خبر الرصاص المصهور – من يتوقع الربح من القتال في غزة؟

الساعة 11:44 ص|13 يناير 2009

نظرة من الاعلى*

الرصاص المصهور – من يتوقع الربح من القتال في غزة؟

بقلم: يورام شفايتسر

        (المضمون: ايران هي اكبر رابحة من الحرب الاخيرة في غزة لان هذه الحرب تصرف انتباه العالم عن سعي ايران الى احراز القدرة الذرية. يجب على اسرائيل ان تكشف للعالم عن الدور السلبي لايران في اشعال النزاعات الاقليمية خدمة لمصلحتها – المصدر).

        في الحرب التي تدور اليوم بين حماس وبين اسرائيل في غزة ثمّ من تلعب دورا رئيسا من وراء الستار وتريد أن تكون اكبر رابحة من القتال وهي ايران. فتحت غطاء هذه الحرب، كما كان في الحال ايضا تحت غطاء الحرب ا لسابقة في لبنان بين اسرائيل وحزب الله، تربح ايران زمنا ثمينا لتقديم الهدف الاستراتيجي المتقدم لسياستها في السنين الاخيرة الا وهو احراز القدرة على انتاج السلاح الذري.

        في حين تحظى اسرائيل بقدر كبير من النقد من الرأي العام العالمي بقي نصيب ايران الرئيس من اشعال جولات القتال في الشرق الاوسط بعيدا عن العين العامة. فهي التي تقف بكامل ثقلها، من وراء تدريب وتزويد وتسليح وتمويل المنظمات التي تخدمها في الشرق الاوسط تنجح في التهرب من النقد الحقيقي. ايران تكسب من نشوب اعمال العنف ربحا مضاعفا: الاول انها تساعد في اعداد القوى المحلية للقتال – وعندما ينشب القتال ينصرف الانتباه الدولي الى مراكز بعيدة عنها. والثاني انها هي التي تدعى الى المساعدة في اعادة بناء القوى التي ليست دولة والتي تخدم شؤونها. تفعل ايران ذلك باجتهاد ونشاط وتزودها وتسلحها مرة اخرى استعدادا لجولة قتال ممكنة اخرى.

        يجدر بنا أن نلحظ التغيير الذي طرأ على صورة استغلال ايران لورقة الارهاب. فمنذ تولى السلطة نظام الفقهاء في ايران وهو يستعمل الارهاب أداة فعالة لتقديم اهدافه السياسية. في العقدين الاولين استعملت ايران الارهاب استعمالا مباشرا وظاهرا مستخدمة عناصر استخباراتها الذين ارسلتهم للقضاء على المعارضين في ايران والجالين من معارضي النظام خارج ايران ومنهم من كان في دول غربية، من غير أن تتردد عن المس بسيادتها والاخلال بقوانيها. بمقابلة ذلك استعملت ايران منظمات تابعة اشتغلت هي ايضا بالقضاء على المعارضين (مثل القضاء على الجالين من الحزب الكردي في برلين في سنة 1992) ووسعت نشاطها المقاوم لاهداف دول غربية وعربية كانت سياستها مناقضة لمصالح النظام في ايران.

        في السنين الاخيرة انتقلت ايران الى سياسة اتجاه غير مباشر لاستعمال الارهاب، في مركزه تطوير القدرة العسكرية لمن ترعاهم (على نحو تام او جزئي)، بالتزويد بالمعدات والوسائل القتالية ذات نوعية اعلى، وبتدريبات عسكرية متقدمة داخل ارض سيادتها. وهذا الامور ترمي الى منحها قدرة على الاقلاق بل على المواجهة العسكرية لاعداد ايران وعلى رأسهم اسرائيل.

        هكذا دربت ايران كثيرين من افراد حزب الله وزودت المنظمة بافضل المعدات والوسائل القتالية التي تملكها الى أن جعلتها تبلغ مستوىً قتاليا يشبه الموجود لدى جيوش نظامية في دول ذات سيادة. تم البرهان على هذه القدرة في حرب لبنان الثانية وخدمت كالمتوقع المصلحة الايرانية.

        منذ بضعة سنين تأخذ ايران بسياسة مشابهة ايضا من حماس برغم ان الصلات بينهما تختلف عن تلك الموجودة بين ايران وحزب الله. وهي – كما ترى حماس – ذات شكل زواج موقوت بل ضرورة لعدم راعين أبدال. فايران هي التي تزود حماس بصواريخ بعيدة المدى تقلق وتشوش في هذه الايام على حياة سكان اسرائيل في جنوب البلاد بل قد تبلغ ضواحي مركز اسرائيل.. وساعدت ايران حماس ايضا (والجهاد الاسلامي ايضا الذي كان نشيطا رئيسا في اطلاق الصواريخ على مدن الجنوب التي افضت الى نقض الهدنة وهو شريك باحتمال كبير في اطلاق الصواريخ الذي يتم في هذه الايام على مدن اسرائيل) في اعداد جزء ملحوظ من قوتها القتالية. اجتاز افراد حماس في السنين الاخيرة اعدادات عسكرية مؤسسة في ايران، بدءا بدورات تعليمية اساسية استمرت شهرا ونصف الشهر الى تدريبات متقدمة استمرت نحو من نصف سنة. وبذلك منحت ايران حماس اعدادا تجنيديا وقياديا بمستوى عالٍ وزودتها بحيث تحولت بمساعدتها من منظمة تستعمل خلايا ارهابية الى قوة عسكرية هرمية مدربة ومزودة لقتال اسرائيل.

        يقوم المبدأ القتالي الذي استعملته حماس ويقوم منطقه بيقين، قبل عملية الرصاص المسكوب وفي اثنائها، على المبدأ الايراني الذي عمل حزب الله ايضا بحسبه. في أساس هذا المبدأ الاقلاق باطلاق صواريخ على مدن اسرائيل ذات مدى مختلف لكي تدخل مناطق مدنية اكثر فأكثر في دائرة النار، وذلك قصد الاستنزاف واثارة الخوف عند مواطني اسرائيل والتشويش على حياتهم فضلا عن الاضرار المادي غير الانتقائي الذي تسببه لهم.

        ايران من جهتها تنتظر بصبر المرحلة المتوقعة بعقب فترة القتال في غزة. ولما كان جليا للجميع ان البنية التحتية المدنية والاقتصادية والعسكرية لحماس تتلقى في هذه الايام ضربات شديدة جدا من اسرائيل، فمن الواضح ان المنظمة ستحتاج مع انقضاء القتال الى اعادة بناء اساسي، والى تزويد من جديد بالمعدات والوسائل القتالية، والى تدريب قوات جديدة بدل تلك التي اصيبت والى نفقة كبيرة بطبيعة الامر. ان ايران هي الشريك الجاهز والمستعد دائما للمساعدة وللتأييد في كل ذلك. وتبرز ايران في وحدتها البراقة مؤيدة وحيدة لحماس، بازاء السعودية ومصر والاردن التي تتحفظ، ولو كان بعضها يفعل ذلك في شبه صراحة، من السياسة الارهابية التي استعملها حماس بازاء جنوب اسرائيل – وهي السياسة التي افضت آخر الامر الى الرد الذي يسبب المعاناة الثقيلة لسكان غزة.

        في مناضلة ايران يوجد لاسرائيل اليوم حليفات ممكنة كثيرة من دول العالم الغربي والعربي على السواء. فهذه ترى ايران الشيعية قوة صاعدة سلبية تهدد استقرار النظام العالمي والاقليمي في مجال نشر السلاح الذري وفي مجال الارهاب ايضا. وفي حين تريد ايران الاستمرار على تأجيج النزاعات واشعال العنف في الشرق الاوسط بحيث يخدم اهدافها السياسية، وتظل هي في الظل تنشط من وراء الستار، يجب على اسرائيل أن تضي سياستها هذه بمصباح عظيم القوة وان تكشف للجميع عن دورها السلبي.

        قال الرئيس المنتخب براك اوباما الذي سيدخل البيت الابيض في العشرين من كانون الثاني 2009 انه ينوي محاورة ايران للفحص عن استعدادها لتغيير سياستها في مجال الذرة والامتناع عن الاستمرار على السعي النشيط لاحراز السلاح الذري. الى جانب هذا الموضوع المهم توجد حاجة الى صد دور ايران كمؤججة للنار في الشرق الاوسط. ينبغي الطلب الى ايران ان تكف عن تأييدها النشيط لمنظمات في الشرق الاوسط وعلى رأسها حزب الله والمنظمات الفلسطينية مثل حماس والجهاد الاسلامي، والتي تعمل بتعاون بينها بمساعدتها للتشويش على كل محاولة لتقديم اجراءات السلام بين اسرائيل ولبنان وبين اسرائيل والمعسكر البراغماتي الاسرائيلي.  ان الثبات العنيد على هذا المطلب قد يساعد ادارة اوباما اذا استجابت ايران لذلك، في تقديم امكان التوصل الى تفاهمات وتسويات سياسية في الشرق الاوسط.

        الى أن يتم امتحان نجاح ادارة اوباما في تغيير نهج ايران، يجب على اسرائيل أن تكشف لصاغة الرأي العام العالمي، الذين ينتقد بعضهم سياستها غير التناسبية بشدة، عن دور ايران كمشعلة للعنف على الدوام في المنطقة وكرابحة رئيسة منه. ان أرباح ايران يعبر عنها في عدة صعد: صرف مركز انتباه الرأي العام العالمي عن القضية الذرية الى نشوب العنف في المنطقة والحاجة الى بذل جهود لحله؛ واستنزاف المجتمع الاسرائيلي بصراع دائم؛ وشغل الجيش الاسرائيلي وتوزيع جهوده؛ وتأسيس وتعزيز تعلق حماس بايران الذي سيضطرها الى ان تكون ادارة تخدم سياستها ويقوي التزامها خدمة مصالحها.


* نشرة الكترونية تصدر عن مركز بحوث الامن القومي – جامعة تل أبيب.