تقرير في الذكرى "25 عاماً".. أنور عزيز أول "ملثم" واستشهادي في الانتفاضة

الساعة 12:04 م|16 ديسمبر 2018

فلسطين اليوم

تمرُ علينا ذكرى استشهاد صاحب أول منفذ عملية استشهادية شهدتها فلسطين المحتلة قبل 25 عاماً، الذي فتح باب عهدٍ جديد في ضروب الجهاد والمقاومة ضد الاحتلال "الإسرائيلي"، بحق ما اقترفه من جرائم ضد الإنسانية بحق شعبنا من قتلٍ واعتقال وتشريد.

الشهيد أنور عزيز منفذ أول عملية استشهادية على حاجز عسكري كان يتجمع به جنود الاحتلال "الإسرائيلي" في "ناحل عوز" شرق مدينة غزة، حيثُ اعترف العدو عن إصابة العشرات من الجنود ، وهو ما أرق رجال مخابرات الاحتلال عن تطور في أساليب المقاومة، لتبقى ذكراهُ خالدة يتوارثها الأجيال بعد سنين حتى تحرير فلسطين المحتلة كاملاً.

نشأة

ولد شهيدنا المجاهد أنور عبدالله عزيز في رحم مخيم الثورة مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وذلك في 1965-1-5، ليبدأ بزوغ فجرٍ جديد مع هذه الولادة رجل حَمِل همّ الدين والوطن منذُ نعومة أظافره، للدفاع عن شرف هذه الامة العربية والإسلامية وجعل قضية فلسطين حاضرة في الميادين ومتصدرة لجدول أعمال هذه الامة.

نشأ شهيدنا في أسرة محافظة ومتدينة على تعاليم مفاهيم الدين الإسلامي الحنيف، وترعرع في بيئة مُخلصة هَما الوحيد هو الدفاع عن تراب فلسطين التي اُحتلت عام 1948 على أيدي العصابات الصهيونية، تَحمل شهيدنا منذُ صغره الصبر وصعاب الحياة، حيثُ ولدَ يتيماً وتوفى والده وهو في سِن العاشرة من عمره، وتربى بين أخوته الثمانية في بيتٍ متواضع لا يعرف الراحة في الكفاح من أجل تحرير فلسطين، وهذا ما أعطاه حقيقةً دافعاً من تحمل المشاق والصعاب في طريق الجهاد والمقاومة.

التحق شهيدنا في التعليم الابتدائي والإعدادي في مدارس "الاونروا" بمخيم جباليا ثم أكمل دراسته الثانوية والتحق بعدها دبلوم مهني "صناعة" في أواخر الثمانينيات، وتَميز بالفطنة والسرعة في الحفظ والفهم كما أكد لنا أقرانه الذي واكبوه أبان فترة الدراسة.

وتزوج الشهيد أنور في أعقاب زخم أحداث اندلاع ثورة الانتفاضة الأولى ضد الاحتلال "الإسرائيلي"، وأنجب ثلاثة أبناء وهم" إسراء، أحمد، أنور".

طريق الجهاد

حَملَ شهيدنا البطل أنور عزيز مفاهيم الجهاد والشهادة في سبيل الله عزّ وجل على العقيدة الإسلامية الصحيحة، ليجسد ذلك حبهِ في الدفاع عن الوطن فلسطين ليرسم طريق الحرية والاستبسال والتضحية من أجل الدفاع عن مقدسات الامة.

قاد شهيدنا الحُشدات الجماهيرية في مخيم جباليا أبان اندلاع ثورة الانتفاضة الأولى عام 1987، في تعبئة الجماهير بالفكر النضالي عبر تأجيج الشبان وكتابة البيانات وخَط الشعارات على الجدران المنددة للاحتلال "الإسرائيلي"، وترجم شهيدنا أقواله إلى أفعال إلى أرض الميدان الذي كان يَغلي عندما قام أحد جنود الاحتلال بدهس عمال فلسطينيين بالمقطورة واستشهد على أثرها ستة عمال، ما دفع شهيدنا إلى الرد السريع على هذه الجريمة النكراء بحادث مماثل حيث تلثم وسميّ بعدها (بأول ملثم) في الانتفاضة، وخطب خطبة مباشرة دعا فيها أبناء الشعب الفلسطيني بالهجوم على معسكر جيش الاحتلال وسط المخيم الذي كان يتمركز فيه عشرات الجنود مع عتادهم الكبير، وكانت بداية إطلاق الشرارة الأولى لاندلاع الانتفاضة، حيث دارت حينها اشتباكات عنيفة بين الشبان وقوات الاحتلال لساعات طويلة حتى منتصف الليل.

وانخرط شهيدنا بالعمل الجهادي حيثُ شكل النواة الأولى للمجموعات الجهادية بالاعتماد على طاقات الشباب المجاهدة في منطقته، وكان يقوم بدور توزيع أفكار الثورة على الجماهير الفلسطينية حيثُ أصدرَ أول بيان في الانتفاضة عن (حركة الجهاد الإسلامي) الذي اعتبر ركيزة أساسية في تأجيج المظاهرات والفعاليات الشعبية.

طَور شهيدنا من عمله الجهادي وانضم إلى الجهاز العسكري التابع للحركة، ليباشر أول عمله في اقتحام السجن المركزي في غزة ولكن تم اكتشافه وهرب بأعجوبة بعد أن تم إطلاق النار عليه من قبل قوات الاحتلال "الإسرائيلي".

الاعتقال

سَجنت سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" الشهيد أنور عزيز لمدة سنتين ونصف في معتقل النقب في صحراء فلسطين مع إخوانه المجاهدين، ويروي أحد زملاءه لوكالة "فلسطين اليوم الاخبارية" أنَّ الشهيد تميز على الدوام بالتواضع والأخلاق الكريمة محباً لإخوانه ولوطنه، ويتابع بالقول "خطط شهيدنا لقتل مسؤول السجن في النقب برتبة ميجر جنرال "شالتي إيل" وقام بإعداد سكيناً خاصة له ونظراً لصعوبة العملية لم يتمكن من تنفيذها"، وبعد إتمام محكوميته داخل السجن أفرجَ الاحتلال عنه، خرج بعدها أكثر صلابةً وعزيمةً وإرادة من ذي قبل، عكس ما ظنّ الاحتلال بحق أنور بخنوعه ونزع معنوياته في حبه للوطن عن طريق عزلة داخل أروقة الزنازيل، وأكمل طريقه في حُب الجهاد والمقاومة حيثُ انضم إلى القوى الإسلامية المجاهدة (قَسَم) هو اللبنة الأولى للجهاز العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وذلك في عام 1993، متسلحاً بالأيمان وبمبادئ الإسلام في رفع كلمة لا إله إلا الله.

ويروي لنا أحد أقرنائه الذين كانوا معه، بأن الشهيد عزيز كانت أول عملية له بواسطة الباص الذي كان يقتاده بالقرب من الشيخ عجلين واصطدم في عدد من مركبات كانت تقل جنود الاحتلال، واعترف العدو عن مقتل 3 جنود وعُرف منهم  مسؤول "إسرائيلي" كبير كان يخدم في الجيش ، وعاد شهيدنا بسلام، ويتابع الراوي: "أنّنا جلسنا على شاشة التلفاز مع شهيدنا أنور وأخدنا نُشاهد الأخبار العدو كيف يقوم بنقل قتلاه وجرحاه بشكل مباشر وسط التعبير من الفرح والسرور".

وامتشق شهيدنا سلاح الإيمان وسلاح الثورة في الدفاع عن فلسطين، وعلم أنَّ أجل الشهادة أقترب طالما كان يحلم بها مع إصرار حُبها لها، فأبدع شهيدنا هذه المرة وخطط بكل دقة لشن عملية استشهادية عبر تفخيخ سيارته وتَرجل على الخط الشرقي وألصق سيارته المفخخة بباص كان يَحمل عشرات من الجنود "الإسرائيليين"، وكَبر باسم الله وضغط على الزناد إلا أن مشيئة الله لم تنفجر، وعاد شهيدنا إلى منزله ليفكر مرة أخرى في عملية جديدة.

الشهادة

ويَذكر أحد كوادر حركة  الجهاد الإسلامي أنّ الشهيد أصرَّ على حبه للشهادة وتكون هذه المرة هي الحلم الحقيقي الذي كان يتمناه، ففي يوم 1993/12/13، قام الشهيد برصد قافلة عسكرية تابعة للاحتلال "الإسرائيلي" على الخط الشرقي من مدينة غزة، واقتحم بكل ثقة وشجاعة نقطة عسكرية بالقرب من حاجز " ناجل عوز" وفجر نفسه وسط عدد كبير من الجنود، ليرتقي بعدها إلى العلا مع الصديقين والشهداء، وأذهلت هذه العملية البطولية أجهزة مخابرات الاحتلال، التي اربكت حساباته عبر تطور المقاومة نوع جديد من الأدوات والأساليب وبإمكانيات بسيطة إلا أنها فعالة وقوية في حصد قوات الاحتلال " الإسرائيلي"، وأعلن جيش الاحتلال عن إصابة جنود قال الاحتلال أن عدداً منهم بصورة حرجة.

وبحسب شهود عيان قال:" إن طائرة الهيلوكبتر نزلت إلى مكان العملية وقامت بإجلاء عدد من جرحى الجنود إلى المستشفيات في الداخل المحتل"، وهذا أن أدّل فيدّل أنَّ حجم الخسائر التي تكبدها جنود الاحتلال كبير جداً.

 

وبهذه السيرة البطولية لشهيدنا البطل أنور عزيز التي تُخلد إلى يومنا هذا وصدق بحقهم التاريخ أنَّ الابطال حتى وهم تحت التراب فهم أحياء فوق الأرض، وواصل أخوانه من بعده في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بتتبع نهجه العريق وقاموا بتطوير أدوات القتال حتى تمكننا اليوم من قصف مدينة "تل ابيب" المزعومة في أقل من 5  دقائق.

وكانت تقول والدته رحمها الله : «لقد رأيت في المنام أن هناك "برزة" في وسط المسجد ولمدة ثلاث مرات حيث تيقنتُ يوم وقوع هذه العملية أن أحد أبنائي في هذه الحادثة وتيقنتُ أكثر أن أنور هو الشهيد حين رأيت أخاه حياً يرزق..".

أنور عزيز
أنور عزيز
أنور عزيز
أنور عزيز

كلمات دلالية