الحرب على الوعي.. بقلم: عبد الرحمن شهاب

الساعة 09:37 ص|15 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

يحاول الخبراء الإسرائيليون إيجاد ساحة جديدة يمكن أن ينتصر فيها الجيش الإسرائيلي، بالاستعانة بكل الخبرات التقنية من داخل المجتمع، وتهدف لمزج المجتمع الإسرائيلي في المعركة وتحمل مسؤوليتها؛ رغم أنها غير واضحة المعالم، بل لا يوجد هناك اتفاق على تعريف متفق عليه لهذه الحرب في أوساط الباحثين حول جوهر الحرب على الوعي.

الجنرال احتياط ميري ايزن (المتحدثة الإعلامية السابقة باسم الحكومة الإسرائيلية) اقترحت التعريف التالي: معركة الوعي في الحرب هي محاولة شاملة تقوم بها الدولة أو كيان غير رسمي للتأثير على الجماهير المستهدفة المختلفة، بهدف تحقيق الانتصار في المواجهة القومية، وحسب زعم ساعر رفيه (الحاصل على رسالة الدكتوراه في "تطوير الجيش أثناء المواجهة - الجيش والصراع الفلسطيني الإسرائيلي) فيعتبر مصطلح "ساحة الوعي" جديد نسبيًا في مجال الجيش والحرب، ومرتبط بعدد من الخطوات المركزية التي طرأت بانتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا. ووفق شاي شيفتاي (المحاضر في مجال الأمن والتخطيط الاستراتيجي في جامعة "بار ايلان") فالوعي هو معيار آخر للحرب العسكرية، متعلق بالجوانب الموضوعية مثل الأفكار والمعتقدات والمفاهيم التي تعكس عالم التفاسير والرموز.

معادلة الوعي اكتشفها الجيش الإسرائيلي عندما تسلل إلى وعيه الإيمان بالفشل في المعارك ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية، حيث فشل بتحقيق أي حسم أو اختراق، وأصبح يرثي الزمن الذي كان يصنع فيه مشهد إخراج الفلسطينيين من بيروت إلى عرض البحر 1982، ووقف وجها لوجهٍ أمام مقاومة أيديولوجية مخالفة تعتمد على وعي المقاتلين الذين لا يرون أن هناك فرصة للهزيمة ولا يقيمون وزنًا للحياة ولا يملّون من تجديد الوعي بالاحتلال، وقد حققوا انتصارًا على الوعي الإسرائيلي كون عقيدتهم لا توازيها أية وسيلة تعبئة لدى العدو الإسرائيلي، فالعقيدة الإسرائيلية مهما تجذرت تبقى عقيدة غير متجذرة في الغيب، ممّا يفقدها القدرة على الصمود. لقد أصبح واضحًا أن رأس الدولة في إسرائيل مكوي الوعي، فقبل أيام صرّح بوضوح بيبي نتنياهو بأن لا إجابات لديه في مواجهة منظمات أيديولوجية ما زالت تؤمن بتدمير دولة إسرائيل.

في السنوات التي سبقت حرب لبنان الثانية، أدرك الجيش الإسرائيلي أن زمن الانتصارات قد ولى، وأن المساس الكبير بقدرات العدو على القتال متعلق بالجانب التوعوي للعملية العسكرية بشكل لا يقل أهمية عن الجانب المادي.

حساسية المجتمع الإسرائيلي للإصابات

الرعب الكبير من الموت الذي يقتل القلب الصهيوني ولا تخشاه المقاومة، والذي يستعد الشعب الفلسطيني لتقديمه في مسيرة الدفاع عن الأرض والوطن، وكذلك دعم المقاومة، ذلك الوعي الذي اكتوى به الإسرائيليون؛ يحاول الإعلاميون والسياسيون الإسرائيليون أن يبرروه بأنه نتيجة ثقافة الديموقراطية في المجتمع الإسرائيلي والغائبة عن المجتمع الفلسطيني، لكنهم يعترفون بأن حساسية المجتمع للخسائر تقل طالما هناك تقدير بأن فرص نجاح الحرب تكون أعلى؛ بمعنى حتى أنه لو كانت حقيقة الشروع في الحرب تعتبر خطئًا من وجهة نظر الجمهور، فإنه يقبل باستمرار القتال وسيسلم بالخسائر الأخرى إذا رأى أن جانبه منتصر، وهذا يعني أنه متعطش للقتل والدم والحرب إذا ظن أنه سينتصر، وليس نتيجة تحضر شعب ورقي ثقافته.

على ضوء ذلك، يرى القادة وقت الحرب أهمية كبرى لإعطاء شعور للجمهور بأن الانتصار لابدّ قادم - من بين الكثير من الأمور - من خلال عرض الإنجازات في ميادين القتال، وكذلك تضليل الحقائق التي من شأنها أن تتسبب بإضعاف المعنويات مثل الإخفاقات والهزائم في المعارك والخسائر الفادحة؛ بالضبط كما حصل بالأمس، فالمجتمع الإسرائيلي كان يطالب بضرب المقاومة بقسوة، وفي تقديرهم بأن الجيش قادر على تحقيق ذلك الانتصار دون خسائر، ولكن القيادة الإسرائيلية التي تدرك الثمن المترتب على ذلك تعلم أنه بعد نهاية الحرب ستوجه لهم لائحة اتهام، بسبب دخولهم المتهور للحرب، تمامًا كما حصل في تحقيقات حرب لبنان الثانية.

بعد حرب لبنان الثانية، اعترف رئيس الأركان دان حالوتس أثناء الحرب بأنه في الوقت الذي اتخذ فيه قرار الحرب، كان واضحًا له أنه لابدّ من الاخذ بعين الاعتبار أن تحمل سقوط الضحايا يختلف عمّا كان عليه في الماضي. لجنة "فينوغراد" التي حققت في حرب لبنان الثانية أقرت بأنه كان هناك قيود على عمليات القوات لاعتبارات توافقت مع الاعتبارات الأمنية الروتينية مثل الحرص الخاص على الامتناع عن المخاطرة بالجنود. التطرق لهذه الظاهرة يمكنك إيجاده في كتاب دان حالوتس "عدم استيعاب وضع الحرب برز في الأوامر الداخلية المختلفة، والتي خرجت من قيادة الشمال وفي سلاح البحرية وسلاح الجو وفرضت على القوات التنفيذية قيودًا ومعوقات لا تتناسب مع الواقع القتالي الذي دخلنا فيه. الخوف من إصابة الجنود تغلغل عميقًا...".

تلخيص

إسرائيل استثمرت خلال حرب لبنان الثانية الكثير من الجهود، في محاولة تصميم وعي الجمهور وإقناعه بنجاحات الحرب وإنجازاتها، وبالتالي زيادة الشرعية الداخلية لحراكها وأضرارها. مع استمرار الحرب، تزايدت الحاجة لتقديم إنجازات يفسرها الجمهور على أنها ذات مغزى؛ في هذا الإطار خرجت إلى حيز التنفيذ عمليات عسكرية، كان الهدف منها توعويًا، لكن في الكثير من الحالات لم تنجح هذه العمليات في خلق فكرة النصر المرجوة.

النتائج الواردة أعلاه تشير إلى الضغوطات المتناقضة من جانب الجمهور الإسرائيلي، والتي يعطيها وقت الحرب إلى قيادته، فمن جهة يريد إنجازات سريعة ومثيرة للإعجاب، ومن جهة أخرى يريد هذا الجمهور ان يكون عدد المصابين قليلًا قدر الإمكان. صناع القرار يتطلعون إلى الحفاظ على التوازن الدقيق بين المطلبيْن، لكن في بعض الاحيان ترجح الكفة حسب فهمهم لصالح مزاج الجمهور، الذي يقيس فترة القتال، أهدافها وإنجازاتها، بعدد المصابين.

خوف القيادة الإسرائيلية من وقوع الإصابات وحاجتها إلى الشرعية الداخلية أديا في بعض الأحيان، وبشكل متناقض، للقيام بعمليات كانت تنطوي على المخاطرة بحياة المقاتلين. كما ان اعتبارات الشرعية الداخلية، بما في ذلك الاعتبارات المتعلقة بعدد المصابين، من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على حكم صناع القرار وقت الحرب.