ما هِي احتمالات تَطَوُّر تصعيد الشمال إلى حَربٍ؟

الساعة 08:43 ص|06 ديسمبر 2018

فلسطين اليوم

 

عبد الباري عطوان

هِستيريا اسْمُها “الأنفاق” تُحاصِر إسرائيل شَمالًا وجَنوبًا وقَريبًا شَرْقًا.. هل سَيرُد “حِزب الله” على هَذا “التَّحَرُّش” الإسرائيليّ في الجَنوب اللُّبنانيّ.. وكَيف؟ وما هِي احتمالات تَطَوُّر هذا التَّصعيد إلى حَربٍ؟ وهَل يَخْلِط نِتنياهو الأوراق لإنقاذِ عُنُقِه؟

 في ظِل الحِصار بالإنفاق والصَّواريخ الذي تَعيشُه دولة الاحتِلال الإسرائيليّ مِن الشِّمال والجَنوب والشَّرق هَذهِ الأيّام لا نَعتقِد أنّ بِنيامين نِتنياهو ووزراءه يَمْلِكون الوَقت لاستكمالِ مسيرَة التَّطبيع، والزِّيارات المَيدانيّة التي كثَّفوها قبل بِضعِ أسابيع للعَديدِ مِن العَواصِم العربيّة، اعتقادًا مِنهُم أنّ الأُمّة العربيّة استَسلَمت ورَفَعَت الرَّايات البَيضاء، وباتَت تُصَنِّفهم في خانَةِ الحُلَفاء والأصْدِقاء.

نِتنياهو طارَ أمسْ مَأزومًا ومَرعُوبًا إلى بروكسل للِقاء مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكيّ، وطلب مُساعَدته، ودولته، قبل ساعاتٍ مِن إعلانِ المُتَحدِّث باسْم جيشه عَن رَصْدِ أنفاقٍ سِريّةٍ حَفَرَها مُقاتِلو “حِزب الله” تحْتَ الحُدود الشماليّة، وبَدأت الجَرّافات الإسرائيليّة في تَدميرِها، وَسَطَ ضجّة إعلاميّة غَير مَسبوقَة.

إسرائيل تَعيشُ حالة “هِيستيريا” اسْمُها الأنفاق، سَواء تِلك التي تَحفُرها حركة “حماس” وفَصائِل المُقاوَمة الأُخرَى في قِطاع غزّة، أو نظيرتها التي تُحْفرها المُقاومة اللبنانيّة في الجَنوب، ولا نَستبعِد أن تَصِل هَذهِ التُّكنولوجيا الهَندسيّة إلى هَضْبة الجُولان التي تَجْرِي الاستِعدادات على قَدَمٍ وساقٍ لإعادَةِ فَتْحِها.

حتّى هَذهِ اللَّحظة لم نَسْمَع ردّة فِعل “حِزب الله”، والسيد نصر الله على هذا “التَّحرُّش” الاستِفزازيّ الإسرائيليّ على الحُدود الذي أطْلَق عليه اسم “دِرع الشَّمال”، ولا نَعرِف طبيعَة هذا الرَّد، هل سيَكون التَّجاهُل المُطْلَق، وهذا هُوَ الأكثَر تَرجيحًا لأنّ عَمليّات التَّدمير تَتِم على الجانِب الآخِر مِن الحُدود، أم سيَكون عَسكَريًّا رادِعًا ليسَ بحَفْر الأنفاق تَحتَ الأرض، وإنّما مِن خِلالِ تَرسانةِ الصَّواريخ التي تتمَركز في قَواعِد فَوقَها، أو بمَعنى أصَحْ في باطِنْها، وحاضِنتْها الجَبليّة الشَّمّاء، وهِي التَّرسانَة التي تَضُمْ 150 ألف صَاروخ تزداد دِقَّة وقُدُرات تَدميريّة يَوْمًا بعدَ يَوْم.

نِتنياهو لا يُريد هذا “الدِّرع” لإنقاذِ الشِّمال، وإنّما لإنقاذِ نفسِه مِن حَبْل العَزل الذي يَضيقُ حَول عُنُقِه، ويُمْكِن أن ينْتَهِي بوَفاتِه سِياسيًّا، ورُبّما قَضاء ما تبقّى مِن عُمُرِه خَلفَ القُضبان بتُهَمِ الفَساد.

تَظَلْ هُناك نُقطَة مُهِمَّة لا يُمكِن القَفْز عنها في هَذهِ العُجالة، وهِي أنّ لُجوء “حزب الله” إلى هندسة حفر الأنفاق الذي يُجيدها ويَحتَفِظ بحُقوقِ طَبْعِها وإبداعِها، ويُصَدِّرها إلى قِطاع غزّة وسورية واليمن، ورُبّما العِراق أيضًا، هذا اللُّجوء يُؤكِّد النَّظريّة التي تقول بأنّه، ورُبّما ما زالَ، يُخَطِّط لاقتِحامِ الجَليل في المَعركةِ المُقْبِلةِ وتَحريرِه كامِلًا، تَمْهيدًا لتَحريرِ باقِي الأراضي المُحتَلَّة.

نِتنياهو وكُل قادَته العَسكريّين في حالةٍ مِن الارتِباك غير مَسبوقة، فهُم قَلِقُون مِن الوُجود الإيرانيّ في سورية، ومَرعوبون مِن تَواجُد “حِزب الله” في الجُولان السوريّ في مُواجهةِ الجُولان المُحتَل، وامتِلاكِه مصانِع لإنتاج الصَّواريخ الدَّقيقة ويَرتَعِدون خَوْفًا مِن التَّنسيقِ المُتسارِع بين الحِزب وحركات المُقاوَمة في قِطاعِ غزّة، وتَزويد الأخيرة بصَواريخ “الكورنيت” التي حَسَمَتْ الحَرب الإسرائيليّة الأخيرة على القِطاع في أقلٍّ مِن 48 ساعَة، ولا نَنْسى رُعبَه مِن صَواريخ “إس 300” التي باتَت في حَوْزَةِ الجيش العربيّ السوريّ، وأنْهَت عَربَدةَ الطائرات الإسرائيليّة في أجواءِ سورية.صَديقٌ عَزيزٌ هاتَفَني صَباح اليوم مِن قِطاع غزّة ليَسْأل عَن الأخبار، وتَبادُل الآراء، قالَ لي عِبارةً قَويّةً تُلَخِّص الوَضع العَربيّ الرَّاهِن: “لُبنان وقِطاع غزّة يُمَثِّلان أقَل مِن 1 بالمِئة من مَساحَة الوَطن العربيّ وسُكّانِه، ومَع ذلِك يُلحِقان المَذَلَّة والرُّعب والهَزائِم بإسرائيل التي تُصَنَّف بأنّها القُوّة الرَّابِعة في العالَم.. أليسَ هذا قِمّة الإبداع؟.. أليْسَت هَذهِ أُمْ المُعْجِزات؟.. أليْسَتْ هَذهِ قِمّة المُفارَقات؟”.

لا أجِد خاتِمَةً لِهَذا المَقال أبْدَع وأَقوَى وأكْثَر تَعْبيرًا مِن قَول هذا الصَّديق الصَّامِد تَحْتَ الحِصارَين العَربيّ والإسرائيليّ.

كلمات دلالية