية هي أهم المعيقات لتمرير صفقة القرن وفي غيابها تغيب وحدة الموقف السياسي الذي هو مهم وحيوي لتمثيل الفلسطينيين في المحافل الدولية، وإن مخاطبة العالم والدعوات بأن أبو مازن لا يمثل الشعب الفلسطيني وفي المقابل قول أبو مازن من على المنابر الدولية أن حماس ميليشيات، مثل هذه التشوهات في الموقف والخطاب السياسي الفلسطيني تيسر وتنسجم مع صفقة القرن ولا تعيقها بل تمهد لاتمامها، التمثيل الفلسطيني الموحد بالخارج مهم والأصوات العديدة والنغمات الكثيرة تضر الموقف الفلسطيني ولا تفيده، وفي وجود تلك الحالة  أصبح المشهد الفلسطيني الدولي محل استهزاء من العرب وغير العرب، حتى من العدو الصهيوني، فذاك الصُحفي الصهيوني يقول: ان حال الشعب الفلسطيني ليس أشبه بالدولة الفاشلة بل هو كالقومية الفاشلة، وبهذا يقصد أن الشعب الفلسطيني صار كل يغني على ليلاه، فقد تحول الخصوم الفلسطينيين الى أعداء للأسف، أحدهما بغزة والآخر بالضفة، وكلٌ منهم له خطابه السياسي الذي يختلف عن الآخر.

ورغم ذلك فإن صفقة القرن وُلدت ميتة وستفشل كما فشلت كل المشاريع السابقة التي هدفت الى تصفية القضية الفلسطينية، لكن في النهاية مطلوب مقاومة تلك المشاريع وعدم الركون اليها، فالكل الفلسطيني يُجمع على رفض صفقة القرن.

الحركة الوطنية الفلسطينية، أين دورها في مقاومة صفقة القرن؟

ان كلمة السر في هذا الصراع هي: أننا لازلنا نحيا مرحلة التحرر الوطني أي أننا شعب تحت الاحتلال، وان استحقاقات التحرر الوطني تختلف عن استحقاقات الدولة، حتى أن المفردات والمصطلحات المستخدمة في مرحلة التحرر الوطني تختلف عن مفردات الدولة، فعلى سبيل المثال: عندما يُروّج مصطلح "التداول السلمي للسلطات" فهذه المفردة تليق بدولة قائمة، ولا تليق بشعب يقاوم الاحتلال، وبذلك يتم اسقاط مفردات يتم استخدامها للدولة على شعب لا يزال يقاوم الاحتلال، وهذا فيه ابتذال للمراحل، حتى العلاقات السياسية والوطنية تختلف تماما في مرحلة التحرر الوطني عنه عندما تكون دولة، وهذا ينسحب أيضا على المجلس التشريعي والوزارات والحكومات والسفارات والسلك الدبلوماسي وصولا الى الانتخابات، كل هذه المفردات تليق بدولة قائمة خالية من الاستعمار ولا تليق بشعب لا يزال تحت الاحتلال، وفي حال استخدام هكذا مفردات فإنها تُصبح وصفات للاقتتال الداخلي وتعميق الأزمات بين قوى التحرر الوطني وهذا ما نرى نتائجه على الأرض.....لذلك حركة الجهاد الاسلامي من أكثر الفصائل انسجاما مع نفسها، فهي في كل خطابها السياسي تتحدث عن تحرير الأرض ولا تتحدث عن الدولة، فهي تُدرك أن الدولة لم تأت بعد ومطلوب القتال من أجل تحرير الأرض ثم بعد ذلك تأتي الدولة...الانتخابات في الدولة، خوضها يعني حسم الوضع الداخلي لصالح طرف بعينه وهذا بالتأكيد يزيد من حدة الصراعات بين القوى المتنافسة مما يؤدي الى تقاذف الاتهامات فيما بينها، أما في مرحلة التحرر الوطني فإن التنافس بين قوى التحرر الوطني يتم في كيفية تعزيز الوحدة الوطنية لمقاومة الاحتلال، وليس على مبدأ الأغلبية والأقلية....ولننظر ماذا حدث الى المجلس التشريعي وانتخاباته التي جرت في مرحلة تحرر وطني، بعد سنوات تهاوى في ليلة وضحاها وتم حله لأنه مفردة من مفردات الدولة، وهو لا يستطيع أن يعيش في مرحلة ليست مرحلته ولا زمان ليس زمانه، فالمزارع لا يستطيع قطف الثمرة قبل نضوجها، وهكذا نحن الفلسطينيين لا يمكن لنا أن نعيش في دولة قبل تحرير الأرض....فالحل الفلسطيني يكون فقط بالتوافق السياسي على أساس مجابهة الاحتلال بهدف تحرير الأرض وليس من خلال الحلول القانونية المنسجمة مع أركان دولة تخلو من الاحتلال.