حاصر حصارك بالجنون وبالجنون- د. محمد مشتهى

الساعة 08:38 م|06 يناير 2019

فلسطين اليوم

لماذا قال الاحتلال عن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النّخالة أنه عبقري إلى حد الجنون؟

"الاسرائيليون" يقولون بأن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي لا يمتلك مشروع سوى مشروع المقاومة ضد "إسرائيل"، وهم يرون أن كل خياراته ومماراساته قبل ومنذ استلامه الأمانة العامة لحركة الجهاد الإسلامي هي خيارات وممارسات طابعها الحدة والتطرّف، وفيها الكثير من الوضوح، وأن لغته تثويرية، وتحمل الاستعداد والحماس الكامل لممارسة المقاومة ضدهم ودون تردد، وإن توافر مثل هذه الصفات بقائد في هذا الزمن يعتبر درب من الجنون من وجهة نظرهم، وأن يكون هناك قائد يرفع شعار المقاومة ولديه المقدرة على ايقاع الأذي بالاحتلال ويمتلك خيارات سياسية وتحالفات على مستوى الاقليم، هم أيضاً يعتبرون ذلك جنون.

أما العبقرية كونه يتّخذ الخيار الصحيح وهو أن "إسرائيل" هي العدو، ويركّز جيدا على هذا الخيار، ويعمل على تصويب الجهود لخدمة هذا الخيار...لأن الخيارات الأخرى البديلة هي إما تسوية مع "اسرائيل"، أو مراهنة عليها لتحقيق ابسط الحقوق للشعب الفلسطيني، وإن مثل هذه الخيارات تعتبر  خيارات غير عقلانية، لذلك فإن الخيار العبقري هو أن تختار خيار المقاومة....وهذا لا يعني ان " اسرائيل" فرحة لهذا الخيار، بالعكس تماما هم يعتقدون بأن هذا الخيار ضد ارادتهم وضد مخططاتهم، لذلك هم يعتبرون الأمين العام خطراً على "إسرائيل"، هو خطراً على المستوى الفكري وخطراً على المستوى السياسي، فهو لديه وضوح لا لبس فيه، يعلم ما يريد، وهدفه واضح.

هناك شعرة بين العبقرية والجنون كما يُقال، الإسرائيليون يعتقدون بأن الامين العام لحركةالجهاد الإسلامي بعبقريته وتبنيه لخيار المقاومة فإنه مستعد  في صراعه مع الاحتلال أن يذهب الى حد الجنون، ومن الممكن أن يُحدث حرائق في المنطقة بأسرها لأن حساباته تختلف عن حسابات الآخرين.

نزار قباني يقول في قصيدة له: (يا مجانين غزة الف أهلا بالمجانين إن هم حررونا ....إن عصر العقل السياسي ولي من زمان فعلمونا الجنونا)،  ومحمود درويش يقول: (حاصر جنونك بالجنون وبالجنون).... فالجنون مطلوب في بعض الاحيان، بمعني "عدم الحسابات"، وهنا المقصود بالحسابات المثبِّطة.

هذا العدو واضح، وهو يحتل الأرض، ولا يوجد عنده خيار سياسي سوى اقتلاع ما تبقى من شعبنا ليحل مكانه مستوطنيه، والافق السياسي معه مسدود، حتى الذين يقدمون تنازلات لم يأخذوا منه شيئ، هو يبني المستوطنات فوق الأرض الفلسطينية في الضفة والقدس وفي كل مكان يرغب به، هو يقول اعملوا لكم دولة بغزة اذا أردتم، وسأظل أحصاركم، في هذه الحالة وهذا المشهد السياسي نحن بحاجة الى الجنون الذي قال عنه درويش: حاصر حصارك بالجنون، وهنا لا يعني الجنون أن من يمارسه أصبح فاقد للأهلية وللعقلانية، بالعكس تماما، فالجنون هنا أنك وفي هذا الصراع وبهذه الطريقة أصبحت لا تراهن الا على نفسك، ووعيك، ومقاتليك ودماء شهدائك.

يقول الامين العام لحركة الجهاد الإسلامي: نحن الفلسطينيين إما أن نكون مقاتلين "لاسرائيل" أو نكون عمّال عند "إسرائيل"،  وبإعتقادي أن هذه هي نظريته والتي تتمثّل بإما أن نعيش سعداء او نموت شهداء، هذا هو جنون الأمين العام باختصار شديد، وهذا هو الواقع الفلسطيني لمن يريد أن يراه بوضوح.

لقد أصبح لدى الأمين العام عدم رهان على المعطى السياسي،  فهو لا ينتظر جحافل تأتي من الخارج لتحرير فلسطين، وفي السياسة لا يوجد آفاق بل يوجد انغلاق، والمقاومة بالنسبة "للإسرائيليين" جنون وهي بالنسبة للمطبعين جنون.

الجنون هو مقاومة "إسرائيل"، الجنون ان تنام وتصحى وعقلك ووعيك وسلوكك مقاومة، والخيار الغير المقاوم هو الجنون الحقيقي الفاقد للأهلية والعقلانية، الجنون الحقيقي هو ألا تقاوم وبجنون وسط هذا الانغلاق وانسداد الأفق، وقمة الموضوعية وقمة العقلانية وقمة المنطق أن تواجه المشروع الصهيوني بجنون المقاومة، الجنون الحقيقي هو من يراهن على تسوية "اسرائيلية"، الجنون الحقيقي من يراهن على المفاوضات، الجنون الحقيقي من يبيع الوحدة الوطنية مقابل وعود اسرائيلية...هذا هو الجنون الحقيقي الذي مكانه مستشفى الامراض العقلية..... أما من يتبني مشروع المقاومة ضد الاحتلال هو عقلاني لدرجة كبيرة من العبقرية

كلمات دلالية