الاحتلال سلب والده والتوأم وحياته

صورة الشهيد الريفي رحل سريعاً وترك جرحاً غائراً في قلب أمه

الساعة 06:25 م|08 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

لم تتوقع المواطنة "هبة الريفي" أن نجلها الصغير "محمد" سيفارق الحياة سريعاً، وأن 4 سنوات من العلاج لن تشفع له البقاء أمام عينيها اللتان تذرفان الدمع حزناً وألماً على حياته الطفولية التي قضاها رغم عنه طريح الفراش بفعل صاروخ إسرائيلي حاقد.

الطفل "محمد" الريفي (13) عاماً قضى 9 أعوام من حياته كالأطفال يلعب ويجري ويشرب ويأكل ما يحلوا له؛ إلا أن شظايا صاروخ إسرائيلي عام 2014 أفقدته القدرة على الحركة كلياً ليكمل حياته على الأجهزة الطبية لمدة 4 سنوات متتالية، أثبت خلالها قدرته على تحدي الإعاقة بالصبر والإصرار وقوة الإرادة.

بتاريخ (21/8/2014) تغيَّرت حياة محمد وعائلته رأس على عقب حيث أصيب بشلل رباعي، واستشهد توأمه ووالده وعمه وأربعة من أبناء عمه، جراء قصف "إسرائيلي" استهدف أرضهم الزراعية التي كانوا يتفقدونها بعد التوصل إلى تهدئة بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على قطاع غزة.

 بداية المعاناة

توجه محمد صباح يوم الخميس (21/8/2014) برفقة شقيقه التوأم ووالده وعمه وأربعة من أبناء عمه إلى أرض زراعية لعائلته تبعد عن منزل والده نحو 100 متر فقط لقطف ثمار الخضار، بعدما فرغ منزلهم من الخضار بسبب الحرب الإسرائيلية على القطاع.

وبعد وقت قصير فقط من الوصول إلى الأرض الزراعية بدأت الفاجعة الأولى حيث فجأة ودون سابق إنذار "ارتفع التراب أمتار عدة فوق رؤوسهم، تناثرت أجسادهم بين الأشجار، امتزجت الأوراق الخضراء بدماء الصغار" وكل ذلك بفعل صاروخِ إسرائيلي قضى عليهم، لكن محمد وعمه طارق نجيا من القصف بأعجوبة.

وبعد مشاهد الرعب والفزع التي أصيبت بها الأم المكلومة باستشهاد زوجها وطفلها، فُجعت مرة ثانية فور علمها بأن نجلها "محمد" الذي نجا بأعجوبة من القصف لن يتمكن من الحركة وسيبقى طريح الفراش مدى الحياة.

تقول الأم "هبة" بعد 6 أشهر من تلقي محمد العلاج في مستشفى الشفاء بغزة نقل إلى مستشفى الوفاء للرعاية والتأهيل وقضى حياته كلها داخل المستشفى حتى أعلن عن استشهاده.

"وخلال فترة علاجه في مستشفى الوفا كنت أذهب إليه مع أشقائه الصغار ونرى البسمة على شفتيه ونحاول قدر الإمكان اسعاده؛ لكن كنت أرى في عينيه الإصرار بتحدي الإعاقة ومواجهتها بالصبر والصمود والدعاء إلى الله" تضيف الأم هبة.

"قبل اصابته كان محمد يداوم بشكل يومي على رسم الأشكال الهندسية وكان يمارس كرة القدم مع رفاقه الصغار وكان يحلم بأن يصبح في يوم من الأيام مهندساً معمارياً، إلا أن الاحتلال دفن حلمه بصاروخ غادر" القول لأمه هبة.

أمنيته وصموده الفولاذي

كلما زارته والدته كان يقول لها محمد: "أتمنى يا أمي أن يشفيني الله لأساعدك وأقف إلى جانبك وأزور قبر والدي وشقيقي التوأم وعمي وأبناء عمي، واستذكر طفولتي معهم، أتمنى يا أمي أن ألعب مثل الأطفال وأن أرسم الأشكال الهندسية كما كنت سابقاً"، هذه الكلمات كانت كفيلة بأن تجعل أم محمد تبكي أنهاراً من الدمع.

وتستذكر والدته، عندما يزورنا محمد في البيت لا يستطيع الصعود إلى الشقة بل يجلس لمدة ساعة أو أكثر قليلاً في الطابق الأرض من منزل العائلة ثم يعود إلى مستشفى الوفاء، ليتقطع فؤادها على فلذة كبدها الذي لا يستطيع النوم في أحضانها.

رغم صعوبة الوضع الصحي لمحمد إلا أن والدته تعلمت العديد من صور التحدي والصمود وقوة الإرادة، حيث تقول: "كنت أرى في عينيه قوة فولاذية لا يستطيع أحد أن يمتلكها حيث أكمل دراسته من الصف الرابع حتى السادس وكان معدله فوق الـ80% في جميع الفصول، وكان يداوم على أداء فريضة الصلاة والصيام.

نهاية مؤلمة

قبل 9 أيام من استشهاده، تدهورت صحة "محمد" وأصابته جلطة دماغية وأصبح يعاني كثيراً في التنفس والنطق، ما دفع الأم المكلومة لزيارته يومياً لرفع معنوياته، وبعد 5 أيام من العلاج تحسنت حالة "محمد" وأصبح يتحدث ويتكلم، حينها شعرت الأم بالسعادة والفرح وغادرت المستشفى وهي تأمل بإنقاذ حياته.

فرحة "أم محمد" تبددت سريعاً حينما أخبروها بأن نجلها محمد فارق الحياة وارتقى شهيداً إلى العلى متأثراً بإصابته بشظايا صاروخ إسرائيلي عام 2014، ليكون شاهداً على مجزرة الاحتلال بحق أفراد عائلته.

وباستشهاد الريفي يرتفع عدد ضحايا الحرب الأخيرة على قطاع غزة (عام 2014) إلى 2323 شهيدا فلسطينيا بينهم 579 طفلًا، و489 امرأةً، و102 مسنًا، وفق إحصائية رسمية صدرت عن وزارة الصحة الفلسطينية.

كما تسببت الحرب، بإصابة نحو 11 ألفًا، منهم 302 سيدة، بينهن 100 سيدة تعاني من إعاقة دائمة، كما وأصيب 3303 من بين الجرحى بإعاقة دائمة، وفق الإحصائية.

الشهيد الطفل محمد الريفي استشهد متأثر بعد 4 سنوات من اصاباته.JPG
والدة الشهيد محمد الريفي
 

كلمات دلالية