خبر الإسرائيليون يريدون المزيد.. رغم المصاعب السياسية .. حلمي موسى

الساعة 07:25 ص|14 يناير 2009

في اليوم الثامن عشر للحرب، تبدو إســرائيل في حــيرة من أمرها بشأن ما يمكن أن تعتبره إنجازات ميدانــية وسياسية لها. وفي الوقــت الذي كانت القيادة الإسرائيلــية تنتظر أن تنتهي الحرب وتتحقق الإنجازات عسكرياً وسياسياً وبشــكل ظاهــر قبل ذلك بكثير، بدأت المصاعب في الظهور.

ولا تنحصر هذه المظاهر في الفعل الميداني، بل تتعداه إلى الحلبة السياسية. فمصر لا تريد أن توفر لإسرائيل الإنجاز الكبير الذي تريده، وهو آلية منع التهريب، وحماس لا تريد أن توفر لأي طرف إنجازاً بإعلان موافقة غير مشروطة على المبادرة المصرية. وقد أضيف إلى ذلك الاشتباك الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول ما جرى بشأن القرار الدولي ١٨٦٠ ودور ايهود أولمرت الذي تباهى به في منع التصويت الأميركي إلى جانبه.

ورغم أن إسرائيل أوحت من اليوم الأول للمعركة أنها ستصل حتى النهاية في حربها ضد غزة بهدف تغيير الواقع الأمني القائم هناك، إلا أنها تواجه مشكلة أن ترجمة ذلك تعني أولا وقف النار. وقد حاولت إسرائيل التوضيح بأن وقف النار مرتبط بوقف »الإرهاب« وبمنع تعاظم حماس، مما يعني خلق آلية لمنع التهريب.

وفي هذا السياق، كان الإنجاز السياسي الإسرائيلي مرهوناً بالاتفاق مع مصر حول هذه الآلية. ولهذا السبب، فإن »معاريف« أشارت إلى ان »في قلب المبادرات السياسية، هناك المطلب الاسرائيلي لمنع إعادة تعاظم حماس من خلال تهريب السلاح الى القطاع. يدور الحديث عن قناتين سياسيتين متوازيتين ـ واحدة حيال المصريين عن مسؤوليتهم عن منع التهريب عن الحدود، والثانية حيال الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي بالنسبة للتعاون الاستخباراتي ووقف مسارات التهريب«.

وأشارت »معاريف« إلى أنهم »في اسرائيل، لا يزالون يأملون بان توافق مصر على إدخال قوات هندسة اميركية الى أراضيها لمساعدتها العثور على الأنفاق.. وكان اولمرت أوضح لـ(تسيبي) ليفني و(ايهود) باراك بانه اذا لم تكن الوثيقة المصرية مرضية، من حيث منع التهريب، فان الحملة لن تتوقف بل ستتوسع«.

من جهتها، أشارت »هآرتس« إلى ان اولمرت »نقل رسائل الى عدد من زعماء العالم تفيد بان اسرائيل معنية باستنفاد الخطوة السياسية حيال مصر، في موضوع معالجة تهريب الوسائل القتالية، قبل أن توسع اسرائيل الحملة في قطاع غزة الى المرحلة الثالثة«. ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية قولها إن »اسرائيل تعتزم مواصلة الضغط العسكري، ولكن في هذه المرحلة لا مجال للانتقال الى المرحلة الثالثة في الحملة والتي تضمن توسيعاً كبيراً للعملية البرية«.

وتابعت ان »رسالة اولمرت للزعماء الأجانب كانت على النحو الآتي: الاتصالات الجارية مع مصر حول موضوع التهريب ووقف النار آخذة في النضوج. أنا مستعد لإعطاء فرصة لاستنفاد الاتصالات معهم قبل أن أقرر توسيع الحملة. لست معنياً بتوسيع الحملة أكثر، وأرغب في الامتناع عن ذلك، ولكن إذا لم يكن هناك مفر والمساعي المصرية لم تعط شيئا، فسنوسع الحملة«.

وأشارت »هآرتس« إلى انه »رغم مركزية مسألة التهريب، فإن المفاوضات في هذا الشأن توجد في مصاعب عديدة. وبحسب مصدر سياسي في القدس، فان الاتصالات مع مصر لا تزال تجري مباشرة ايضا، ولكن بواسطة الولايات المتحدة، فرنسا، المانيا، مندوب الرباعية طوني بلير، ومحافل اخرى. عاموس جلعاد يبحث مع المصريين الترتيبات في منطقة الحدود. وزارة الخارجية تتطلع الى أن تحصل من الولايات المتحدة على ضمانات لمعالجة التهريب الجاري بعيدا في عمق الاراضي المصرية«.

وبحسب مصدر سياسي كبير، فان »المصريين خففوا من حدة موقفهم وهم مستعدون لقبول الى جانب معدات تكنولوجية للعثور وتدمير الأنفاق، خبراء من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا. ومن أجل عدم المساس بسيادتهم، فان المصريين معنيون بان يعرفوا المهندسين الأجانب كمرشدين، وليس كمراقبين. واسرائيل معنية بان يعمل المراقبون على الاراضي المصرية ـ على طول محور فيلادلفيا ـ بينما تعارض مصر ذلك بحزم«.

وطرح المصريون اقتراحاً آخر »يحظى بدعم الدول الأوروبية، وبموجبه تتضمن التسوية توسيع قوة المراقبين من الاتحاد الأوروبي، والتي كانت ترابط في الماضي في معبر رفح، بحيث تشرف على محور فيلادلفيا من الجانب الفلسطيني، وتنقل التقارير عن وضع الأنفاق والنشاط ضدها. إضافة الى ذلك، ستفعل القوة من جديد معبر رفح الى جانب قوات رئيس السلطة محمود عباس بحسب اتفاق .٢٠٠٥ بهذا الشكل، كما يدّعي المصريون، تحصل إسرائيل على رقابة على محور فيلادلفيا، وحماس تحصل على فتح معبر رفح، والسلطة تعود إلى غزة. ومع ذلك، في هذه المرحلة يوجد جدال داخل حماس حول الاستجابة للاقتراح«.

وأياً يكن الحال، فإن آري شافيت كتب في »هآرتس« عن وجوب وقف الحرب الآن. وأشار إلى أنه »في الأيام الـ١٦ الأخيرة حققت الحرب معظم أهدافها. حماس ضربت، الردع الإسرائيلي استعيد، ونشأت فرصة حقيقية لوقف النار على سديروت، عسقلان وغلاف غزة. السلوك السياسي الصحيح كفيل بأن يؤدي إلى تحقيق هدف حيوي آخر ـ وقف شبه تام لتهريب السلاح في محور فيلادلفي ومنع تعاظم التزمت الفلسطيني. إذا كان هذا ما سيحصل بالفــعل، فسيــتحقق بقدر كبير الهدف المنضبط الذي تقرر للحرب منذ البداية: خــلق تعــايش هادئ بين اسرائيل وبين حماس مضعّفة ومردوعة«.

ويرى شافيت انه »بمعانٍ عديدة، أصلحت الحرب في غزة ما تشوش في حرب لبنان الثانية. الخروج الى المعركة كان محسوباً وغير متسرع، القرارات اتخذت بشكل موزون ومرتب، الجيش الاسرائيلي اثبت قدرة بالغة، والجبهة الداخلية تصرفت على نحو مثالي. وعليه يجب أن نقرر بأنه مثلما كان رئيس الوزراء اولمرت مسؤول عن إخفاقات الحرب في لبنان، فانه مسؤول عن انجازات الحرب الحالية. ولكن كي نحافظ على هذه الانجازات، محظور توسيع الحرب، بل العكس. يجب استغلال النجاح للوصول الى ترتيب سياسي سريع، يوقف النار، يوقف القتل ويعيد الجنود الى الديار. ليس انطلاقاً من الغرب بل انطلاقاً من التقدير، ينبغي القول الآن للسيد اولمرت كلمتين معروفتين له جيداً: حتى هنا«.

وخلافاً للحروب السابقة، فإن الإجماع الشعبي الإسرائيلي لا يزال على حاله رغم مرور ما يقرب من ثلاثة أسابيع على بدء الحرب. وفيما يرى بعض المعلقين أن ذلك يعود للشعور الشعبي بأن حماس تخطت الحدود، يرى آخرون أن المهــم في الأمر هو أن إسرائيل لم تدفع ثمناً كبيراً لحملتها الحربية.

وهكذا أشارت افتتاحية »هآرتس« إلى أنه »رغم الاستخدام المبالغ فيه للقوة، والذي يوقع خسائر وأضراراً فادحة بالسكان المدنيين في القطاع، فإن الحملة تتمتع حتى الآن بإجماع واسع. الحكومة ومعظم أعضاء المعارضة أيدوا الحرب ضد حماس، فعبروا عن الإحساس السائد لدى الجمهور بأن هذه حرب لا مفر منها، أهدافها محددة ومتفق عليها. هذه الأجواء، التي رافقت القوات المقاتلة وخففت عن المواطنين في الجبهة الداخلية، تعاظمت في ضوء استعداد أصحاب القرار قطع الحرب عن حملة الانتخابات وتأجيل الانتقاد لنظرائهم الى ايام اكثر هدوءا. غير ان الآن يقتحم الخلاف حاجز الصمت والحسابات السياسية العلنية بدأت تدور على ظهر جنود الجيش الإسرائيلي وسكان الجنوب، وكأنه لا يوجد غد«.

أما المعلق السياسي لـ»يديعوت احرونوت« ناحوم بارنيع، فأوضح أن وقوف الجمهور الإسرائيلي إلى جانب الحرب، مرتبط بحجم الخسائر. وهو كتب أن »الإسرائيليين دخلوا للحملة في غزة بتوقعات معاكسة. لأسابيع غمروهم بنظريات أكثر سواداً من السواد عن القدرات العسكرية لحماس وعن الفخ الذي تعده لقواتنا في اللحظة التي يجتازون فيها الحدود. وعندها، تبين لهم أن الصواريخ تشوش الحياة العادية، ولكن منظومة الإنذار المبكر ضدها موثوقة، ومن يوجد تحت سقف ما لن يصاب بأذى. لا توجد هنا أي معجزة: إحصاءات فقط. وليس أقل أهمية: تبين لهم أن الدخول البري الى غزة آمن نسبياً. وحشي جداً للغزاويين، ولكن في هذه الأثناء لهم فقط. وحتى كتابة هذه السطور، فإن الحملة تجري في شروط ممتازة. وطالما بقي هذا هو الوضع ـ فإن الشعب يحب الحملة. الشعب يريد المزيد«.