خبر فقدت قدميها واخاها وابن عمها ..جميلة ابوهباش ... قصة صمود وثبات

الساعة 05:32 ص|13 يناير 2009

فلسطين اليوم - غزة

عندما رأيتها توقعتها تبكي، ولما لا تبكي؟ وقد فقدت قدميها الاثنتين، وفقدت أخاها، وابن عمها، وفقدت بيتها، وفقدت مشاعر الطفولة والتي اغتالها الصهاينة، ولكن عندما اقتربت منها لأسجل معها فإذا بها تفاجئني بابتسامة عريضة، أنستني صوت القصف الذي أسمعه عن كثب، أنستني صوت الطنانة المزعج الذي لا يتوقف أبداً عن الطنين.

أما جميلة وهي جميلة بكل المعاني توقعت منها عندما أطلب الحديث أن تتعذر بقصف بيتها أو بتر قدميها أو استشهاد أخيها، ولكنها تحدثت إلي بصوت مسموع، يملأه التفاؤل، وكأنها تهزأ بهذه الطائرات التي تقصف من فوقنا، وتستخف بأصوات القنابل من حولنا، ولسان حالها ما بالكم بشعب أعزل الله رب العرش معه؟ هل تراه ينهزم؟ هل تراه يعرف اليأس والاستكانة والذلة؟.. كلا .. إن الله معنا ، وستبقى غزة، وتتلاشى اسرائيل، سيبقى الشعب الفلسطيني، ويفنى الصهاينة ، سننتصر وينهزمون.

وإذا بها تحكي قصتها كملاك بريء تقول كنت ألعب فوق سطح دارنا أنا وإخوتي وأولاد عمي، ونحن مطمئنين آمنين غير خائفين، ولما الخوف ونحن نلعب فوق سطح دارنا؟ مثلنا مثل كل الأطفال، لا نعبأ بهذه الصواريخ ولا هذه الطائرات، نحن في مأمن منها، نحن لا نملك سلاحا، نحن لا نخبيء في دارنا أسلحة ولا صواريخ، دارنا فارغة حتى من الطعام والماء، فلما تضربنا الطائرات. وإذا بنا في هذا الجو الهادئ وهذا السكون الآمن المطمئن .. ينزل علينا ما يعكر صفونا ويغتال براءتنا ، فإذا بالطائرات التي لا ترحم ولا تفرق بين أطفال أو رجال أونساء، لا تفرق بين مقاوم أو مسالم، إذا بها تقصفنا بصواريخ ملتهبة محرقة، ما تذر من شئ أتت عليه إلا وأحرقته .. دمرته، فتبدل الحال وأصبح وصفه من المحال، فبعد أن كان إخوتي وأولاد عمي حولي يمرحون، ويلعبون، فجأة تبدل كل شئ تبدلت ضحكاتنا بصرخات وآهات، تبدل لون ملابسنا وأجسادنا إلى الأحمر القاني فإّّذا بي اجدهم امامي جثث متفحمة ممزقة مشوهة المعالم، لا أستطيع أن أفرق بين أخي وابن عمي.. اختلطت لحومهم ودماؤهم

وتواصل إذا بي بعد هذه الفاجعة، لم استطع أن أحتمل هول ما نزل بنا، وكأن الله غشاني بالنعاس أمنة منه، ولم أفق إلا وأنا في مستشفى الشفاء، وبعدما فقدت كل شئ، فإذا بي أكشف الغطاء عن قدمي، فلم أجدهما، فاحتسبتهما عند الله، وعزائي أن يسبقاني إلى الجنة.