خبر كتب حلمي موسى : وقف نار من طرف واحد ... أو احتلال غزة

الساعة 07:19 ص|16 يناير 2009

في اليوم العشرين للحرب الهمجية على غزة، تقف الحكومة الإسرائيلية أمام معضلة شديدة لم تكن في الغالب في الحسبان، وتتمثل في رفض حركة حماس، ومعها غالبية الفصائل الفلسطينية، إبرام اتفاق لوقف النار بالشروط المعلنة. ومن الجائز أن العنف الشديد الذي أبدته آلة الحرب الإسرائيلية في اليومين الأخيرين، أفصح عن نفاد صبر القيادة الإسرائيلية وارتباكها. ورغم ما تعلنه إسرائيل من إنجازات، فإنها تجد نفسها تتقدم نحو خط النهاية، الذي هو في الواقع تراجع إلى خط البداية.

فمنذ اليوم الأول للحرب أعلنت إسرائيل أنها تهدف إلى تغيير الواقع الأمني في محيط قطاع غزة، وأنها تسعى إلى توفير الهدوء لسكان المستوطنات المحاذية، ومنع تعاظم قوة حماس. وقالت أنها لا ترمي إلى القضاء على حركة حماس، وإنما إلى »خصيها« عن طريق إجبارها على القبول بمساومة تتمسك فيها بحكمها للقطاع وتتخلى عن المقاومة. غير أن هذه المراهنة لم تحقق المطلوب، وبقيت حماس على موقفها غير المساوم. وهكذا وجدت القيادة الإسرائيلية نفسها في وضع لا يمكن وصفه إلا بالورطة.

صحيح أن إسرائيل أعلنت أن هذه عملية متدحرجة وأنها لن تتوقف إلا بتحقيق أهدافها المعلنة. ولكنها لم تكن تتوقع أن تستمر حتى اليوم، ولا أن تضطر للتوغل في القطاع إلى هذا المدى. فالاضطرار لاحتلال القطاع كان في الواقع، بحسب بعض المعلقين، انجرارا لشرك تنصبه حماس. إذ لن يسهل على قوة الاحتلال إدارة الوضع في غزة من جديد، وليست هناك قوى محلية أو عربية أو دولية على استعداد لإدارة هذه المناطق بالتعاون مع إسرائيل، من دون أن تتهم بالخيانة. والأهم أن إسرائيل الرسمية لا ترى أن لها مصلحة في ذلك. ومع ذلك، فإن رفض المساومة من جانب حماس يضع إسرائيل أمام خيارين: وقف النار والانسحاب من طرف واحد باسم قدرة الردع، أو الانزلاق نحو إعادة احتلال القطاع، وتحمل مسؤوليته من جديد.

وهكذا، فإن الجيش الإسرائيلي في حملته الأشد منذ مساء أمس الأول بعد اتضاح صورة رد حماس على المبادرة المصرية، حاول توفير الأساس للاحتمالين. فقد توغل الى أقصى مدى ممكن داخل المناطق المأهولة، واستخدم النيران بكثافة هائلة على أمل توفير صورة انتصار. وثمة في إسرائيل من يعتقد أن النجاح في اغتيال وزير الداخلية في الحكومة المقالة سعيد صيام، يوفر مخرجا لادعاء »كي الوعي«. كما أن هناك من يدعي أن شدة التوغلات وكثافتها في المناطق المأهولة وحجم الدمار وشلالات الدم، جاءت لتوجيه رسالة تفيد بأن إسرائيل لم تعد تخشى شيئا، وأنها مستعدة للذهاب حتى النهاية.

وفي كل الأحوال، فإن إسرائيل حاولت في اليومين الأخيرين رسم صورة »اليوم التالي«، سواء للدفع نحو اتفاق لوقف النار، أو لإعلان هذا الوقف من طرف واحد. ويعتقد القادة في إسرائيل أنه بقدر ما تضغط الآن على الفلسطينيين، تكسب لاحقا أوقات هدوء. ويرى هؤلاء أن كل ما فعلوه في غزة ليس سوى تجسيد جديد لـ»نظرية الضاحية«. ومعلوم أن هذه النظرية تقوم على قاعدة الرد غير المتناسب والذي يتسم بانعدام الرحمة وكثافة التدمير وعدم القبول بأية خطوط حمراء. وهكذا استهدفت إسرائيل المدارس والمساجد والمستشفيات وسيارات الإسعاف والبيوت، بل والمقر الرئيسي لوكالة الغوث الدولية. ولاحظ المعلقون أن الجيش الإسرائيلي لم يحاول، كما فعل في لبنان، تنفيذ عمليات خاصة، واكتفى فقط باستخدام النار والنار الكثيفة.

ويميل كثيرون من المعلقين الإسرائيليين إلى الاعتقاد بأن مداولات الترويكا القيادية ليلة أمس، ركزت على تشجيع القبول بالمبادرة المصرية ودفع المجلس الوزاري المصغر في اجتماعه اليوم للقبول بها. غير أن قبول الإسرائيليين بالمبادرة، ولو بملاحظات، ورفض حماس والفصائل الفلسطينية لها أو لعدد من مقوماتها الأساسية، يعني أن لا مخرج راهنا من الورطة.

هل على إسرائيل أن تواصل أم يجب عليها أن تتوقف؟. فالداعون للتوقف بناء على مبدأ الردع، مضطرون للدعوة للهجوم من جديد في حال عدم توقف النيران من الجانب الفلسطيني. والفصائل الفلسطينية لا يمكنها السكوت وعدم الفعل سواء بسبب استمرار احتلال إسرائيل لمناطق في القطاع، أو حتى بسبب عدم وجود حل للقضية الفلسطينية عموما. وهذا يعني الوقوع في دائرة مفرغة من الهجمات والاشتباكات ومن دون تحديد صيغة للتعامل مع احتياجات عموم سكان القطاع. وهذا بالتالي يبقي المسألة الإنسانية في صدارة الاهتمامات الإقليمية والدولية، وهو ما لا تريده إسرائيل والعديد من القوى الإقليمية.

ومع ذلك، فإن العديد من القادة الإسرائيليين يراهنون على قدرة مصر على التوصل لاتفاق معقول مع حركة حماس. وهم يحاولون رسم الخطوط العامة لهذا الاتفاق على النحو التالي: هدنة لـ٤٨ ساعة، مهلة لانسحاب القوات الإسرائيلية من أراضي القطاع، اتفاق أولي مع مصر على آليات منع التهريب من سيناء، اتفاق مع أميركا على التعهد برعاية مساعي منع التهريب والمشاركة في الجهاز الاستخباراتي الدولي لهذا الغرض. وفقط بعد ذلك، تجري مفاوضات غير مباشرة مع حماس بوساطة مصرية على فتح المعابر وتبادل الأسرى.

ويمكن القول أن المواقف التي عرضتها حماس على المصريين، لا تقبل بأي حل لا يقود إلى فتح المعابر وفك الحصار. ولهذا السبب، يمكن القول أن الوضع يزداد تعقيدا من جميع النواحي، ميدانيا وسياسيا.