خبر التاريخ لم يبدأ مع القسام / هآرتس

الساعة 09:16 ص|14 يناير 2009

بقلم: عميرة هاس

مراسلة الصحيفة للشؤون الفلسطينية

        (المضمون: حصار غزة لم يبدأ مع حماس بل في العام 1991. وفي التسعينيات فوتت اسرائيل فرصة ذهبية لان تثبت بان طرد وسلب العام 1948 ليس نموذجها - المصدر).

        التاريخ لم يبدأ مع صواريخ القسام. ولكن بالنسبة لنا، نحن الاسرائيليين، التاريخ دوما يبدأ عندما يؤلمنا الفلسطينيون، وعندها يخرج الالم تماما عن سياقه. نحن نظن اننا اذا الحقنا بالفلسطينيين الما أكبر باضعاف – فانهم أخيرا سيتعلمون الدرس. هناك من يسمي ذلك "انجازات".

        ومع ذلك فان "الدرس" يبقى مبسطا بالنسبة لمعظم الاسرائيليين. وسائل الاعلام الاسرائيلية تسجل لمستهلكيها حمية متشددة قليلة المعلومات وقليلة الحقيقة وكثيرة الجنرالات ومقلديهم. وهي متواضعة ولا تلوح بالانجازات. الاطفال القتلى والجثث المتعفنة تحت الحطام، الجرحى النازفون حتى الموت، لان جنودنا يطلقون النار على طواقم الانقاذ، الطفلات التي قطعت ارجلهن بسبب اصابات فظيعة من انواع السلاح المختلفة والمتنوعة، الاباء الذينن يبكون بمرارة، الاحياء السكنية التي محيت، الحروقات الرهيبة التي يحدثها الفوسفور الابيض؛ وكذا الترحيل الصغير، عشرات الاف الاشخاص طردوا ويطردون في هذه اللحظات بالذات من منازلهم ويؤمرون بالتجمع في منطقة مبنية آخذة في الصغر، هي الاخر محكومة بان تقصف بالمدفعية وبالطيران دون توقف.

        منذ قيام السلطة الفلسطينية اشتدت آلة الهذر الاسرائيلية عن حجم الخطر العسكري المحدق بنا من الفلسطينيين. وعندما ينتقلون من الحجر الى البندقية ومن الزجاجة الحارقة الى العملية الانتحارية، ومن العبوة الجانبية الى القسام ومن القسام الى الغراد، ومن م.ت.ف الى حماس، يقولون عندنا بهتافات النصر: "قلنا لكم. هم لا ساميون". ولما كانوا هكذا، فمسموح لنا ان نعربد.

        ما يسمح بالعربدة العسكرية الاسرائيلية – والتي الكلمات المناسبة لوصفها لا توجد في القاموس الذي في يدي – هو المسيرة التدريجية لعزل غزة. القطيعة جعلت الغزيين مواضيع مبسطة، عديمي الاسم والعنوان باستثناء عنوان مسلحيهم، عديمي التاريخ، باستثناء التواريخ التي يقررها لهم رجال المخابرات الاسرائيليين. الحصار على غزة لم يبدأ  عندما سيطرت حماس على أجهزة الامن في القطاع، ولا عندما أسر جلعاد شليت، ولا عندما انتخبت حماس في انتخابات ديمقراطية. الحصار بدأ في 1991، قبل العمليات الانتحارية، ومنذئذ تطور فقط حتى ذروته في العام 2005.

        آلة الهذر الاسرائيلية عرضت بفرح فك الارتباط كالغاء للاحتلال، في ظل التجاهل الوقح لكل الحقائق. القطيعة والاغلاق عرضا كحاجة عسكرية. ولكننا بتنا اطفالا كبار، ونعرف بان الحاجة العسكرية والاكاذيب الدائمة تخدم اهدافا سياسية. هدف اسرائيل كان احباط حل الدولتين، والعالم توقع بان يتحقق هذا الحل مع نهاية الحرب الباردة في 1990 – الحل غير الكامل ولكن الفلسطينيين كانوا مستعدين له في حينه.

        غزة ليست قوة عظمى عسكرية هاجمت جارتها الصغيرة المحبة للسلام، اسرائيل. غزة هي ارض احتلتها اسرائيل في العام 1967 – الى جانب الضفة. سكانها هم جزء من الشعب الفلسطيني الذي فقد وطنه وارضه في العام 1948.

        في العام 1993 كانت لاسرائيل فرصة ذهبية لمرة واحدة لان تثبت للعالم بان ما قيل عنها ليس صحيحا. في أنها ليست دولة استعمارية بطبيعتها. وان طرد شعب من ارضه، ابعاد الناس عن ديارهم، سلب اراضي الفلسطينيين من اجل اسكان اليهود ليس اساس وجودها وجوهرها. في التسعينيات كان لاسرائيل فرصة لان تثبت بان 1948 ليس نموذجها. لقد فوتت هذه الفرصة، حين طورت فقط اساليب سلب اراضي وطرد الفلسطينيين من منازلهم، وحين حشرتهم في جيوب منقطعة. الان، في هذه الايام السوداء، اسرائيل تثبت ان العام 1948 لم ينتهِ بعد.