خبر فلسطينية تحت القصف تتصل لتوديع أهلها.. وآخر يستغيث بينما يشاهد جثث أبناء شقيقه في الشارع

الساعة 08:29 ص|16 يناير 2009

فلسطين اليوم: غزة

«أنا متأكدة أن كل لحظة تمر تقربني أنا وأولادي الثلاثة وزوجي من الموت المحقق، بيوت جيراني قصفت. من النوافذ شاهدت جثث نساء أعرفهن وأطفالهن ملقاة على قارعة الطريق، بعضهن قتلن أثناء تحركهن في الشارع. والبعض الآخر دفع القصف الذي استهدف منازلهن بجثثهن للشارع. جدران بيتي لا تتوقف عن الاهتزاز. وكلما سمعت صوت صاروخ ينطلق من طائرة أو مدفعية، أشعر أنه سيسقط على بيتي. كونوا على ثقة بأني لا أبكي جزعاً من الموت، لكن ما يثير المرارة في نفسي أن أموت دون أن أراكم». هذا جزء مما يشبه «الوداع الأخير» الذي جاء على لسان علا عليان، 26 عاماً، التي تقطن في التخوم الشرقية لمخيم جباليا شمال قطاع غزة، عندما تمكنت أول من أمس من الاتصال بأمها وإخوانها وأخواتها الذين يقطنون مدينة دير البلح، وسط غزة.

ويقول خالد شقيق علا الذي نقل لـ«الشرق الأوسط» جزءاً من الحديث الهاتفي إنه وأفراد عائلته لا ينفكون عن البكاء تأثراً بما قالت، مشيراً إلى أن أكثر ما يثير المرارة في نفسه هو ذلك الشعور بعدم القدرة على عمل أي شيء للتخفيف عن أخته التي باتت ترى نفسها وعائلتها مع موعد محقق مع الموت لهول ما تمر به. وتعتبر المنطقة التي تقطن بها علا واحدة من أكثر المناطق التي تتعرض للقصف من قبل الجيش الإسرائيلي، اذ تقع أسفل منطقة جبل الكاشف شمال شرقي غزة التي ترابط فوقها دبابات الجيش الاسرائيلي وترد على كل إطلاق صاروخ بقصف عشوائي على المنطقة، من هنا، فإن الأهالي في هذه المنطقة يوطنون أنفسهم للقتل أو الإصابة بفعل الصواريخ والقذائف. وكما يقول بعض هؤلاء الأهالي فإن انتظار الموت أكثر وطأة من الموت ذاته. الدكتور بشير حوراني الذي عمل طبيباً في مستشفى كمال عدوان في جباليا قال لـ«الشرق الأوسط» إن أكثر ما تأثر منه هو وزملاؤه حتى الآن هو مكالمة تلقونها من شخص اتصل بالمستشفى طالباً النجدة، وليعبر عن مشاعر الفزع الذي تلم به وبأفراد عائلته وهم يشاهدون من نوافذ البيت جثث أبناء أخيه على قارعة الطريق بعد قصف اسرائيلي لمنزلهم، مشيراً الى أن الرجل كان يتحدث وهو ينتظر أن يحل بعائلته ما حل بأبناء شقيقه. ويضيف الطبيب أن الرجلَ تحدث بجزع شديد. لكن أحياناً وحتى عندما يختار بعض المحاصرين الموت، لا يتمكنون منه. إحدى العائلات المكونة من أب عجوز واربع من بناته، والتي تقطن في المنطقة التي تفصل منطقة جباليا عن بلدة بيت لاهيا، أقصى شمال القطاع.

فقد حوصر منزل العائلة لعدة أيام، وفي الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل كهدنة انسانية تستمر لثلاث ساعات من كل يوم، خرجت اثنتان من بنات العجوز لشراء بعض الحاجيات، فإذا بإحدى دبابات الاحتلال التي تقف على تل تشرف على المنطقة تطلق قذيفة صوبهما، فتقتلان على الفور. سمع العجوز وبنتاه الأخريان صوت الانفجار فخرجا لاستشراف ما حدث، ففجعوا برؤية الجثتين، فقاموا بإدخالهما للبيت، وما هي إلا لحظات حتى كانت إحدى الدبابات تتقدم صوب البيت، ومن مكبر الصوت يأمر الجنود أفراد العائلة بإخلاء المنزل فوراً، وإلا سيتم تدميره على رؤوسهم. في البداية أصرَّ العجوز على البقاء في البيت، والموت فيه، لكن بنتيه اللتين ظلتا ضمن الأحياء أقنعتاه بالخروج، فخرج الثلاثة، حيث قامت إحدى البنتين بحمل جثة إحدى الاختين، بينما تعاون العجوز الذي يعاني من إعاقة في رجله مع بنته الثانية على حمل الجثة الأخرى، وسارا لمسافة كلم، بينما كانوا يسمعون صوت قهقهات الجنود الذين أفرحهم المنظر.