خبر أسباب استمرار العدوان .. باتريك سيل

الساعة 02:30 م|15 يناير 2009

ـ الاتحاد الإماراتية 15/1/2009

في الوقت الذي تدخل فيه حرب إسرائيل البربرية في غزة أسبوعها الثالث، يمكن القول إن هناك أربعة أسباب جوهرية لاستمرارها في هذا الذبح الجماعي للمدنيين الفلسطينيين دون كابح من ضمير، أو رادع من قانون دولي.

والسبب الأول بات أشهر من أن ينوه إليه، ألا وهو الضعف الفظيع لمجلس الأمن الدولي، وعدم قدرته على تنفيذ المهمة التي أنشئ من أجلها والتي تتمثل في المحافظة على السلم والأمن الدوليين، ولذا ينفضح الآن شلله وعجزه عن إيقاف العدوان الإسرائيلي الذي يرجع -إلى حد كبير- إلى العلاقة الحميمة للغاية، بل غير الصحيَّة في نظر كثيرين، بين إسرائيل والولايات المتحدة.

 لا ينبغي أن نتوقع من أوباما أن يجترح المعجزات، ولكنه، في الوقت نفسه، يجب ألا يسمح باستمرار النزيف في غزة.

أما السبب الثاني، فهو أن بعض القوى الفلسطينية التي لا تزال تحمل السلاح ضد إسرائيل، أصبحت تمثل العقبة الوحيدة المتبقية أمام الهيمنة الكاملة لإسرائيل على كامل أرض فلسطين التاريخية. والدولة العبرية تعرف أنها إذا لم تتمكن من فرض الاستسلام الكامل على تلك القوى ومن ضمنها "حماس" فإنها ستضطر، في الوقت المناسب، للدخول في محادثات سلام، والتنازل عن أراضٍ للدولة الفلسطينية التي ستنشأ في نهاية المطاف، وهو أمر سعت طويلاً إلى تجنبه.

السبب الثالث، هو الانقسامات الموهِنة في العالم العربي والإسلامي، والتي حرمته من أي قدرة فعالة على التأثير في مجرى الأحداث. وهذه الانقسامات متعددة طولية وعرضية، عمودية وأفقية، وتشمل: الانقسام بين الدول العربية "المعتدلة" و"الراديكالية"، والانقسام بين الدول التي أقامت سلاماً مع إسرائيل وتلك التي لم تفعل ذلك، وبين هؤلاء الذين يقيمون علاقات تعاون إيجابية مع أميركا وأولئك الذين لا يقيمونها، وبين من يكرهون إيران ويتوجسون من تحركاتها ومن يعتمدون عليها في الحصول على دعم، وأخيراً بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة.. والقائمة تطول.

وفي المعسكر الفلسطيني نفسه ليس هناك ما هو أكثر مأساوية من الحرب المدمرة بين "حماس" و"فتح" التي يجعل كلاً منهما صيداً سهلًا لتغول وعربدة إسرائيل.

أما السبب الرابع، وراء استمرار العدوان والمذبحة الراهنة في غزة دون كابح، فهو أنه لا إسرائيل ولا "حماس" مستعدة لوقف إطلاق النار في اللحظة الراهنة، لأن أياً منهما لم تحقق هدفها بعد من هذه الحرب المجنونة.

ويمكن بيان أهداف إسرائيل على النحو التالي بدءاً من الأهداف الأقل أهمية:

إيقاف الصواريخ التي دأبت "حماس" على إطلاقها على النقب، وتدمير الأنفاق الممتدة إلى داخل قطاع غزة للحيلولة بين "حماس" وبين إعادة التسلح، واسترداد القدرة الإسرائيلية على الردع من خلال استعراض كاسح وأهوج للقوة -في رسالة موجهة بالوكالة إلى "حزب الله"، وسوريا، وإيران، بقدر ما هي موجهة إلى "حماس"- والقضاء على طموحات الفلسطينيين في إنشاء دولة مستقلة من خلال إلحاق هزيمة ساحقة بهم. ومن خلال تحقيق "نصر حاسم" إجهاض أية محاولة من جانب إدارة أوباما القادمة لإعادة إطلاق عملية السلام.

أما أهداف "حماس" فهي على النقيض تماماً من أهداف إسرائيل (وهذا أمر طبيعي) وتتمثل في: النجاة من الهجوم الإسرائيلي الحالي والاستمرار في حكم غزة، والاستمرار في الأعمال المسلحة إلى أن ترفع إسرائيل حصارها عن القطاع، وإعادة فتح المعابر، وسحب القوات الإسرائيلية، وتقليص نفوذ "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية في القطاع بهدف الحلول محلهما في نهاية المطاف كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، وكسب الاعتراف بشرعيتها من المجتمع الدولي، وإجبار الاتحاد الأوروبي، ومن ثم الولايات المتحدة وإسرائيل، على إنهاء مقاطعتها والانخراط في حوار معها في نهاية المطاف.

ومن المعروف أن حماس قد رفضت قرار مجلس الأمن الدولي الصادر يوم الثلاثاء الماضي، والذي طلب من الطرفين وقف إطلاق النار، لأنه لم يتم التشاور معها بخصوص مواد القرار على الرغم من كونها طرفا في الصراع الدائر حاليا في غزة، ولأن القرار لم يتضمن أي نص على رفع الحصار عن القطاع وسحب القوات الإسرائيلية منه.

ومع ذلك، يمكن القول إنه في نفس الوقت تأثرت صورة إسرائيل بشدة بسبب المعاناة والأعمال الرهيبة التي ألحقتها بسكان القطاع العُزَّل.

أما في أوروبا فهناك الكثير من مشاعر الغضب والعار بسبب اضطرار الاتحاد الأوروبي تحت ضغط أميركي وإسرائيلي إلى "شيطنة" أي فصيل يقاتل إسرائيل ووصفه بأنه "منظمة إرهابية"، ورفض الاعتراف بفوزه في أي انتخابات تشريعية، كما حصل مع تلك التي جرت في الأراضي الفلسطينية عام 2006، وعدم قدرته على حماية المدنيين الفلسطينيين من مصير لم يكن متخيلًا. ولمعرفة حجم الغضب في أووربا يكفي أن نعرف أن دولة كفرنسا -على سبيل المثال- قد شهدت في العاشر من يناير الحالي ما لا يقل عن 80 مظاهرة، احتجاجاً على المذبحة الإسرائيلية البشعة.

وفي رأيي، أن الدولة الوحيدة القادرة على استعادة قدر من الرشد والعقل في الشرق الأوسط المضطرب هي الولايات المتحدة. والمطلوب منها، على نحو عاجل، هو القيام بمجهود نشط ومستمر بهدف تحقيق السلام الشامل.

فهل يستطيع الرئيس المنتخب أوباما إنجاز ذلك؟ إن بعض تعييناته الأخيرة وعلى الأخص اختياره لهيلاري كلينتون في منصب وزيرة للخارجية، لا تؤشر على أن هناك تغيراً وشيكاً سيحدث في سياسة أميركا الخارجية.

ومع ذلك، فإنه ليس هناك شك، في أن أوباما يدرك جيداً أن حرب بوش على العراق قد مثلت خطأً فادحاً في التقدير، وأن ذلك ينطبق أيضًا على "الحرب العالمية على الإرهاب". فهاتان الحربان اللتان خاضتهما الولايات المتحدة متأثرة في ذلك وعلى نحو لا يليق بدولة عظمى بنفوذ شراذم "المحافظين الجدد" المؤيدين لإسرائيل كانتا بمثابة استجابة أميركية خاطئة للهجمات الإرهابية التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر، كما ألحقتا أضراراً فادحة بسمعتها ومكانتها العالمية.

إن الوقت قد حان بالتأكيد لحل الصراعات الكبرى في الشرق الأوسط بدلًا من مفاقمتها. وبمجرد أن يتولى باراك أوباما مهام منصبه في العشرين من يناير الحالي، فإن السؤال الذي سيتبادر إلى أذهان الكثيرين في العالم هو: هل سيكون أوباما، وهو الرجل المثقل بآلاف المشكلات، والمقيد الحركة من قبل القوى المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة سواء من كان منها داخل الإدارة أو خارجها، مستعداً لاستخدام بعض من رأس ماله السياسي الثمين من أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح؟ لا ينبغي علينا أن نتوقع من الرجل أن يجترح المعجزات، ولكنه -في الوقت نفسه- يجب ألا يسمح باستمرار نزيف الدم في غزة، تحت أية ذريعة أو أي مبرر.