كتب د. وليد القططي: جمال خاشقجي.. قُتِلَ لأنَهُ مُختَلِف

الساعة 10:48 ص|05 ديسمبر 2018

فلسطين اليوم

عندما تجتمع إدانة جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الوحشية، مع جريمة أكبر منها وهي تبرئة والدفاع عن مرتكب الجريمة النظام السعودي ممثلاً في ولي العهد محمد بن سلمان، فحينها يعرف الجميع أن الحديث يدور حول الرئيس الأمريكي الأكثر وقاحة دونالد ترامب، وعندما لا يجد ترامب طريقةً يُدافع بها عن ابن سلمان أمام الكونغرس سوى ذكر دور النظام السعودي في إنقاذ (إسرائيل) من مأزق كبير، والتأكيد على أهمية وجود استقرار النظام السعودي لوجود وحماية دولة (إسرائيل)، فحينها تُدرك أن محور أهداف ونشاط الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط هو ضمان وجود وحماية الكيان الصهيوني، حتى لو كان ذلك مُقابل الحفاظ على نظام حكم بدائي مُتخلف واستبدادي دموي، ارتكب جريمة تشبهه في خليط عجيب جمع بين كُلّ ٍ من الغباء الممزوج بالبدائية، والقسوة الممزوجة بالوحشية، نظام حكم يحكمه فكر سياسي لا يقبل الآخر المُختلف حتى لو كان من داخل النظام، ولا يقبل بأقل من إقصائه وإبعاده من الوجود والحياة.

الفكر السياسي لنظام الحكم السعودي الاستبدادي المُتخلف، أدى بالنظام إلى ارتكاب جريمة قتل جمال خاشقجي على خلفية معارضته السياسية لنظام الحكم، هذا الفكر السياسي الذي رافق النظام السعودي منذ نشأته الأولى في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، عندما تأسست الدولة السعودية الأولى فالثانية فالثالثة، وصولاً إلى العهد الكئيب الحالي بعنوانه البارز ممثلاً بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي رغم ارتدائه ثوب الحداثة والمعاصرة – زوراً وبُهتاناً – لا زال يقتل الناس لأنهم مختلفون عن النظام، ومختلفون مع النظام، وجمال خاشقجي أحد هؤلاء المختلفين والمخالفين، وليس الوحيد، حتى لو لم يكن معارضاً جذرياً للنظام، فجمال خاشقجي لم يُطالب بإسقاط النظام، أو إسقاط حكم آل سعود، فقد كان معارضاً إصلاحياً في المرحلة الأخيرة من حياته، بدأ بتوجيه النقد للملك وولي عهده، وخرج عن النسخة الكربونية المتكررة التي تطبع الدولة السعودية العشرات والمئات منها، من الكتاب والإعلاميين سنوياً، فخرج الخاشقجي نسخة مُختلفة أضرت بالصورة المزوّرة للمملكة التي كان يحاول ابن سلمان تسويقها في الغرب كتذكرة مرور للعرش المُلّطخ بدماء العرب والمسلمين في العراق وسوريا واليمن وغيرها.

جمال خاشقجي قُتل لأنه مُختلف عن النظام السعودي، الذي كان نتاجاً لتلاقح كُلّ ٍ من الاستبداد السياسي (محمد بن سعود)، مع التطرف الديني (محمد بن عبدالوهاب)، وهو السلسلة الأخيرة من الجزء المُظلم من التراث التاريخي الدموي في الصراع على السلطة، والتراث الفكري المُتخلف للعلاقة بين السلطة والمعارضة؛ فكان نتاجهما فكر ديني سياسي يقوم على عبارة (يُستتاب وإلاّ قُتل) المشهورة عن العالم الكبير أحمد بن حنبل التي استندت إليها المدرسة الوهابية التي أُقيمت على أساسها الدولة السعودية، وأنتجت كل الحركات الدينية المتطرفة كالقاعدة وداعش وأخواتهما الذين عاثوا في الأرض تكفيراً وتقتيلاً وتدميراً، واستباحوا دماء وأعراض وأموال الناس من المسلمين وغير المسلمين. وكان نتاجهما – الاستبداد السياسي والتطرف الديني – إجازة إمارة المُتغلّب، الذي يستوّلي على السلطة بالقوة، رضوخاً للأمر الواقع، بدون سند شرعي من قرآن أو سنة، كما أستولى آل سعود على الحكم في الجزيرة  العربية وسموها باسمهم. فأنتجوا علماء برعوا في التأصيل الشرعي للاستبداد، وشرعنة الفساد، وتبرير الظلم، وتقييد المشاركة الشعبية في الحكم وحصرها في (أهل الحل والعقد)، ومصادرة حق الشعب في تعيين وعزل الحاكم، وجعلوا الشورى غير ملزمة، وخلطوا بين المعارضة السياسية للحكم والخروج المُسلّح على الحاكم... فكانت النتيجة الكلية ثقافة متحجرة لا تقبل التنوّع، وفقه جامد لا يقبل الاجتهاد، ورؤية أُحادية لا تقبل الآخر المختلف.

وفي الختام جمال خاشقجي قُتل على يد النظام السعودي لأنه مُختلف، وهذا ما صرّح به خاشقجي نفسه في مقال بعنوان (أنا سعودي ولكن مختلف) كتبه فور مغادرته السعودية نهائياً في جريدة الحياة اللندنية في سبتمبر عام 2017 جاء فيه "... كلنا نحمل أكثر من هوية، من دون هوية الوطن الجامع، ومع انعدام ثقافة التنوّع، وتنمّر ثقافة الاجتثاث، سنتعصب لها ونمضي نجتث أو نقصي أو نحتقر كل من يختلف عنّا، ويحمل مثلنا واحدة من تلك الهويات الصُغرى... بل حتى التوّجه والاجتهاد السياسي. لو استقر الأمر لمن دعا إلى اجتثاث هذا التيار وتصفية ذلك الاتجاه الذي يبغضه، ثم احتفل بالانتصار... فسيكتشفون لاحقاً، بعدما قبلوا واستسهلوا مبدأ الاجتثاث والإقصاء، أنهم مختلفون أيضاً، ولا بد أن يجتث بعضهم بعضاً...".