المعضلة الاستراتيجية:دولة الاحتلال أمام التحدي الذي يمثله حزب الله

الساعة 10:29 ص|10 ديسمبر 2018

فلسطين اليوم

تجمع الساحة الأمنية والسياسية في دولة الاحتلال على أن الأنفاق التي شرع جيش الاحتلال بالبحث عنها شمال فلسطين المحتلة، بمحاذاة الحدود اللبنانية؛ على خطورتها فإنها لا تمثل التهديد الأكثر حرجًا وخطورة على الأجندة اليومية لدولة الاحتلال، وما يزعمونه من محاولات إيرانية لإقامة مصانع أسلحة متطورة وامتلاك حزب الله لبضع عشرات من الصواريخ الدقيقة هو المعضلة والتهديد الاستراتيجي الأكثر خطورة.

رئيس مركز دراسات الأمن القومي عاموس يدلين كتب يقول: تظل المعضلة الصعبة والأثقل وزنًا التي تقف أمامها القيادة السياسية والأمنية وهيئة أركان الجيش الإسرائيلي هي القرار بعملية وقائية في مواجهة تهديد استراتيجي كبير أو الامتناع عن العملية وتحمل نتائجها المستقبلية الجسيمة.

إن الاعتبارات المؤيدة للخروج إلى حملة مبادر إليها ووقائية هي الفهم بأن عدم العملية سيسمح للعدو بأن يوجّه إلى إسرائيل تهديدًا وجوديًا أو استراتيجيًا من الدرجة العليا سيكلفها ضحايا كثيرين وصعوبة في الانتصار في حرب مستقبلية. أما الاعتبارات ضد الحملة المُبادر إليها والوقائية فهي خطر التصعيد للحرب، غياب الشرعية، والتقدير بأنه رغم الامتناع عن أعمال وقائية فورية؛ يوجد في إسرائيل أو في وسعها أن تطور جوابًا مناسبًا للتهديد في المستقبل، حتى لو لم يوقف في الحاضر.

أما بالنسبة للتهديد الوجودي الذي لا لبس فيه، غير التقليدي؛ فقد تبنت إسرائيل "عقيدة بيغن" وعملت على تدمير البرامج النووية العراقية والسورية في 1981 و2007 على التوالي، في الحالتين كان النجاح مزدوجًا. فالهدف العملياتي تحقق دون التدهور إلى حرب أو إلى ثمن سياسي باهظ. وفي مواجهة البرنامج النووي الإيراني، في المعضلة ما بين التسليم بالقنبلة الإيرانية وبين خطوة إحباط البرنامج؛ اختارت إسرائيل الانتظار، فالاتفاق السياسي الذي حققته القوى العظمى مع إيران في 2015 أتاح تأجيل القرار إلى مستقبل أبعد، أما أنفاق حزب الله المتوغلة فهي تهديد بحجم آخر، فهي جزء من استراتيجية "خطوة برية حيال الجليل"، والتي أعلن عنها أمين عام حزب الله منذ بداية العقد الحالي.

المعضلة الاستراتيجية التي وقف الكابينت وهيئة الأركان أمامها هي الاختيار بين:

- تنفيذ خطوة مُبادر إليها الآن لإحباط التهديد بقليل من الشرعية الدولية، كون العملية تتم في الأراضي "الإسرائيلية"؛ في ظل نقل رسالة استراتيجية لحزب الله، الذي ثبت منظوماته العسكرية على السرية والمفاجأة، بأن عليه أن يأخذ بالحسبان أنه مخترق، منكشف وقابل للإصابة أمام المساعي الاستخبارية الإسرائيلية. رسالة استراتيجية أخرى هي للأمم المتحدة وللأسرة الدولية، وبموجبها فإن منظومة الأنفاق العسكرية لحزب الله حفرت من تحت أقدام القوة الدولية ونظام الرقابة على تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701، في ظل خرق السيادة "الإسرائيلية" وقرار الأمم المتحدة.

- تأجيل الخطوة: تأجيلٌ كهذا يمكن أن يسمح بحرب مستقبلية لتوجيه ضربة كبيرة ومفاجئة لحزب الله حين يكون مقاتلوه داخل الأنفاق. إبقاء الخيار للخروج في حملة كهذه في زمن الحرب، هو الآخر ليس معفيًا من المخاطر، إذ ان عملًا محاذيًا للجدار يُمكن أن يكلف إصابات عديدة في زمن القتال. إضافة إلى ذلك، فإن التأجيل يسمح باستمرار تعزيز وحفر مزيد من الأنفاق حتى الحرب، الجهد الذي يحتمل أن يكون حزب الله سيتركه بعد أن فهم بأن لإسرائيل قدرة استخبارية وتكنولوجية على تدمير أنفاقه.

ومع ذلك، فما هو مهم أن نذكره هو أن مشروع الأنفاق ليس الجهد الوحيد ولا حتى الأساس لحزب الله، فمشروع "الصواريخ الدقيقة" يوجد في قلب المعضلة التي لا تزال أمامنا، وهذه المعضلة قريبة أكثر من تعقيدها لحالات الماضي والحاضر في العراق، سوريا وإيران.

عندما يقرر الكابينت كيف سيعمل في مسألة الصواريخ الدقيقة، فإن عليه أن يجيب لنفسه على الاسئلة التالية: هل شدة تهديد مشروع "الصواريخ الدقيقة" تدخل ضمن منطق "عقيدة بيغن"؟ هل يوجد لإسرائيل قدرة على التصدي للتهديد المحدق في حرب مستقبلية من ناحية قدرات التحصين، قدرات الدفاع الفاعل ("حيتس"، "مقلاع داود"، "القبة الحديدية") وقدرة الهجوم الناجعة للمنظومة عند اندلاع الحرب؟ هل استنفدت كل البدائل السياسية والسرية لوقف المشروع؟ وإذا كان "نعم"، فمتى هي النقطة الزمنية الصحيحة للعملية؟ هل إسرائيل جاهزة لتصعيد شامل مع حزب الله؟ وهل المخاطرة من عدم العملية أكبر من خطر العملية؟

المحلل السياسي في صحيفة "معاريف" عاموس جلبوع كتب يقول: على فرض أن الجيش الإسرائيلي سيكمل المسيرة، وتحدي الهجوم البري لحزب الله يشطب من جدول الأعمال؛ تقف أمامنا ثلاثة تحديات تتعلق بقدرات حزب الله التكنولوجية: الكمية الوحشية للصواريخ والمقذوفات الصاروخية التي توجد في ترسانته؛ الصواريخ الدقيقة التي ينتجها، والتي يبدو ان كميتها ليست كبيرة حاليًا، وهي القادرة على أن تضرب ليس مجرد السكان المدنيين، بل وتضرب أهدافًا نوعية في دولة إسرائيل، ومصانع الإنتاج التي أغلب الظن أقيمت/ ستقام في لبنان من أجل زيادة كمية الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى أو نقل صواريخ كهذه مباشرة من إيران إلى لبنان.

السؤال الأكبر والأكثر إزعاجًا: هل لدى إسرائيل ما يكفي من القدرة الكافية لإحباط هذيْن التحديين الأولين؟ وأولًا وقبل كل شيء المس بكمية الصواريخ الوحشية؟ وبتعبير آخر، هل القدرات ضد الصواريخ التي توجد الآن لدى إسرائيل (بدءًا بـ "القبة الحديدية"، مرورًا بـ "العصا السحرية" وانتهاء بـ "حيتس") تستجيب لهذه التحديات؟