خبر الرصاص المسكوب: الرد العربي

الساعة 10:40 ص|15 يناير 2009

بقلم: افرايم كام

        (المضمون: برغم تهديد الدول العربية المعتدلة بالهجوم الاسرائيلي على غزة، فانها معنية بان يضعف هذا الهجوم حماس لان في ذلك اضعافا للمعسكر الذي تقوده ايران - المصدر).

        صورة الرد العربي على العملية

        في اليوم التاسع من عملية "الرصاص المسكوب" ، يتلخص الرد العربي على العملية بتطورات كما يلي:

        تستمر في انحاء العالم العربي والاسلامي مظاهر الغضب والاحتجاج على العملية وعلى المس بالفلسطينيين. تظهر هذه المظاهر في مظاهرات شوارع كبيرة، وبث تلفزيوني ونشرات في وسائل الاعلام وتصريحات ناطقين رسميين وافراد من الحياة العامة، تكرر فيها الدعوة الى وقف العملية من الفور وازالة الحصار عن القطاع.

        مظاهرات تأييد حماس تشجعها في الاساس حكومتا ايران وسورية، وحزب الله كذلك في لبنان. لكنها تبرز ايضا في مصر حيث يقف من ورائها "الاخوان المسلمون"، وفي الاردن – التي تنظمها فيه كما يبدو عناصر اسلامية وفلسطينية. ترمي المظاهرات الى احداث ضغط على النظامين لتشديد مواقفهما ازاء اسرائيل (سمع في الدولتين دعوات لالغاء اتفاقات السلام معها). حتى الان لم تخرج المظاهرات عن نطاق السيطرة، وتستطيع نظم الحكم مواجهتها. لكن النظم خوف التدهور الداخلي رأت حاجة الى تمكين الجماهير من "اخراج غضبها" والتحفظ علنا من العملية الاسرائيلية.

        يبرز بين الحكومات العربية موقف النظام المصري. فمن جهة ندد المصريون بعملية الجيش الاسرائيلي، وطلبوا وقفها من الفور بلا شروط سابقة، وبينوا ان هدفهم استعمال ضغط دولي على اسرائيل لوقف العملية وفتح جميع المعابر بين القطاع واسرائيل. ومن جهة ثانية القت مصر بصراحة المسؤولية عن التدهور ونتائجه على حماس ايضا، ورفضت طلب حماس فتح معبر رفح، الا ان تكون السيطرة عليه للسلطة الفلسطينية ومراقبين اوروبين، على شاكلة اتفاق المعابر في 2005. وقال مبارك ايضا انه لا يمكن ادخال مساعدة لغزة بغير مراقبة اسرائيلية. وكذلك يهاجم الاعلام الرسمي المصري ايضا حماس، كمستخدمة لايران لان سلوكها افضى الى التدهور. وكذلك يشترك رئيس السلطة الفلسطينية ابو مازن، الذي زار القاهرة هذا الاسبوع في القاء المسؤولية على التدهور على حماس.

        امتنعت حكومتا الاردن والسعودية حتى الان – باعتبارات حساسية داخلية كما يبدو – على المضي في طريق مصر وانتقاد حماس علنا، برغم ان من المحتمل افتراض انهما تنتقدانها ايضا. مع ذلك كان يمكن ان نسمع في كلام وزير خارجية السعودية في لقاء وزراء خارجية الجامعة العربية في القاهرة نغم انتقاد لحماس.

        تقوم على رأس المعسكر المضاد ايران وسورية وحزب الله، التي تؤيد حماس تأييدا تاما. بل ان حزب الله هاجم مصر لمساعدتها اسرائيل، ودعا الى احداث ضغط داخلي من قبل الجيش ايضا على النظام المصري ليضطره الى تأييد حماس.

        حتى الان لم يتبلور عمل عربي مشترك ناجع لعلاج الازمة. فقد اكتفى وزراء خارجية الجامعة العربية بالقرار على جهد مشترك ليجيزوا في مجلس الامن قرارا يدعوا الى وقف العملية، وأرسلوا الى نيويورك وفدا يضم ثمانية وزراء خارجية عرب. يشك في ان تثمر هذه الجهود نتائج حقيقة، وبقيت دعوة رئيس سورية الى عقد قمة عربية بلا استجابة حتى الان.

        المعاني

        لا شك في ان اكثر الدول العربية، وبيقين المعتدلة منها، متحفظة وقلقة لسلوك حماس وسيطرتها على غزة. فهي ترى حماس جهة راديكالية تتصل بايران، وتمنع تسوية اسرائيلية – فلسطينية وتسهم في عدم استقرار اقليمي. ان ولاية حماس السلطة في غزة والتأييد العسكري الذي تبذله لها ايران وحزب الله تراه الحكومات المعتدلة جزءا من تعزيز محور ايران – العراق (الشيعي) – سورية – حزب الله بازاء المعسكري السني المعتدل. من هذه الجهة توجد الدول العربية المعتدلة بين تقديرين متناقضين: فمن جهة لها اهتمام – من البين انها لا تستطيع الاعتراف به علنا – بأن تضعف عملية الجيش الاسرائيلي حماس بل ان تسقطها. من جهة ثانية ترى من الواجب عليها مساعدة السكان الفلسطينيين في القطاع الواقع في ضيق شديد، في حين تؤجج شعور الواجب هذا مظاهرات الشارع في العالم العربي.

        ترى مصر فوق الجميع، حماس تهديدا وعدوا لاسباب اخرى ايضا – ولا سيما بسبب صلة حماس بـ "الاخوان المسلمين" ، "الذين يحدثون التهديد الرئيس للنظام المصري" والمصريون قلقون ايضا من امكان نشوء دولة حماس التي تتصل بايران وحزب الله ، على حدود مصر ويلحظون على سلوك حماس بصمات ايران. لا تريد مصر دخول نشطاء حماس ارضها بلا رقابة، حين نشأ في سيناء فراغ امني يقلقهم، وفي حين تحدث حماس صعابا واحتكاكات في العلاقات بين مصر واسرائيل. لهذه الاسباب ثار قادة مصر على نحو بارز غير مسبوق على حماس – وان القوا بعض المسؤولية على اسرائيل. ترمي الشروط التي حددها مبارك بازاء مطلب حماس فتح معبر رفح الى نقض مكانة حماس كحكومة شرعية ومكانة القطاع ككيان مستقل عن السلطة الفلسطينية.

        بمقابلة ذلك يريد محور – ايران – سورية – حزب الله استغلال الازمة لتعزيز تاثيره كعنصر رئيس في القطاع، وفي الساحة الفلسطينية عامة، وتغذية الكفاح المسلح لاسرائيل على الدوام. يريد هذا المحور ايضا التاثير في علاج وقف اطلاق النار وشروطه ونتائجه، وزعزعة مكانة مصر على انها الجهة العربية الرئيسة التي تتوسط بين حماس واسرائيل. ولما كان اكثر الحكومات العربية تتحفظ من حماس ونشاطها وتقلق له، فان الطريقة التي يريد المحور المتطرف التأثير بها على الاحداث هي تحريض الجماهير – الذين يكشفون عن مشايعة للفلسطينيين ويتاثرون بنشرات التلفاز عن المشاهد الصعبة في القطاع – على الحكومات المعتدلة لاضطرارها الى التشدد على اسرائيل ومساعدة حماس.

        ان اختلافات الراي بين العرب تبين مرة اخرى الضعف الراسخ المتصل للعالم العربي، وعدم الزعامة فيه وتصعبه صياغة واتخاذ موقف وعمل مشترك. احدى نتائج هذا الضعف الى جانب عدم تشجيع حماس من قبل اكثر الحكومات العربية – هي ان حماس والسكان الفلسطينيين في القطاع يجدون انفسهم تحت ضغط عسكري اسرائيلي كثيف من غير ان يجد العالم العربي طريقة، في هذه الاثناء على الاقل، لمساعدتهم بقدر حقيقي. مع ذلك من الممكن، كلما طالت الازمة، ان تتآلف الدول العربية على الاتصالات والخطوات لاحراز تسوية لوقف اطلاق النار.

        يمكن ان نرى ضعف العالم العربي في سياق اوسع. في السنين الاخيرة ضعف المعسكر المتطرف العربي، بعد ان اسقط نظام صدام حسين في العراب وغير نظام القذافي في ليبيا نهجه. من جهة ثانية ترى الدول العربية المعتدلة أنفسها تحت تهديد يزداد للمحور الشيعي المتطرف بزعامة ايران. هذا التهديد يجعل من الصعب عليها ان تصوغ عملا مشتركا في قضايا اخرى ايضا مثل الرد على التهديد الذري الايراني وصوغ موقف مشترك فاعل بازاء المسيرة السياسية في القضية الفلسطينية.

        من اجل ذلك كان هنالك زمن حرب لبنان الثانية توقع غير معلن للمعسكر العربي المعتدل ان يوجه الجيش الاسرائيلي ضربة شديدة الى حزب الله. خاب هذا التوقع. الان يعود هذا التوقع مرة اخرى في ضوء المواجهة العسكرية بين الجيش الاسرائيلي وحماس – اي ان تتلقى حماس ضربة شديدة تقوض مكانتها في القطاع وفي الساحة الفلسطينية. اذا حدث هذا واذا صيغ في اثر نجاح عسكري اسرائيلي مسار سياسي يفضي الى ان تحظى السلطة الفلسطينية بمكانة في القطاع من جديد – فسيفسر ذلك على انه ضربة لحماس وسيحظى المعسكر العربي المعتدل بانجاز يقوي مكانته بازاء المحور الشيعي المتطرف.