نتنياهو مستعد لأخذ مخاطرة غير قليلة كي يحصل على هدوء في القطاع.. هآرتس

الساعة 10:46 م|14 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: رغم أن جولة العنف الحالية كانت الأشد منذ سنوات، فان الكابنت قرر مرة اخرى التوجه نحو وقف اطلاق النار. بنظرة الى المستقبل حماس تحاول أن تملي قواعد لعب جديدة، حتى عملية سرية في غزة هي ذريعة للقصف).

بعد يوم القصف الاكثر كثافة الذي سجل في جنوب البلاد، وهو أشد من الارقام العالية في عملية الجرف الصامد، قرر اليوم الكابنت الاسرائيلي الاكثر يمينية الذهاب الى وقف لاطلاق النار مع حماس في القطاع. صحيح أن البيان الرسمي صيغ بلغة ضبابية (الكابنت اصدر تعليماته للجيش "بمواصلة العمل كلما لزم الامر"). ولكن معناه اتضح في الظهيرة: الجيش الاسرائيلي أوقف اطلاق النار، وكذلك ايضا التنظيمات الفلسطينية في القطاع التي من ناحيتها اعترفت بذلك صراحة.

هذه الامور جرت خلافا لجزء كبير من الاقوال التي سمعت في التلفاز منذ بدء جولة الهجمات الحالية في مساء يوم الاحد. القرار اتخذ رغم ضغط الجمهور والانتقاد المتزايد في وسائل الاعلام لما وصف بسياسة الرد الضعيف للحكومة. ليس مستبعدا أن يكون هذا الرد مرتبطا ايضا بضرر سياسي. مع ذلك، يبدو أن رئيس الحكومة نتنياهو مصمم على ذلك بصورة تناسب تماما اقواله في المؤتمر الصحفي في باريس في بداية هذا الاسبوع، نتنياهو يفضل الهدوء على حرب في غزة – وهو مستعد لأخذ مخاطرة ليست بسيطة من اجل التوصل اليه.

القرار كان مرتبط بخلافات في الكابنت، خلافا للتسريبات الاولى، فقد اهتم الوزير بينيت والوزير ليبرمان بالتأكيد بعد النقاش على أنهما لا يؤمنان بالتسوية. في المقابل، نتنياهو يحظى بتأييد رؤساء جميع الاجهزة الامنية الذين يعتقدون بأنه لا يوجد مبرر لشن حرب الآن في غزة، حتى بعد الاطلاقات الثقيلة في اليومين الاخيرين. حسب اقوال مشاركون في الجلسة فان نتنياهو لا يرى في احداث الايام الاخيرة أي تغيير جوهري في الوضع على الارض. من ناحيته التصعيد كان أمرا تكتيكيا فقط، يعيد الطرفين الى نفس النقطة التي كانت في محادثات التسوية، وبالتأكيد ليس أمر يجب أن يفرض أي تغيير على المستوى الاستراتيجي. كذلك اضاف الحضور بأنه بدرجة ما هو يفهم ايضا ضغوطات حماس.

كما أن هناك ايضا متغير لعب دور في هذا القرار: التوقيت. على خلفية حقيقة أن الجولة الحالية اندلعت بسبب خلل اسرائيلي غير مخطط له في القطاع وبدون قدرة على مفاجأة حماس، التفسير هو أنه في وضع كهذا سيكون اصعب على اسرائيل استعراض قوتها. مع ذلك، حتى لو لم يقل هذا بصورة علنية، فان الكابنت يستعد لاحتمالية أن الخطط والاتصالات للتسوية ستتشوش مرة اخرى والجنوب سيشتعل. في حينه خيار الدخول البري الى غزة سيطرح مجددا على الطاولة وربما اكثر من ذلك.

نتنياهو صرح في السابق عن اعتباراته طوال الوقت: هو يعتقد أن عملية برية في غزة يمكن أن تتعقد وتكلف ثمنا باهظا، وهو يخشى من أنه لن يكون هناك من سيأخذ الحكم في القطاع حتى لو طردت اسرائيل حماس من هناك. لقد كان كما يبدو لذلك اسباب اخرى. فرئيس الحكومة يعتقد أنه يمكنه مواصلة تحسين العلاقات مع دول الخليج بعد الزيارة العلنية في عمان، وربما الاستعانة بها من اجل ضخ الاموال للقطاع وتخفيف مشاكل البنى التحتية هناك. بقي ايضا التهديد الايراني في سوريا ولبنان، الذي حسب رأي نتنياهو يحتاج الى اهتمام وتخصيص موارد.

رئيس الحكومة أخذ على مسؤوليته كما يبدو مخاطرة ليست قليلة. جهود التسوية يمكن أن تتشوش مرة اخرى مثلما حدث في مرات كثيرة مؤخرا. لقد تولد ايضا الانطباع بأن زعماء حماس يعتقدون أنه باستطاعتهم أن يرفعوا في كل مرة من جديد سقف العملية العسكرية ضد اسرائيل، دون أن يدفعوا في المقابل ثمنا باهظا. في الوقت الحالي قرار الكابنت يعيد الهدوء الى بلدات غلاف غزة حتى اندلاع المواجهة القادمة.

اشارات من غزة

الارقام التي سجلت حتى الظهيرة هي ارقام مجنونة. اكثر من 450 صاروخ وقذيفة اطلقت من القطاع. معظمها وجهت نحو بلدات الغلاف، وعدد قليل منها وجه نحو مدن جنوب البلاد. يبدو أيضا أن هناك محاولة لحماس والتنظيمات الفلسطينية لتحدي انظمة الدفاع الاسرائيلية. القبة الحديدية اعترضت عدد كبير من الصواريخ التي ربما كانت ستسقط في مناطق مأهولة. ولكن صاروخ اصاب مبنى قديم (بدون غرف آمنة) في عسقلان أدى الى اصابات – قتيل ومصابتان باصابة بالغة. ومثلها ايضا كانت هناك فجوة خطيرة في نظام الحماية للجيش مكنت من اصابة صاروخ مضاد للدروع لحافلة قرب الجدار واصابة جندي بصورة بالغة.

الرد الفلسطيني جاء بعد فترة هدوء استمرت ساعات طويلة بعد تشوش عملية القوة الخاصة للجيش في عمق القطاع في خانيونس. حماس لم تكتف بتسويق الرواية التي تقول إنها صدت توغل اسرائيلي وقتلت ضابط كبير في الوحدة الخاصة. يبدو أن حماس ارادت اعطاء اشارة بأن ردها على الاختراق في اراضيها (بالنسبة لها، خرق سيادتها) تقتضي بأن يكون أكثر شدة، هذه بالفعل محاولة لاملاء قواعد لعب جديدة: حتى نشاط سري يتم كشفه في اراضيهم – وشبيها به يقوم الجيش ايضا في حدود اخرى من الدولة – سيؤدي الى قصف شديد للاراضي الاسرائيلية.

ربما أن قرار حماس الرد بشدة تأثر من التصريحات المتكررة لنتنياهو، التي بحسبها قال إنه غير معني بالتصعيد. يبدو أن قادة حماس انفسهم فوجئوا كل مرة من جديد من الرد الاسرائيلي المحدود على اطلاق الصواريخ، في كل مرة من جولات العنف السابقة في الاشهر الاخيرة. وطبقا لذلك زادت ايضا الشجاعة الفلسطينية من جولة الى اخرى.

فشل مضادات الدبابات

الحدث الاكثر اقلاقا في اليوم الذي سبق وقف اطلاق النار يمكن أن يعكس ايضا اختيار عملي لحماس بأن لا تصعد التوتر الآني الى درجة حرب شاملة. القصد هو فيلم الفيديو القصير الذي نشرته حماس وفيه تظهر اصافة الحافلة الاسرائيلية قرب الجدار في ظهيرة أول أمس. في الفيلم الوثائقي يظهر جيدا كيف أن سائق الحافلة دخل الى منطقة ليس بينها وبين الحدود أي حماية، وهكذا كان مكشوفا بشكل كامل لاصابة صاروخ مضاد للدبابات. في المحيط يظهر عدد من المركبات الصغيرة، معظمها عسكرية والى جانبها جنود.

الصاروخ فجر الحافلة واصاب جندي كان يقف قربها. الحافلة التي اصيبت نقلت قوة تعزيز تم ارسالها الى المنطقة، وفقط دقائق معدودة قبل ذلك نزل منها عشرات الجنود. رغم أن هذا الجزء لا يظهر في فيلم حماس، إلا أنه يمكن أن نفهم منه أن خلية مضادات الدبابات التابعة لها خبيرة بكل التفاصيل واختارت اطلاق الصاروخ في الوقت المناسب.

مشاهدة الفيلم تقشعر لها الابدان وتثير الغضب. مع كل الحذر المطلوب يجب القول بأنه بهذه الصورة لا يمكن أن يتصرف جيش يوجد في حالة حرب. هذه الدروس كان يجب تعلمها بالدم بعد اخطاء سابقة من اطلاق مضادات الدبابات في عملية "عمود السحاب" في القطاع (2012 وقبلها) وفي حادثة منحدرات هار دوف على حدود لبنان، التي قتل فيها ضابط وجندي في كانون الثاني 2015. يوجد في الجيش توجهات ثابتة تقول إنه يجب اغلاق خط الجدار ومناطق الدخول الموجودة امام حركة المدنيين (باستثناء سكان المنطقة الذين يسافرون لاغراض ملحة). وعدم كشف سفر اداري غير محمي للنار المباشرة. اضافة الى ذلك حركة المركبات في نفس المنطقة تم وقفها قبل بضع ساعات بالضبط بسبب الخوف من اطلاق الصواريخ المضادة للدبابات.

العقيدة العسكرية تقضي بابعاد مناطق دخول الوحدات الى خلف مدى المدفعية التكتيكية للعدو. في حالة حماس – مدى 5 كم من نيران القذائف. هذا الخلل يعود ويخلق انكشاف مبالغ فيه لنار المدفعية، وهذه المرة ايضا لكمين مركز من مضادات الدبابات، رغم أنه سبق أن كلف ذلك قتلى، ووجهت له انتقادات حتى في عملية الجرف الصامد. لقد كان يمكن التوقع من الجيش الاسرائيلي ادارة متشددة اكثر للحركة في المناطق القريبة من الجدار – وهذا خطأ كبير يقتضي تحقيق جدي. أمس اعلن الجيش عن تشكيل لجنة تحقيق برئاسة ضابط برتبة عميد لفحص ظروف الحادثة.

ايضا قذائف الهاون تبدو كمشكلة تجد اسرائيل صعوبة في التعامل معها. منذ سنوات يبدو أنه توجد صعوبة للجيش الاسرائيلي في مواجهة نيران مائلة المسار قرب الجدار في القطاع، وضرب خلايا الاطلاق. خلافا للصواريخ، معظم مدافع الهاون هي ثابتة ولا يتم تحريكها من مكان الى آخر اثناء القتال. اطلاقها المتواصل يمكن أن يدل على أن حماس قطعت شوط كبير في محاولة تعويض الاصابة الاسرائيلية المنهجية لسلاحها الهجومي الرئيسي حتى الآونة الاخيرة ألا وهو الانفاق.

سؤال آخر يتعلق بنوعية الافكار الهجومية التي توجد لدى الجيش الاسرائيلي. خلال الجولات الاخيرة الانطباع هو أن رد يستند الى المس بمواقع حماس وحتى بالمباني متعددة الطوابق التي تمكنت حماس من اخلاء سكانها، لن يحول في هذه الاثناء قيادة حماس عن اهدافها. يبدو أن اللغة العسكرية الجديدة حتى التي تبشر بتصريحات الناطق بلسان الجيش عن "مهاجمة هدف ارهابي خاص لحماس، لم تستوعب جيدا في اوساط الجمهور الاسرائيلي. هذه الصيغة يمكن أن تسمع كتبجح (أو كاعلان عقاري)، حتى لو كانت وجهة اسرائيل نحو وقف اطلاق نار طويل المدى، وهذا بالتأكيد افضل من الحرب، ربما أنه بنظرة الى الوراء ستكون هناك حاجة لاعادة فحص قرار التقدم بسرعة كهذه نحو وقف اطلاق النار. كما تبدو الامور في هذه الاثناء فان حماس تبث بأنها هي المنتصرة وأن الخطوات الاسرائيلية لم تذكرها بعد بالفجوة في القدرات بين الطرفين. هذه نقطة انطلاق اشكالية للوصول منها الى اتفاق على وقف طويل المدى لاطلاق النار.